بقايا صناعة غزة..منطقة "بيت حانون" ترثي ماضيها

13 يناير 2015
مصنع مدمر في منطقة بيت حانون الصناعية (خاص/عبدالحكيم أبورياش)
+ الخط -
تكاد الحركة التجارية تنعدم كلياً في منطقة "بيت حانون الصناعية"، الواقعة إلى الشمال من قطاع غزة، بفعل اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة عليها، والتي توجت بفرض حصار إسرائيلي مشدد على القطاع، صيف عام 2007، خنق المصانع الغزية كافة، وأبقى على اسمها فقط.
وتُعد منطقة "بيت حانون الصناعية" من أوائل المناطق الصناعية الفلسطينية، التي بدأ العمل بها عام 1993، بقدرات إنتاجية لنحو 40 مصنعاً، من مختلف القطاعات الاقتصادية، مثل صناعة الخرسانة، والبلاستيك، والأدوية ومستحضرات التجميل، والمواد الغذائية.
ويشير سفيان حمد، مدير بلدية بيت حانون، التي تقع على أطرافها الشمالية المنطقة الصناعية، إلى أنّ هذه المنطقة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000 تعرضت لسلسلة كبيرة من اقتحامات دبابات الاحتلال وجنوده وعمليات القصف المباشر والمتعمد على المصانع، ضمن سياسية الاحتلال في تدمير الاقتصاد الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة.
ويذكر حمد في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الاحتلال دمر خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع صيف العام الماضي، نحو 80% من المصانع الموجودة في المنطقة، وبلغت الخسائر المباشرة وغير المباشرة نحو 40 مليون دولار، وشرد في إثر ذلك مئات العمال.
ولم تعمل المنطقة، التي تبلغ مساحتها 243 دونماً، منذ إنشائها وحتى الآن، بالقدرات الإنتاجية الكاملة، والتي تستطيع توفير فرص عمل لأكثر من ثلاثة آلاف عامل في مختلف القطاعات، وتحتوي على أكثر من 150 مصنعاً، ولكن منذ سبع سنوات اقتصر العمل على 100 مصنع فقط، واجهت جملة كبيرة من التحديات.
ويلفت حمد إلى أن نحو 60 مصنعاً استطاعت العودة للعمل، بقدرات محدودة، بعد العدوان الأخير، ويعمل بها أقل من 200 عامل، في ظل تهديدات بالتوقف في أية لحظة، نظراً لارتباط عملها بفتح المعابر الحدودية التجارية، الخاضعة لسيطرة الاحتلال وإدخال المواد الخام، ومستلزمات العمل، وكذلك توفر التيار الكهربائي.

وأكد مدير البلدية أن الحياة لن تعود للمنطقة الصناعية، كما كانت قبل سنوات، ما لم يتم تدارك الوضع القائم حالياً في المنطقة، بتشجيع المصانع التي تعمل بقدرات جزئية، وتوفير دعم مالي عاجل وكافٍ لأصحاب المصانع التي دمرت بشكل كامل، لمساعدتهم على العمل مجدداً وتجديد معداتهم وبناء منشآتهم المدمرة.
وتُعد أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة من أكبر التحديات التي تواجه المصانع العاملة بعد انتهاء العدوان، الأمر الذي يرفع من تكلفة الإنتاج ويقلل من ساعات العمل، بسبب تشغيل أصحاب المصانع المولدات الكهربائية بعد شراء الوقود، في ظل تذبذب دخوله إلى القطاع، نظرا لإغلاق الاحتلال للمعابر.
من جانبه، يقول المدير العام لشركة الشرق الأوسط لصناعة الأدوية بغزة، مروان الأسطل، إن القدرات الإنتاجية للمصنع الموجود في منطقة "بيت حانون الصناعية"، انخفضت بعد 2007 لنحو 40% نتيجة فرض الحصار وتوقف حركة التصدير.
ويلفت الأسطل، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه بعد العدوان انخفضت القدرة التشغيلية للمصنع، لأقل من 25%، وهي مهددة بالانخفاض أكثر إن استمر الحصار على حاله، مضيفاً أنّ المصنع تعرض منذ افتتاحه في عام 1999، لسلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية بلغت أكثر من عشرة استهدافات، وخلال عام 2003 احتل جنود الاحتلال المصنع لمدة ثلاثة أشهر، أثناء اجتياح المنطقة الصناعية في بيت حانون.
ويشير الأسطل إلى أنّ الاحتلال يتعمد استهداف الصناعات الفلسطينية، بعد النجاحات العديدة التي حققتها على صعيد جودة الإنتاج ودخول المنتج الفلسطيني للعديد من الأسواق العربية والأجنبية.
وتميزت المناطق الصناعية بقدرتها على جلب الاستثمارات سواء الداخلية أو الخارجية، وتوفير بيئة خصبة لأصحاب المشاريع الصغيرة أو رؤوس الأموال المحدودة، في فتح مشاريع عمل خاصة بهم، مستفيدين من خبرة ومساعدة المؤسسات الصناعية الكبرى.
وساهم قانون الاستثمار الفلسطيني رقم "1" لعام 1998، في فتح المجال أمام المستثمرين، سواء العرب أو الأجانب، للاستثمار في أي مشروع من كافة القطاعات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، والذي أكد على منح الحوافز للمستثمرين، وتأسيس الهيئة المسؤولة عن تشجيع وتسهيل الاستثمار.
أما مدير شركة الحايك لمواد البناء، حسن الحايك، فيؤكد أنّ مصنعه في المنطقة، متوقف بشكل كلي، منذ عام 2007، وفي إثر ذلك تلاشى مصدر الدخل المالي لأكثر
من 50 عاملاً، كانوا يعملون في منشآت الشركة، التي تعد من أوائل الشركات في المنطقة الصناعية، ومن أكبرها في معدلات التصدير والإنتاج.
ويشير الحايك، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ انتفاضة الأقصى التي اندلعت أواخر شهر سبتمبر/أيلول من عام 2000، كانت الفارق الأبرز في الصناعة الفلسطينية، التي حققت قبل هذا التاريخ عدة إنجازات ساهمت في رفع الناتج المحلي وتشغيل الأيدي العاملة.
وناشد الحايك كافة الجهات المسؤولة للتحرك الفعلي لإنقاذ الصناعات الفلسطينية، ووضع خطة عاجلة تكفل ترميم المصانع التي استهدفت خلال السنوات الماضية، ووضع خطة تهدف إلى إعادة تثبيت أركان الاقتصاد المحلي، وفتح الأسواق الخارجية أمامها.
ودمر الاحتلال، خلال انتفاضة الأقصى، مطار غزة الدولي، الذي كان مجهزاً بكافة الخدمات التي تخدم القطاعات الاقتصادية، وتتيح المجال للتبادل التجاري والصناعي، الأمر الذي مثّل عقبة جديدة في وجه الاقتصاد.
وفي عام 1997، أنشأت شركة "باديكو" منطقة غزة الصناعية، شرقي القطاع، إلا أنّ الدمار أصابها مثلما أصاب سابقتها، وتمثلت الضربة القاسمة بإغلاق الاحتلال لمعبر المنطار (كارني)، أواخر شهر مارس/آذار 2011، والذي يجاور المنطقة الصناعية، وكان يعتبر من أكبر المعابر التجارية، التي تربط القطاع مع العالم الخارجي.
ولم يمضِ على إنشاء المنطقة عدة سنوات، حتى توقفت غالبية المصانع التي كانت تعمل بمنطقة غزة الصناعية، نتيجة لتعرضها بشكل دوري لعمليات اقتحام وتجريف من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي وآلياتهم العسكرية، نظرا لقربها من الحدود الشرقية لقطاع غزة، مع الاحتلال.
وكان القطاع الصناعي يساهم بنحو 23% من إجمالي الدخل القومي، بينما بلغت الخسائر المباشرة وغير المباشرة المترتبة على الأضرار الكلية والجزئية التي أصابت نحو 560 منشأة صناعية، أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير، نحو 200 مليون دولار.
المساهمون