بعد كل ذلك الخراب

28 فبراير 2015
+ الخط -
حتماً سوف يكون الأمر مرفوضاً دائماً، ويدعو إلى الغضب والاشمئزاز، من معظم الناس، بطبيعة الحال، كونه ينال من حق المجني عليهم، وحريتهم وإنسانيتهم، (وهن زوجات مستضعفات صابرات كاتمات للغيظ، قابضات على الجمر)، إضافة إلى التسبب بالأذى الجسدي من إصابات بليغة وكسور وكدمات ورضوض وتمزيق ضلوع وتورم عيون وازرقاق وجوه وتحطم أطراف، علاوة على الأذى النفسي البليغ الذي يضرب الروح في عقر كرامتها. أتحدث عن صنف قبيح محدد أحمق متخلف من الرجال، بعضلات مفتولة وشخصيات مهزوزة وعقول محدودة، مقتنعين تماماً أن الضرب هو الحل، بحيث يسمحون لأنفسهم حل أي مشكلة زوجية أو أسرية، تعترضهم من خلال استخدام غبي مشين لقبضات أياديهم الخرقاء وسيلة وحيدة للتفاهم مع شريكة الحياة، وكذلك في التعامل مع الأطفال. ومن يعتقد أن هذه الظاهرة غير موجودة في مجتمعاتنا، إلا في حدها الأدنى، وفي نطاق طبقة اجتماعية مسحوقة فقيرة محرومة، فهو مخطئ تماماً لشديد الأسف، وأقترح عليه، في هذا السياق، الاطلاع على سجلات الشكاوى التي ترد إلى مراكز الأمن على مدار الساعة، مع ضرورة الإشارة إلى أن الحالات التي يتم (لفلفتها)، والتكتم عليها، لاعتبارات اجتماعية، وبسبب الخوف وقلة الحيلة، فلا تصل إلى السجلات الرسمية، أكثر من إمكاناتنا على التصور، لأن المسكوت عنه خلف جدران البيوت خطير، والمخفي أعظم.
وهنالك تقارير عن تعرض إلى ضرب مبرح، أدى إلى إصابات جسيمة، وفي حالات معينة، أفضى إلى الوفاة، ولا يقتصر هذا العنف الأسري على الزوجة فحسب، بل ينصرف، في أحيان عديدة، إلى الأولاد كذلك، وهم الصغار الضعاف المحتاجون إلى الاهتمام والعطف والحماية والحنان. وقد فصلت محاكم أردنية، أخيراً، بقضية ضرب أفضى إلى الموت بحق طفلة تبلغ سنوات عشراً، حيث أقدم والدها على فعلته الوحشية، وأزهق روحها، من خلال ضربها بالعصا على الرأس، ما أدى إلى وفاتها فوراً، إثر تحريض مجرم من تربوية جاهلة، تعمل مديرة مدرسة، ما زالت على رأس عملها (!). اتهمت الطفلة حسناء بسرقة ثلاثة دنانير، فثارت ثائرة الأب الغيور على الفضيلة والأخلاق الحسنة، وقرر أن يؤدب الصغيرة، بحيث يضمن أن لا تكرر فعلتها البريئة ثانية، وكان له ما أراد (!). الصادم أن محكمة الجنايات الكبرى عدلت التهمة من القتل القصد إلى الضرب المفضي إلى الموت، كما قررت المحكمة المذكورة، بناءً على إسقاط الأم حقها الشخصي، عقوبة مضحكة على الأب الجاني، لم تتجاوز ست سنوات حكومية (السنة تسعة أشهر). بمعنى أن المجرم حصل على نزهة عدة أشهر، برعاية الدولة، في مقابل قتل صغيرته، وهو المؤتمن، ابتداءً، على حياتها. وبغض النظر عن الأسباب، أو الضغوط التي مورست على الأم، فإنها تظل خائنة الحليب الذي سرى من جسدها إلى أوردة صغيرتها. وثمة كذلك تنكر صارخ لأمومةٍ، هي ليست جديرة بها، أصلاً. لذلك تنازلت عنها بدم بارد مكافأة مخجلة غير نبيلة، لمن حرم صغيرتها حقها في الحياة. يقودنا هذا الأمر إلى مقدار التخاذل المثير للخيبة الذي تبديه نساء معنفات في مواجهة من يعتدي عليهن، وعلى صغارهن، ضرباً وإهانة وتجريحاً وقتلاً أحياناً، تحت عنوان بائس ضعيف مازوشي، مفاده (ما بدي أخرب بيتي بأيدي)، وكأن بعد كل ذلك الخراب خراب.
وفي الوقت الذي حقق فيه الغرب قفزات نوعية في مجال حقوق الحيوان، بحيث يزج بالسجن، وتفرض عليه عقوبات صارمة، كل من يثبت تعرضه لحيوان ما بالأذى والضرب وسوء المعاملة، فإن قانون العقوبات الأردني، وفي المادة 62 تحديداً، ما زال يجيز ضرب الطفل، أقصد صغير الإنسان! في نطاق تأديبه، شريطة أن يكون الضرب وفقاً للعرف، في انتهاك صارخ لحق الطفل الطبيعي، والبسيط، في حياة حرة كريمة آمنة.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.