جاء إعلان رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، عن تبرئة قائد قوات الجيش في محافظة الأنبار، غربي العراق، اللواء الركن محمود الفلاحي، من تهم التخابر مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والاستخبارات الأميركية، والتي وجهت إليه من قبل مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، مطلع شهر يوليو/تموز الحالي، بمثابة إغلاق الملف بشكل كامل، إلا أن مليشيات عراقية مرتبطة بإيران لا تزال تواصل حملتها ضد الفلاحي، مصعدة مطالبها بما تسميه "ضرورة تنقية الجيش"، في إشارة إلى علاقة ضباط عراقيين مع الولايات المتحدة.
وقال عبد المهدي، أمس الأول الثلاثاء، إن تحقيقاً أجري بشأن التسجيل الصوتي الذي نشر حول تخابر الفلاحي مع جهات خارجية، مؤكداً في حديث للتلفزيون العراقي الرسمي، أن "التحقيق لم يثبت عملية التخابر، وتمّ نقل الضابط إلى مكان آخر بأمرٍ من وزير الدفاع نجاح الشمري، وانتهى التحقيق وحسمت النتيجة".
لكن مسؤولاً عسكرياً رفيعاً في الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، أكد لـ"العربي الجديد"، عدم تسمية قائدٍ جديدٍ للجيش حتى الآن في المحافظة التي تشكل نحو ثلث مساحة العراق، وتحدها السعودية والأردن وسورية.
ولفت المصدر إلى أن الفلاحي لا يزال عملياً قائد الجيش بالمحافظة، رغم أنه لم يعد لمزاولة عمله منذ انتقاله إلى بغداد بعد استدعائه من قبل وزارة الدفاع، فيما يدير العمليات العسكرية ثلاثة ضباط من مساعديه، بعلم الشمري.
وأوضح المسؤول أن القيادات العسكرية كانت تتوقع وقوع مشكلة الآن أو بعد حين، بين قائد الجيش و"كتائب حزب الله" بسبب خلافات حادة بين الطرفين حول قضايا عدة، من بينها "اعتقالات عناصر المليشيا العشوائية للمواطنين واستيلائهم على معدات ثقيلة للجيش وأسلحة، ورفضهم إعادتها، إضافة إلى سيطرتهم على مناطق النخيب الحدودية مع السعودية، وامتناعهم عن الانسحاب منها".
وأشار المصدر إلى أن قائد عمليات نينوى السابق نجم الجبوري، الذي أحيل للتقاعد قبل شهرين، كاد يواجه مصير الفلاحي ذاته، لولا إحالته للتقاعد، وذلك بسبب خلافات مماثلة أيضاً بينه وبين زعماء مليشيات عراقية هناك، مؤكداً حصول "استهداف لضباط محددين بالجيش العراقي من قبل مليشيات على صلة بإيران، بسبب مهنيتهم ووطنيهم"، على حدّ قوله.
في هذه الأثناء، ردت مليشيا "كتائب حزب الله" على تبرئة قائد عمليات الأنبار، معتبرة إياه "انتكاسة للقضاء"، ومتوعدة بـ"عدم مرور المسألة بهذه البساطة".
ونقلت وسائل إعلام عراقية بياناً للمليشيا قالت فيه إن "الضغوط الأميركية الكبيرة التي مورست على اللجنة المكلفة بالتحقيق مع قائد عمليات الأنبار، محمود الفلاحي، أتت بثمارها"، معتبرة أن "تمرير الصفقات الأميركية المشبوهة انتكاسة للقضاء العراقي واستخفافاً بدماء الشهداء"، وأن "المسألة لن تمر بهذه البساطة".
وانتقد عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" حسن سالم، تبرئة الفلاحي من تهم التخابر الموجهة إليه، معتبراً أنه "لا يمكن التسامح مع الخونة، ومع من تسببوا بحدوث كوارث إنسانية في البلاد".
وبحسب سالم، فإن قضية الفلاحي "كانت واضحة جداً، فالعميل الذي كان يعمل مع الأميركيين موجود، والتسجيل الصوتي واضح"، معتبراً في تصريح صحافي، أن هذه القضية "لا تخدش المؤسسة العسكرية، بل على العكس، تساعد على تطهيرها من الخونة".
كما اعتبر رئيس المجلس السياسي لمليشيا "النجباء"، علي الأسدي، قرار تبرئة الفلاحي مما وصفه بـ"التجسس على القوات العراقية والحشد الشعبي"، أنه "استهانة بشهداء العراق".
ورأى الأسدي في بيانٍ، أن "محاولة الجهة المسؤولة عن التحقيق إشغال الرأي العام بموضوع تشكيل اللجنة التحقيقية، هي عبارة عن ضحك على الذقون". وفي إشارة إلى أن القرار بالتبرئة ليس عراقياً، قال إنه "صدر من خارج البلاد على لسان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي".
إلى ذلك، طالب النائب عن كتلة "بدر" النيابية، حامد عباس الموسوي، في حديثٍ لوسائل إعلام عراقية، بـ"ضرورة مراقبة الحكومة العراقية لقادتها الأمنيين ووضع تعليمات صارمة تقيد اتصالاتهم وتراقبها، ولا تسمح لهم بزيارة السفارات أو اللقاء مع البعثات أو الوفود، إلا بعلم الحكومة وتحت أنظارها وتنظيم عمل المؤسسة العسكرية والأمنية بما يحفظ سلطة الدولة وسيادتها وعدم التهاون في إفشاء الخطط والأسرار العسكرية".
من جهته، اعتبر عضو "جمعية المحاربين العراقية"، العميد المتقاعد صباح فاضل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إصرار مليشيا غير نظامية على محاسبة قائد عسكري رفيع، تمثل سابقة خطيرة تهدد السياقات العسكرية، مشدداً على أنه "يتوجب على الجهة التي تمتلك معلومات خطيرة مثل التي سيقت ضد الفلاحي، أن تتوجه بها إلى القضاء، لا إلى وسائل الإعلام، للتشهير به". وتساءل "بعدما تجرأت كتائب حزب الله على اتهام الفلاحي بالخيانة، هل يمكن أن توجه مثل هذه الاتهامات لقادة لا ينصاعون لأوامر الفصائل المسلحة؟".
وأضاف فاضل أنه "من حق قائد عمليات الأنبار، وهو ضابط رفيع، أن يتقدم بشكوى لمقاضاة الجهة التي روجت معلومات لم تثبت صحتها ضده"، مرجحاً أن يكون سبب العداء "عائداً إلى صراع على مناطق النفوذ في محافظة الأنبار التي تشهد وجوداً أميركياً إلى جانب القوات العراقية والفصائل المسلحة التي تتبع أغلبها للحشد الشعبي".
ووفقاً لمصادر برلمانية، فان كتلاً مقربة من مليشيات "الحشد" تمارس ضغوطاً على أعضاء في لجنة الأمن والدفاع، لاتخاذ موقف مناوئ لإعلان الحكومة تبرئة الفلاحي، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن نواباً من تحالف "الفتح" يضغطون بشكل قوي في هذا الاتجاه.
وفي السياق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية علي الغانمي، إن اللجنة تنوي استضافة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بصفته القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الدفاع نجاح الشمري للاستفهام عن نتائج التحقيق في قضية الفلاحي، موضحا في تصريح صحافي، أن اللجنة جهزت عددا من الأسئلة التي ستطرحها على عبد المهدي والشمري.
وبيّن الغانمي، وهو نائب عن ائتلاف نوري المالكي (ائتلاف "دولة القانون")، أن لجنة الأمن البرلمانية لا تعلم أي شيء عن نتائج التحقيق، مشيراً إلى أن التساؤلات ستحاول التوصل إلى هوية اللجنة التحقيقية، وما إذا كانت هناك مشاركة من قضاة عسكريين، وطبيعة الأدوات التي استخدمت خلال التحقيق.
وحذر عضو لجنة الأمن والدفاع عن محافظة الأنبار، محمد الكربولي، من احتمال وجود مخطط لاستهداف قائد عمليات الأنبار، معرباً عن خشيته من استمرار استهداف الخبرات العسكرية.
وفي الرابع من شهر يوليو/ تموز الحالي، نشرت مليشيا "كتائب حزب الله" تسريباتٍ صوتية لمكالمات هاتفية، قالت إنها دارت بين الفلاحي وعميل آخر، سلّم من خلالها إحداثيات مواقع لفصائل عراقية مسلحة عدة تنشط على الحدود مع سورية.