19 أكتوبر 2019
بعد انسحاب أميركا ترامب من اتفاق المناخ
كما كان متوقعاً، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من اتفاق باريس حول المناخ، المتوصل إليه نهاية 2015، ليفي بذلك بأحد وعوده الانتخابية الأكثر إثارة للجدل داخلياً وخارجياً. جاء قراره في وقتٍ تمر فيه إدارته بظروف صعبة، بسبب التحقيق القضائي حول علاقاته ومقربيه بروسيا خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، وانتكاسات بعض مراسيمه الرئاسية، بسبب تعليق القضاء الأميركي لها، فضلاً عن الضجة السياسية التي أحدثتها إقالته مدير مكتب التحقيق الفيدرالي، أملاً في طي ملف التحقيق بشأن علاقاته مع روسيا نهائياً. ومن ثم، فالقرار يأتي في توقيتٍ محسوبٍ للغاية، لتحويل اهتمام الرأي العام، حتى تعلق الأمر بوعد انتخابي. وعلل ترامب قراره بأن اتفاق باريس يعرقل تنمية القطاعات الصناعية في بلاده، مردداً بذلك الحجج الواهية نفسها التي كرّرها في حملته الانتخابية، وبتصور أكثر من ضيق: "انتخبت لتمثيل سكان بتسبرغ وليس باريس"! وكأن الاتفاق الذي وقع عليه 195 بلداً، باحتساب أميركا، يخص باريس وليس كوكب الأرض. كما عبر عن إرادته التفاوض حول "اتفاق جديد"، أو إعادة التفاوض حول اتفاق باريس. لكن القرار الأميركي لن يصبح سارياً إلا بعد ثلاث سنوات، فالاتفاق ينص على أن أي طرف يريد الانسحاب منه عليه أن ينتظر ثلاث سنوات، اعتباراً من تاريخ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وهو 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ما يعني أن انسحابها لن يصبح سارياً قبل نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
طبعاً ليست هذه المرة الأولى التي تنقلب فيه أميركا على اتفاق مناخي دولي، فلما انطلقت المفاوضات للتوصل إلى اتفاق ريو لعام 1992 للحد من انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، صرّح الرئيس الأميركي حينها، جورج بوش، بأن "نمط الحياة الأميركي غير قابل للتفاوض". وفي 1997، رفض الكونغرس المصادقة على برتوكول كيوتو الذي وقعت عليه إدارة الرئيس بيل كلينتون. لكن في 2015، لعبت إدارة أوباما دوراً بارزاً في التوصل إلى اتفاق باريس الذي يمزج بين مبادئ ملزمة وأخرى طوعية.
وقد أثار القرار المتوقع فوراً ردود فعل كثيرة وقوية، لاسيما في دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا، فالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، صرّح بأنه "يحترم القرار
السيادي" الأميركي، لكنه "يتأسف له"، معتبراً أن "الولايات المتحدة تدير ظهرها للعالم، لكن فرنسا لن تدير ظهرها للأميركيين"، ودعا العلماء والباحثين الأميركيين المختصين في حماية البيئة للمجيء إلى فرنسا لمواصلة أبحاثهم العلمية لتطوير سبل الحد من الاحتباس الحراري، كما أكد على أن اتفاق باريس غير قابل للتفاوض. أما المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فقد أعربت، هي الأخرى، عن أسفها لقرار ترامب، مؤكدة على ضرورة "مواصلة السياسة المناخية التي تحفظ كوكبنا". وأعربت الدول الأوروبية، بما فيها بريطانيا، عن أسفها للقرار الأميركي، مؤكدة أهمية اتفاق باريس، وضمان أمن الأجيال المقبلة وسلامتها وازدهارها، ومجددة التزامها به، ومواصلة الجهود للحد من الاحتباس الحراري. والموقف نفسه عبر عن الاتحاد الأوروبي والصين. أما الأمم المتحدة فرأت في القرار "خيبة كبيرة"، معتبرة أن "من المهم أن تحتفظ الولايات المتحدة بدور قيادي في الملفات البيئية"، في إشارة واضحة إلى سياسة الرئيس السابق أوباما.
يطرح القرار عدة إشكالات، قد تكون الكلمة الفصل فيها للداخل الأميركي. فالمشكلة الأولى مع هذه القرار، غير المفاجئ، هي أن أميركا هي ثاني أكبر مصدر لانبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري بعد الصين، وبالتالي، يقوّض انسحابها الجهود الدولية لحماية التوازن البيئي، ويشير قرارها هذا إلى انتهاجها سياسةً لا ترقى إلى مقامها ودورها في السياسة العالمية. فبعد أشهر معدودة من خلافة باراك أوباما في السلطة، حوَّل ترامب أميركا من قوة دافعة نحو الحد من الاحتباس الحراري إلى قوة انعزالية، تضع نفسها في جهة، وبقية العالم في جهة. وهناك مخاطر سير دول أخرى على خطى الولايات المتحدة، والإعلان عن الانسحاب من الاتفاق المناخي، ما يعني إفراغه من محتواه تدريجياً، فقد تتعذّر دول بالحجج نفسها التي ساقها ترامب، وتنسحب منه ولو مؤقتاً. ما يعني، في نهاية المطاف، استحالة تحقيق الأهداف المسطرة، خصوصا أن أميركا، كما سبق القول، هي ثاني أكبر مُلَوَّث في العالم. أما الدول الأخرى، لاسيما القوى الكبرى الملتزمة بالاتفاق، والمدافعة عنه، فلا يمكنها فعل شيء، ما عدا التأكيد على التزامها به، والعمل على مواصلة سياسة الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، إذ لا يمكنها الضغط على أميركا للعدول عن قرارها.
فهل من مخرج؟ قد يأتي الحل من الداخل الأميركي، فكبريات الشركات الأميركية والرأي العام يدافعون عن اتفاق باريس المناخي، فبعد أيام معدودة من انتخابه، دعت أكثر من 350 شركة أميركية، من بينها شركات عالمية عملاقة، الرئيس ترامب إلى احترام الأهداف المنصوص
عليها في اتفاق باريس، محذرة من المخاطر المحدقة بالازدهار الأميركي في حال العدول عنها، معلنةً، في الوقت نفسه، أنه مهما كان قراره النهائي، فإنها ستعمل على مستواها على الحد من انبعاث الغازات المعنية. أما سياسياً، فإن مسؤولين كبارا في الإدارات الأميركية السابقة، من جمهوريين وديمقراطيين، حذّروا من المساس بمصداقية أميركا في العالم. فيما تفيد استطلاعات الرأي بأن أغلبية الشعب الأميركي تدعم اتفاق باريس. لكن مقابل المدافعين عنه، هناك قطاعات واسعة من الأميركيين، لاسيما الذين صوّتوا لترامب، وبعض اللوبيات الصناعية "التقليدية" (المضرّة بالبيئة) لا يكترثون بالبيئة ومقتنعون، مثل ترامب، بأن الاحتباس الحراري مسألة واهية، وأن الحاجة الاقتصادية أولى. وبالتالي، فإن أي حسم للأمر من الأرجح أن يكون نتيجة صراع داخلي بين المدافعين عن البيئة وعن التنمية الاقتصادية المستدامة وبين المناوئين للبيئة المقتنعين بمقولة "من بعدنا الطوفان".
طبعاً ليست هذه المرة الأولى التي تنقلب فيه أميركا على اتفاق مناخي دولي، فلما انطلقت المفاوضات للتوصل إلى اتفاق ريو لعام 1992 للحد من انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، صرّح الرئيس الأميركي حينها، جورج بوش، بأن "نمط الحياة الأميركي غير قابل للتفاوض". وفي 1997، رفض الكونغرس المصادقة على برتوكول كيوتو الذي وقعت عليه إدارة الرئيس بيل كلينتون. لكن في 2015، لعبت إدارة أوباما دوراً بارزاً في التوصل إلى اتفاق باريس الذي يمزج بين مبادئ ملزمة وأخرى طوعية.
وقد أثار القرار المتوقع فوراً ردود فعل كثيرة وقوية، لاسيما في دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا، فالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، صرّح بأنه "يحترم القرار
يطرح القرار عدة إشكالات، قد تكون الكلمة الفصل فيها للداخل الأميركي. فالمشكلة الأولى مع هذه القرار، غير المفاجئ، هي أن أميركا هي ثاني أكبر مصدر لانبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري بعد الصين، وبالتالي، يقوّض انسحابها الجهود الدولية لحماية التوازن البيئي، ويشير قرارها هذا إلى انتهاجها سياسةً لا ترقى إلى مقامها ودورها في السياسة العالمية. فبعد أشهر معدودة من خلافة باراك أوباما في السلطة، حوَّل ترامب أميركا من قوة دافعة نحو الحد من الاحتباس الحراري إلى قوة انعزالية، تضع نفسها في جهة، وبقية العالم في جهة. وهناك مخاطر سير دول أخرى على خطى الولايات المتحدة، والإعلان عن الانسحاب من الاتفاق المناخي، ما يعني إفراغه من محتواه تدريجياً، فقد تتعذّر دول بالحجج نفسها التي ساقها ترامب، وتنسحب منه ولو مؤقتاً. ما يعني، في نهاية المطاف، استحالة تحقيق الأهداف المسطرة، خصوصا أن أميركا، كما سبق القول، هي ثاني أكبر مُلَوَّث في العالم. أما الدول الأخرى، لاسيما القوى الكبرى الملتزمة بالاتفاق، والمدافعة عنه، فلا يمكنها فعل شيء، ما عدا التأكيد على التزامها به، والعمل على مواصلة سياسة الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، إذ لا يمكنها الضغط على أميركا للعدول عن قرارها.
فهل من مخرج؟ قد يأتي الحل من الداخل الأميركي، فكبريات الشركات الأميركية والرأي العام يدافعون عن اتفاق باريس المناخي، فبعد أيام معدودة من انتخابه، دعت أكثر من 350 شركة أميركية، من بينها شركات عالمية عملاقة، الرئيس ترامب إلى احترام الأهداف المنصوص