يطوي شهر أغسطس/ آب في العراق كأحد أكثر الشهور تصعيداً على مستوى الهجمات التي نفذتها المليشيات المرتبطة بإيران، والتي استهدفت مصالح أميركية أو تابعة للتحالف الدولي، إذ بلغ عدد الهجمات بواسطة صواريخ الكاتيوشا والعبوات الناسفة، منذ مطلع الشهر الحالي، 23 هجوماً أو محاولة هجوم، حيث بدا لافتاً نجاح القوات العراقية بمنع تنفيذ عدد من تلك الهجمات في ضواحي بغداد الجنوبية.
واستهدفت العمليات المنطقة الخضراء، التي تضمّ السفارة الأميركية، ومطار بغداد، بجزئه العسكري الذي يضم قوة أميركية تتبع وحدة مهام ضمن جهود التحالف الدولي، إضافة إلى معسكر التاجي الذي أدت إحدى الهجمات إلى خروج مروحية قتالية عراقية عن الخدمة، بينما بدا لافتاً التصعيد على مستوى العمليات بواسطة العبوات الناسفة التي تزرع على جوانب الطرق لاستهداف الأرتال القادمة بالعادة من موانئ البصرة ومحملة بمواد ومعدات مختلفة للتحالف الدولي، وهي معدات غير عسكرية، ولا تحمل ذخائر أو أسلحة، لذا تتولى شركات أمنية ومتعهدو نقل عراقيون إيصالها.
وأدت الهجمات إلى مقتل مدني عراقي وإصابة اثنين آخرين، وسببت خسائر مادية متفاوتة في عدد منها، وكلها ضمن الخسائر العراقية، في حين أن الجانب الأميركي أو التحالف الدولي لم يعلن أي خسائر بشرية أو مادية في كل تلك الهجمات.
وفي السياق ذاته، كشف مسؤول عسكري عراقي بارز في بغداد عن أن خيارات المليشيات الولائية محدودة بعد مغادرة الأميركيين قاعدة التاجي واستعدادهم قريباً للتخلي عن وجودهم العسكري في الجزء الغربي الملاصق لمطار بغداد الدولي، ضمن برنامج إعادة الانتشار، والتقليل من وجودهم العددي بالعراق.
وأضاف المسؤول ذاته، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القوات الأميركية وكل جنسيات التحالف الدولي ستكون في قاعدتي عين الأسد وحرير المحصنتين، ولا توجد إمكانية للمليشيات للوصول إليها، خاصة بصواريخها الحالية (الكاتيوشا)، مبيناً أن قاعدة حرير شمال أربيل ضمن إقليم كردستان العراق محصنة تماماً، وعين الأسد فُرضَت أرض حرام حولها لا يمكن أن تشكل تهديدات المليشيات أي خطورة عليها.
وكشف عن أن "عملية الانتقال وإعادة التموضع هذه ستفقد الجماعات المسلحة تأثيرها في التهديد بالتصعيد العسكري، إذ لا يوجد أي تأثير أو تهديد لها على قاعدتي عين الأسد وحرير"، معتبراً أن السفارة الأميركية في بغداد "هي مشكلة الحكومة العراقية قبل أن تكون مشكلة أميركية من ناحية تأمينها، لكون الهجمات المستمرة تحرج حكومة مصطفى الكاظمي، وهناك أساساً تحذير منذ شهر إبريل/ نيسان الماضي من أن أي خسائر بشرية في صفوف الرعايا الأميركيين جراء هذه الهجمات سيترتب عنه رد عسكري أميركي".
وليلة أمس، أطلقت السفارة الأميركية صفارات الإنذار داخل المنطقة الخضراء جراء سقوط صاروخ كاتيوشا جديد، هو الثالث من نوعه خلال أقل من 72 ساعة.
عملية الانتقال وإعادة التموضع هذه ستفقد الجماعات المسلحة تأثيرها في التهديد بالتصعيد العسكري، إذ لا يوجد أي تأثير أو تهديد لها على قاعدتي عين الأسد وحرير
وقالت بيان رسمي عراقي إن صاروخ كاتيوشا سقط على منزل فارغ داخل المنطقة الخضراء، مؤكدة عدم حدوث خسائر بشرية، ولفتت الخلية إلى أن انطلاق الصاروخ كان من جانب الرصافة في بغداد.
وتكتفي السلطات العراقية بإعلان العمليات التي تستهدف المنطقة الخضراء وقواعد عسكرية فيها مصالح أميركية، وأرتال تابعة للتحالف الدولي، دون تسمية الجهات المهاجمة، وتتجنب اعتبارها عمليات إرهابية، إلا أن الولايات المتحدة الأميركية توجه اتهامات إلى فصائل مسلحة مدعومة من إيران بالوقوف وراء مثل هذه الهجمات.
في السياق ذاته، كشف المتحدث باسم تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، النائب أحمد الأسدي، عن إبلاغ تحالفه لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي رفض موضوع بقاء القوات الأميركية لمدة ثلاث سنوات، مبيناً، في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام محلية: "أبلغنا الكاظمي رفضنا بقاء القوات الأميركية ثلاث سنوات، ونحن نؤيد خطوات الكاظمي ما دامت ضمن الاتفاقات والتفاهمات السابقة، وسنكون معارضين في حال التنصل منها، فضلاً عن تأييد سفر الكاظمي إلى دول الخليج وأي دولة بالعالم، باستثناء إسرائيل، ما دامت تحقق مصلحة للعراق".
فيما اعتبر عضو التحالف نفسه، النائب محمد كريم، أن الحكومة "ملزمة بالعمل على إخراج القوات الأميركية من العراق"، مؤكداً، في إيجاز صحافي، موقف تحالفه في البرلمان من قضية الوجود الأميركي في العراق ورفض فترة الثلاث سنوات التي حددتها زيارة رئيس الوزراء العراقي لواشنطن الأسبوع الماضي، كأحد أبرز مخرجات ونتائج زيارته، مشدداً على أن "أي وجود للقوات الأجنبية داخل العراق يمثل تهديداً للأمن العراقي، فضلاً عن اعتباره تهديداً لباقي دول المنطقة"، في إشارة إلى إيران.
الخبير بالشأن الأمني العراقي العميد المتقاعد أحمد الحديثي، اعتبر أن خيارات المليشيات ستكون محدودة جداً بعد انتقال القوات الأميركية في قاعدتي عين الأسد وحرير.
وأضاف الحديثي: "القاعدتان محصنتان تماماً، وبالنسبة إلى قاعدة حرير في أربيل، فهي آمنة تماماً ومنيعة، أما قاعدة عين الأسد غرب الأنبار، فلا يبدو أنها ستتأثر بصواريخ الكاتيوشا حتى في حال وصول هذه الصواريخ إليها، كذلك فإن تحرك المليشيات نفسها في هذه المنطقة ليس سهلاً كما كان يجري الحال بالنسبة إليه في بغداد".
واعتبر أن "الأرتال التي تُستهدَف تبين أنها تحمل مواد غذائية وقطع غيار سيارات ومواد كهربائية ومعدات خدمة الجنود، وكلها غير عسكرية، إذ إن الشحن العسكري يجري جواً، لذا إن التصعيد الذي تقوم به الجماعات المسلحة حالياً قد لا يعتبر مشكلة للقوات الأميركية، في وقت تبقى فيه السفارة الأميركية ببغداد الحلقة الأضعف، خاصة مع استمرار هجمات الكاتيوشا بين يوم وآخر".