بعد "مجزرة الكيماوي"...ضوء أخضر عالمي للنظام السوري لمواصلة الإبادة

21 اغسطس 2016
ضحية سلاح كيميائي روسي في مستشفى تركية (عزت مازي/الأناضول)
+ الخط -
سيذكر التاريخ أن مجزرة غوطتي دمشق، والتي راح ضحيتها نحو 1722 قتيلاً وآلاف المصابين في 21 أغسطس/آب 2013، شكلت، عملياً، وبالوقائع، المحطة التي تمكن من خلالها معسكر النظام السوري وحلفاؤه من إطلاق يدهم من دون حدود لإخماد الثورة السورية. ذلك أن العالم كان يعتقد أن استخدام النظام في دمشق الأسلحة الكيماوية كان فعلاً سيعتبر انطلاق العد العكسي لنهاية النظام، غير أن العكس هو الذي حصل، بعدما ذابت الخطوط الحمراء التي رسمها الرئيس الأميركي باراك أوباما في 20 أغسطس/آب 2012، أي قبل عام ويوم واحد من محرقة الكيماوي التي نفذتها قوات النظام السوري ضد سكان الغوطتَين الشرقية والغربية، عندما حذّر من أن أي نقل أو استخدام للأسلحة الكيمياوية في سورية يشكّل "خطاً أحمر" بالنسبة للولايات المتحدة وقد تكون له عواقب كثيرة.

في حينها، قال أوباما، حرفياً: "حتى الآن لم أعط أمر التدخل عسكرياً في سورية، لكن إذا رأينا نقلاً أو استخداماً لكميات من المواد الكيمياوية فذلك سيغيّر حساباتي ومعادلتي". عشية مجزرة الكيماوي، كان النظام السوري في مرحلة تراجع ملحوظ، والمعارضة المسلحة في تقدم باتجاه دمشق، فأتت المجزرة الكيماوية بمثابة "خيار انتحاري" للنظام قبل أن يصل إليه مقاتلو المعارضة. هكذا ظنّ العالم، حتى الأوساط الأكثر حماسة للنظام في حينها.

لكن المجزرة أظهرت، من بين ما أظهرته، أن ليس هناك قرار دولي بإطاحة النظام ورأسه. هكذا حصل كل ما يخدم النظام وينقذه؛ دخلت روسيا وإيران بثقلهما العسكري الكامل إلى جانب دمشق، وراحا يفرضان شروطهما لاستسلام المعارضة، وبعدها، تسلم ستيفان دي ميستورا الملف السوري نيابة عن بان كي مون، فوجد فيه معارضون كثر حبل إنقاذ إضافياً للنظام من خلال تسوية بيان فيينا 2015 الذي دفن عملياً أسس جنيف 1 عام 2012.

حتى الحلفاء المفترضون للثورة فضلوا انتظار باراك أوباما ليفي بـ"وعده"، وهو ما لم يحصل طبعاً، بل جلّ ما حصل كان الإخراج الروسي الأميركي المضحك المبكي لاتفاق نزع الترسانة السورية الكيماوية مزيناً بقرار دولي (2118) لمنع أي استخدام لها. إخراج يعتبره كثيرون في الغرب خصوصاً، بمثابة التواطؤ، لأن ما أثبتته الوقائع فيما بعد، أكد أن النظام لم يسلم إلا جزءاً من هذه الترسانة، بدليل المحطات المتكررة التي تم فيها رصد استخدام الأسلحة المحظورة التي كان يفترض أن يكون قد شملها الاتفاق الأميركي ــ الروسي الشهير بموجب القرار الدولي رقم 2118. قرار تم خرقه من قبل النظام السوري 136 مرة، بحسب رصد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، أمس السبت.

كانت تحذيرات أوباما، قبل عام من المجزرة، رداً على اتهامات بين الفينة والأخرى للنظام السوري باستخدام جرعات تحمل مواد كيمياوية في منطقة وأخرى، لكن بدا واضحاً أن الرئيس الأميركي نفسه، لم يكن يتوقع أن يقوم النظام السوري الذي كان يخشى من معركة وشيكة على دمشق، بهجوم فاضح ليل 21 أغسطس/آب 2013، عبر استخدام غاز السارين، بشكل واسع، بعد أيام قليلة على وصول المفتشين الدوليين إلى دمشق، للتحقيق في هذا الشأن.

استنفرت الولايات المتحدة كما العالم بعد هذه المحرقة. ثلاثة أيام كانت كفيلة لتنبئ بهجوم عسكري محتمل ضد النظام السوري من جانب الولايات المتحدة، بعد تجاوز "الخط الأحمر" من دون أي اكتراث. أعلن وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، آنذاك، أن البنتاغون يقوم بعملية تحريك للقوات لتكون جاهزة في حال قرر أوباما تنفيذ عمل عسكري. وتزامن ذلك مع نشر البحرية الأميركية مدمرة رابعة مجهزة بصواريخ كروز في البحر المتوسط، فظنّ السوريون أنها "لحظة أفول النظام السوري بعد تجاوزه كل المحرمات الدولية".

الروس أبعد من حماية النظام
حتى ذلك الحين، لم تكن لروسيا أطماع واضحة في سورية، كانت علاقة ارتباط تاريخي بدعم رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد، والاستمرار على النهج ذاته مع رئيس النظام الحالي بشار الأسد، واتفاقيات مستدامة تتعلق بشراء الأسلحة. ويضاف إلى ذلك الدعم السياسي المتمثل بتعطيل القرارات الدولية الصادرة ضد النظام، باستخدام حق النقض "الفيتو"، في حين بدأت إيران مبكراً بدعم النظام السوري عسكرياً، وإرسال آلاف المقاتلين للمساندة البرية، فضلاً عن الدعم الاقتصادي والمالي.








بعد ارتكاب النظام السوري المحرقة الكيماوية، لم يتأخر الرد الروسي هذه المرة، والذي بدا أنه سيمتد إلى ما بعد ردود الفعل، إذ أعلنت موسكو أنّ أقمارها الاصطناعية التقطت صوراً تُبيّن أن طرفاً في المعارضة أطلق صاروخين على الغوطة من منطقة دوما عند الواحدة والدقيقة الخامسة والثلاثين من ليل الأربعاء 21 أغسطس/آب 2013. وقال الروس إن الصاروخَين صناعة محلية ويحملان مواد كيماوية. تصريح أعطى مؤشراً إلى أن موسكو ذاهبة إلى أبعد من دعم النظام السوري، وربما طمع في الخارطة الجغرافية، والذي تحقق في ما بعد بتوقيع معاهدة "تشرعن" الوجود الروسي في سورية. استطاعت موسكو إيجاد حل إسعافي للنظام السوري ساعد بتوقيف البارجات الأميركية في عرض البحر، إذ اتفق الطرفان الأميركي والروسي على تدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، والتخلص منها بحلول منتصف 2014.

بقاء الأسد ضرورة إسرائيلية
بدا أن ما مهّد للاتفاق الروسي ـ الأميركي الشهير هو أن المزاج الدولي لم يجد حلاً سوى التضحية بالسمعة الأخلاقية على حساب مخاوف عدة قد تنشأ في حال ضرب النظام السوري عسكرياً، في ظل مخاوف من وقوع الأسلحة الكيماوية في أيدي المعارضة السورية.

في هذا السياق، يرى عضو الائتلاف السوري المعارض، سمير نشار، أنه "منذ اندلاع الثورة، وبعد التأكد من استمراريتها لعدم قدرة النظام على قمعها، نشأت مخاوف لدى إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى من وقوع الأسلحة الكيماوية الموجودة لدى النظام السوري في أيدي المعارضة والثوار الذين ليسوا بنظرهم واضحي المعالم، لكنهم، بشكل عام، ذوو طابع إسلامي". ويوضح أن "النظام السوري لم يكن يعترف حتى ذلك الحين بامتلاكها، بالإضافة إلى عدم انضمام النظام إلى المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، كل هذه الهواجس كانت موضع نقاش وتبادل للمعلومات بين إسرائيل والولايات المتحدة، لثقتهما أن النظام يخفيها".

ويضيف نشار لـ"العربي الجديد" أنه مع "اشتداد المعارك وظهور مؤشرات في أكثر من معركة على أن النظام يخسر مواقعه ويتراجع في أكثر من محافظة، خصوصاً التهديد الذي تمثله الثورة في محيط مدينة دمشق، وتحديداً الغوطة، على بقاء النظام، كان هناك تقدير لدى دوائر الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية أن النظام قد يستخدم كافة الأسلحة المتوفرة لديه بما فيها الكيماوية، لذلك انطلقت التحذيرات من الولايات المتحدة للنظام والحديث عن الخط الأحمر، في حين بقيت إسرائيل بعيدة عن الأنظار".

ويلفت المعارض ذاته إلى أنه "في وقت قريب من تاريخ المجزرة الكيماوية شعر النظام أنه سيخسر العاصمة دمشق نتيجة المعارك التي كانت تجري في أغلب المحافظة. لكن المواجهات الأسوأ كانت تجري في الغوطة ودرعا، وجازف باستخدام الأسلحة الكيماوية في التاريخ المذكور لقناعته أن بقاءه هو ضرورة إسرائيلية ودولية. عندما تحركت القطع الحربية الأميركية في البحر المتوسط لضرب النظام تأديبياً، كما أوضح أوباما، بحيث لا يؤدي إلى إسقاطه، كانت المخاوف لدى النظام وإيران والروس أنه لا يستطيع تحمل حتى الضربة التأديبية. من هنا، أعتقد أنه تأسست خلفية الصفقة التي تمت، والتي حققت الأهداف الإسرائيلية والأميركية من دون أية تكلفة، سوى التخلي عن الموقف الأخلاقي للرئيس أوباما الذي تناول من سمعته وأخلاقياته وفقدان المصداقية الشيء الكثير"، على حد تعبيره.

ووفقاً لمتابعين، فإنّه بعد ثلاثة أعوام على أكبر مجزرة من قبل النظام السوري في العصر الحديث، يبدو النظام أحسن حالاً من ذي قبل، في ظل زج إيران الآلاف من قواتها في المعارك السورية، إضافة إلى مقاتلي حزب الله والمليشيات العراقية. في حين أن الوجود الروسي على الأراضي السورية بات أكثر من مجرد تدخل عسكري، في ظل بحث موسكو عن خيارات مستدامة في سورية، وتوسيع القواعد العسكرية فيها، وتحويل قاعدة حميميم إلى منصة رئيسية دائمة في الشرق الأوسط.

وأكثر من ذلك، فإن النظام السوري يعود إلى استخدام الغازات السامة أمام مرأى ومسمع من العالم، وعلى الرغم من إقرار الأمم المتحدة واعترافها وتوثيقها استخدام الأسلحة الكيماوية، والتقليدية كذلك، ورسم الولايات المتحدة خطوطاً حمراء عديدة، بات حل القضية السورية دولياً وإقليمياً أكثر منه محلياً، وتوقعات المراقبين باستمرار الحرب لسنوات عديدة بسبب مكاسب الدول الكبرى فيها باتت جزءاً من الحقيقة.

ويؤكد عضو الائتلاف نفسه أن النظام سيكرر أي محاولة لاستخدام الأسلحة الكيماوية إذا اضطر لذلك، "لكنني أعتقد أنه لم يعد مضطراً، بعد التدخل الروسي على الأقل، إلى حين مغادرة أوباما البيت الأبيض، إذ إنه بوجود إدارة جديدة تختلف الحسابات وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ الصراع على سورية وعلى ثورة الشعب السوري"، على حدّ تعبيره.