- انتقد المثقفون الفلسطينيون موقف ممثل فلسطين في اليونسكو، إلياس صنبر، لعدم دفاعه عن الملصقات، معتبرين ذلك تفريطاً في التراث النضالي وأهمية الحفاظ على الأرشيف الفلسطيني.
- أكد المثقفون على ضرورة التمييز بين معاداة اليهودية والصهيونية، محذرين من خطورة المساومة على الإرث الثقافي الفلسطيني في المحافل الدولية.
لا نعتب كثيراً على أمين عام اليونسكو إرينا بوكوفا إن رفضت تضمين 1600 ملصق، هي ملصقات الثورة الفلسطينية ضمن مشروع المنظمة التوثيقي لحفظ التراث الثقافي العالمي، فهي "عبد المأمور"، نفهم ذلك من تعليلها الأمر بأن الملصقات "تؤجج مشاعر العداء ضدّ السامية واليهودية".
العتب في الحقيقة، على ممثل فلسطين في اليونسكو إلياس صنبر الذي نأى بنفسه عن المعركة، مبيّناً "لم أطّلع على هذه الملصقات، لكن بوكوفا اعتبرتها معادية للساميّة. وأظنّكم ستتفهّمون رغبتي عدم زجّ البعثة في مثل هذه الجدالات"، وفقاً لما جاء في رد صنبر في رسالة عَرض موقع "الانتفاضة الإلكترونية" الإنجليزي مقاطع منها.
أليس مستغرباً أن يكون رد إلياس صنبر، أنه لم يطلع على ملصقات الثورة الفلسطينية؟ إذا كان "ممثل فلسطين في اليونسكو" لا يريد الخوض في جدالات، فما هي مهمته بالضبط إن لم تكن الدفاع عن الحضور الثقافي والتاريخي الفلسطيني؟ أليست مفارقة أن يخوض الفلسطينيون كل يوم معاركهم الدامية، بينما يأنف صنبر من دخول جدال ثقافي ويدافع عن وجود الملصقات، أو على الأقل جزء منها، ضمن المشروع العالمي.
"العربي الجديد" رصدت آراء مجموعة من المثقفين الفلسطينيين حول القضية التي مرت بهدوء مريب الشهر الماضي، وحول أهمية الملصقات وموقف اليونسكو ورأي ممثّل السلطة الفلسطينية الذي يعتبر سابقة خطيرة في مجال التفريط الثقافي.
يعلّق الشاعر عز الدين المناصرة، وهو ممّن أشرفوا على تصميم جزء من ملصقات الثورة الفلسطينية، بقوله: "بوكوفا تكذب على نفسها حين تردّد مصطلح معاداة الساميّة؛ ذلك أنها تعلم جيداً أنه محض مصطلح ابتزازي اخترعته إسرائيل"، ويضيف صاحب "يا عنب الخليل" متسائلاً: "هل كانت بوكوفا، التي احتلت النازية بلادها وأعدمت شاعر المقاومة البلغاري نيكولا فابتساروف، لتقف مع الاحتلال الألماني؟ لماذا تقبل هذه المأساة لنا؟".
ويرى الكاتب والأكاديمي أحمد عزم بأنه "من المؤسف اتخاذ موظفين فلسطينيين قرارات متسرّعة، من مواقع عملهم؛ خوفاً من هجوم الدوائر الصهيونية عليهم"، موضحاً: "إن التراجع عن الرواية التاريخية الفلسطينية هو أسوأ ما قد يحدث لنا؛ إذ يقتضي المنطق أن ننخرط جميعاً في حفظ هذا الإرث الوطني لا المصادقة على طمره، وتحديداً من يعملون في البعثات الدبلوماسية".
ويضيف عزم لـ"العربي الجديد": "ثمّة حاجة ملحّة لحفظ إرثنا النضالي من الضياع، وعلى رأسه الملصق السياسي، لما ينطوي عليه من أهمية ورمزية عالية".
المخرج الفلسطيني نصري حجاج، يروي كيف شاهد معظم تلك الملصقات في المرحلة البيروتية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مبيناً "لم أجد فيها عداءً للسامية"، ويتابع "تنصّ القوانين الدولية على أحقية أي شعب محتل مقاومة محتلّيه بأشكال كفاحية شتى، لذا إن تم اعتبار البندقية رمزاً للإرهاب فهذا تأويل خاطئ وغير عادل".
يضيف حجاج أن ملصقات منظمة التحرير كانت "ممهورة بتوقيع فنّانين من أنحاء العالم كافة، كما قدّم "مركز الأبحاث الفلسطيني" في بيروت أوراقاً عدة حول هذه الجزئية على وجه التحديد". ينتقد حجّاح موقف صنبر، قائلاً إنه من الأجدر به "الاجتماع مع لجنة فنية وثقافية ذات مكانة رفيعة عالمياً؛ لدراسة المعنى والمبنى، عوضاً عن التنصّل من الأمر".
ويقول الكاتب والمترجم علاء الدين أبو زينة "ما حدث ليس سوى مؤشر آخر على تشوّش الرؤية الرسمية الفلسطينية"، مضيفاً "بفعل فقدان الأمل والاعتماد على وعود أميركية كاذبة، تم التخلّص، منذ اتفاقية أوسلو، بل وما قبلها، من تراث النضال الفلسطيني ورموزه، كأنما هو شيء يبعث على الخجل، بل ظنّ هؤلاء أنهم بهذا التخلّي ينسجمون مع الغرب ويستعطفونه لمنحهم دولة".
ملصق من تصميم كمال بُلّاطه |
ويرى أن عملية التبرّؤ هذه لا تقف عند حدود الملصقات فحسب، بل تتعدّاها لتصل إلى الأغنيات الثورية، متسائلاً "كيف سيترافع أحرار العالم عن قضيّتك، فيما أنت تتنكّر لها؟"، مردفاً "على الفلسطينيين أن يتحدّثوا بالعناد الذي يليق بصاحب القضية العادلة".
تقول الكاتبة ريما كتانة، زوجة الشهيد خالد نزال الذي قضى برصاص الموساد في أثينا في عام 1986، "أستغرب هذه الأصوات الشاذة التي ترى في الملصقات الثورية تحريضاً على الكراهية. ماذا عن ممارسات الاحتلال اليومية من قمع وقتل وتهويد واستيطان؟". وإن كانت كتانة تنحى باللائمة على الاحتلال وأذنابه، فهي لا تُعفي الأصوات الفلسطينية "التي تسعى لمسح هذا التراث، بدلاً من عرضه على العالم الأصمّ وتسليمه للأجيال القادمة".
من جهته، يقول رامي عدوان، نجل الشهيد كمال عدوان، أحد مؤسسي حركة فتح والقائمين على إعلام "منظمة التحرير" حتى عشيّة اغتياله في بيروت عام 1973، "في مواجهة التطرف الصهيوني الصريح، أجد مواقف السلطة الفلسطينية مائعة ومريبة وبعيدة كل البعد عمّا كانت عليه فتح عند نشأتها"، ويضيف لـ"العربي الجديد": "حربنا مع الإسرائيليين تطاول جبهات عدة على رأسها الثقافة والتاريخ".
بدوره، يقول الباحث في التاريخ الشفوي علاء أبو ضهير إن "الحفاظ على الأرشيف الفلسطيني مسألة لا تتمتع بالأولوية لدى المؤسسات الفلسطينية بشكل عام، باستثناء بعض المحاولات المتفرقة". في الوقت ذاته يرى أبو ضهير أن منا "من لا يزال يزجّ نفسه في أي محفل معادٍ لليهودية، من دون التمييز بينها كديانة وبين الصهيونية، ومن دون إدراك حجم الضرر المترتب على صورة الفلسطينيين حينها".
أما الإعلامي موسى برهومة ففي رأيه "سواءً صِير إلى منع ملصقات الثورة الفلسطينية في أروقة المنظمات الدولية، أو سُمح لها أن تتنفّس، فالنتيجة لن تتغير كثيراً، فهذه الملصقات هي ضمير الثورة وذاكرتها"، مكملاً "أما حكاية معاداة السامية، فهي أكذوبة صدّقها الغرب المنافق، وتكاد بعض رموز القيادة الفلسطينية أن تلوكها كحقيقة". كنه يستدرك "يحزّ في النفس المساومة على هذه الملصقات التي تآخت مع الروح الفلسطينية، وتعانقت مع أرواح أحرار العالم".
وفي رأيه "أن الأرشيف، حتى لو كان شخصياً، سيبقى محتفظاً بهذه الذخائر النفيسة، وسيحميها من الاندثار". ويذكّر برهومة بأن ظروف إنتاج تلك الملصقات "ما تزال ماثلة حتى اللحظة؛ فلا الاحتلال انجلى ولا القتل اليومي للفلسطينيين توقف ولا قادنا السلام المزعوم نحو فسحة نتنفّس من خلالها هواءً نقياً بعيداً عن رائحة الدم والبارود".
من جهته، يرى الكاتب رسمي أبو علي أن ما حدث "لا ينفصل عن سياسة محمود عباس السلمية، التي يظنّ أنها ستمنحه دولة في نهاية المطاف"، مردفاً "لكن ثبتَ بطلان هذا النهج منذ استمرت إسرائيل في الاستيطان والقتل، برغم جولات المفاوضات والتنازلات". يرى أبو علي أن إسقاط خيار السلاح والجبهة العسكرية، وما يتبع له من وسائل ثقافية وإعلامية داعمة، "ليس سوى خيال في عقول التجريبيين الواهمين".
اقرأ أيضاً: الملصق الفلسطيني: علامات عابرة للحدود