بسمة قضماني: مُطالَبون بتقديم بديل عن النظام السوري أمنياً

05 يناير 2018
قضماني: حُسن إدارة التنوع يضمن الاستقرار (فرانس برس)
+ الخط -
حاورت "العربي الجديد" الأكاديمية السورية المعارضة، المديرة التنفيذية لمبادرة الإصلاح العربي، بسمة قضماني، حول رؤيتها لأولويات الدول الأجنبية التي تتدخل أمنياً في دول المنطقة، خصوصاً سورية، وكيف يمكن أن ينجح الانتقال السياسي هناك وما هي التصورات لذلك، وتعرج على الكتاب الجديد "الخروج من الجحيم" الذي تولت تحريره إلى جانب الباحثة نائلة موسى.

ما هو الوضع السوري على الأرض اليوم بعد الاقتراب من طي مرحلة تنظيم "داعش"؟

مع الأسف الشديد، دول العالم غير مهتمة بشؤون الشعب السوري، بحريته وكرامته وبميله إلى نظام ديمقراطي، ولكنها صارت مهتمة بالشأن الأمني، وكيف يمكن أن تتم مكافحة الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى سورية ولكن بشكل أمني، بحيث لا تشكّل خطراً على الدول الأخرى لا على الشعب السوري. وبالتالي فنحن في سورية، أمامنا تحدّ كبير جدا، وهو أن نقدم رؤية في الموضوع الأمني لكي نقنع المجتمع الدولي، والدول التي تحمي النظام السوري، بأن هناك بديلا وهو ليس الفوضى في سورية، وأن من خَلقَ الفوضى هو النظام، وأن المعارضة لديها تصوّر عمليّ لإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد. وبهذا يمكننا أن نكسر السردية التي تقول إن الأنظمة الديمقراطية المعتمدة على استشارة الشعب تؤدي إلى الفوضى، كما حصل في ليبيا بالتحديد، وهذا هو هاجس الدول بأجمعها.

ثانياً، يوجد تدخّل في سورية لنحو ستّين إلى سبعين دولة، لمكافحة الإرهاب، وهذه الحرب على الإرهاب، كما يسمونها، هي حربٌ لحماية دول الخارج لا سورية، بالتالي نحن بحاجة لوضع التصور الأمني الذي يخدم أمْنَنَا نحن، والذي يأتي بالأمن والأمان للمواطن السوري، وليس فقط الفرنسي الذي يخشى من ضربات على أرضه أو الأميركي وغيره. الواقع أن النظام السوري عبارة عن منظومة أمنية تحوَّلت إلى منظومة إجرامية. فهذه المنظومة الأمنية إذا كنا سنقدم بديلاً عنها، فعلينا أن يكون ضمن برنامجنا تصوُّرٌ لهذا الأمن، وخطة أمنية متكاملة، بكل أبعادها من أجل سورية. فيها، بلا شك، مكافحة الإرهاب، ولكن فيها أيضاً، مكافحة جرائم النظام وتأمين الاستقرار لكل مناطق سورية، ويأتي ذلك ضمن العمل ضد الإرهاب، لا أن يأتي بعده أو لا يأتي.

هل هذه المبادرة توجد في ذهنية المفاوض السوري، المعارض للنظام؟

أنا أعتقد أنها ليست موجودة بالشكل الكافي. وهذه إحدى التوصيات الأساسية من قبل الفريق البحثي الذي عمل على هذا المشروع، وهو أنّ نموذج المفاوضات في الملف السوري ليس مفاوضات ثنائية بين النظام والمعارضة، لأن النظام لا يُقدّم شيئاً حتى الآن. نحن أمام مجتمع دولي يخشى من الفوضى في سورية، والفوضى قائمة، ولكن علينا أن نخاطب المجتمع الدولي، في الشق الأمني لكي يشعر أن لدى المعارضة البديل عن النظام. طبعا، ليس في الأمن فقط، بل كذلك في الحكم الديمقراطي، وفي بناء المؤسسات الديمقراطية. كل هذا الكلام واردٌ، لكن لكي نستطيع أن نطبّق دستوراً وأن ننظّم انتخابات، وأن ننتخب حكومة شرعية، يجب توفّر الوضع الأمني الذي يجعل كل هذا ممكنا. ما أفشل الوضع في ليبيا كان هو الوضع الأمني، لأنهم وضعوا إعلاناً دستورياً وأسسوا جمعية تأسيسية، ونظموا انتخابات تمّت في جوٍّ حرٍّ وعادلٍ وشفاف، وكانت ناجحة وصدرت عنها حكومة منتخبة، لكن النتيجة هي الفشل، لأنه كانت هناك مجموعات مسلحة تسير في العاصمة بسلاحها كما تريد. إذن نحن في سابقة وفي ضرورة تجهيز الوضع في البلاد، أي وضع أمني يسمح بالعملية الانتقالية والسياسية.

هل يجب تفكيك منظومة الأسد الأمنية، التي كانت سبباً في ما حصل ويحصل الآن، في سورية؟

في منهجية العمل التي نطرحها، ونوصي بها في البحث، نقترح أن يكون هناك عمل ينطلق من الأرض ثمّ نبني عليه. ننطلق من وقف إطلاق النار، وهو ما يحتاج إلى مراقبين يمتد عملهم من وقف إطلاق النار إلى تأمين المناطق المجاورة وتوسيع التعاون الأمني على الأرض بمساعدة دولية، بلا شك. لكن نحن في حاجة كذلك إلى تعاون على الأرض، يتم من خلاله مدّ الأمن والاستقرار إلى مختلف المناطق. نأتي إلى مستوى المفاوضات، وهذا هو المستوى الأعلى، ونوصي بوضوح بضرورة وجود مسارِ تفاوضٍ على القضايا الأمنية والعسكرية، موازٍ للتفاوض حول القضايا السياسية. السياسيون ليسوا بالضرورة على علم ودراية بالقضايا الأمنية والعسكرية كلها، وليست لديهم القدرة على التخطيط العملي لهذه الأمور. فهذا عمل لا بد أن يكون رجال الأمن والعسكر المهنيون مشاركين فيه، ومن الضروري حضور شخصيات وممثلين سياسيين، لكي يكون دائماً الرابط بين ما يجري على المسار السياسي وما يجري في المسار الأمني العسكري.

في كتاب "الخروج من الجحيم" تطالبين بتقوية المسار الأمني في كل دول المنطقة، كيف تفسرين تأثيره على المسار السوري، ومن هي هذه الدول؟


كل الدول العربية، جيوشها وأجهزتها الأمنية، خصوصاً، تتعاون بشكل وثيق مع مطالب القوى الدولية، لأنها جميعها منشغلة بموضوع الإرهاب. إذاً هناك تأثير لدول الخارج على المؤسسات الأمنية في بلداننا، التي تعطي الأولوية لمحاربة الإرهاب، ليس لصالح المواطن، ولا لحرياته. منذ 2001، أي منذ أن طرح شعار "محاربة الإرهاب" أو "الحرب العالمية على الإرهاب"، ازدادت الأجهزة الأمنية في بلداننا قمعاً وازداد الغموض في العمل وعدم الشفافية، والفساد والإجرام والانتهاكات. كل هذا زاد، ربما، نتيجة التعاون مع هذه القوى الدولية. نحن أمام تداخُل في عمل الدول ولا نطالبها بأن تأتي لتؤسس لنا أنظمة ديمقراطية، وهي لا تقوم بإصلاح مؤسساتنا الأمنية على أسس قِيَم ديمقراطية، أبداً. هي معنيّة، فقط، بأمنها، وهي تريد أن تشغّل أجهزتها الأمنية لخدمة أمنها. الواقع الذي نطلبه اليوم وما نقوله لهم هو: صحيح أن أمنَكُم مرتبطٌ بأمننا، لكن إذا كنتم ستأتون وتحاربون الإرهاب وتتركون البلد ولا تبالون بما يجري بعد ذلك، من إعادة الاستقرار وبناء منظومة أمنية حقيقية تحفظ أمن المواطن، فسيعود الإرهاب وتعود الفوضى ويعود الخطر إليكم، مرة ثانية. هنا، الرابط الأساسي، لا بد من التعاون، نحن مضطرون إليه، وهو قائم أصلاً.


ألا ينطبق الجحيم على كثير من الدول العربية، وليس فقط على البلدان الأربعة التي تطرَّق إليها الكتاب (العراق، ليبيا، سورية واليمن)؟

نحن نتحدّث عن دول انهارت فيها مؤسسات الدولة والمجتمع أصبح متروكاً بدون حماية أو ضمانات أو أي شيء يردع أي خطر يتهدّده، خطر الجوع والبرد والسكن والقصف الجوي، والاعتقال والتعذيب. وهذه الدول انهارت فيها المنظومة الاجتماعية، لأن الدول تعيش صراعاً عسكرياً وعنفاً، وهو ليس حالة الدول الأخرى. غير أنني أتوقع في أي لحظة انفجاراً في الدول التي لا تشهد، الآن، صراعاً مفتوحاً. وهذا الشيء واردٌ، ونحن لا نبيّض صورة أي نظام سياسي، ونعتقد أنه لا يوجد أي نظام سياسي في المنطقة العربية يستحق أن نبيّض صفحته، نهائياً.

 

ثمة اختلافات بين البلدان الأربعة، بسبب التنوع الطائفي في بعضها، كالعراق وسورية، أكثر من غيرها؟

صحيح أن هناك تنوعا في المجتمعات السورية والعراقية واللبنانية غير موجود في المجتمعات العربية الأخرى، ولكن عندما تنظر إلى دول أخرى، تجد تنوّعاً ثقافياً وقبلياً ومناطقيّاً. أي أن مجتمعا من مجتمعاتنا توجد فيه عوامل، إذا أسيء إدارة شؤونه، قد تؤدّي إلى انهيارات، وإلى أزمات وصراعات. وهذا الشيء ليس مرتبطاً بطبيعة المجتمع، وهو عمل اشتغلنا عليه خلال سنوات، بالموازاة مع العمل على الأمن، وهو "إدارة التنوع في المجتمعات العربية"، لأن الديمقراطية في بلداننا مرتبطةٌ بالاعتراف بأن مجتمعاتنا متنوعةٌ يلزمها أنظمة سياسية وقواعد ديمقراطية قد تختلف عن مجتمعات متجانسة في الخارج. لكن من حيث درجة التنوع، نحن متنوعون أكثر أو أقل، فالمجتمعان المغربي والتونسي أقل تنوعاً من العراقي أو السوري، مثلاً. إننا أمام تحديات لا تختلف بنوعيتها ولكن بدرجاتها. حُسْن إدارة التنوع هو الذي يضْمَنُ الاستقرار، قبل كل شيء، في منطقتنا. نأتي إلى سورية، ليس فقط أسيئت إدارة التنوع فيها، بل تمّ استخدام التنوع كعامل لزرع الفتنة وتجييش وتجنيد فئات ضد أخرى. وكانت فيه استراتيجية متعمَّدَة في زرع الفتنة بين فئات المجتمع السوري. لكن لا ننسى أن الشعب السوري أول عبارة قالها إن "الشعب السوري شعبٌ واحد". إنه أول شعار في الثورة السورية. ما معناه؟ معناه، أولاً، أنه يريد أن يكون واحداً، وثانياً، يعلم أن النظام يستخدم هذا كورقة لتقسيم المجتمع وزرع الفتنة. وكان فيه وعيٌ كبيرٌ جداً، ومطلب واضح جداً، وهو أنه ليس هناك فئة في المجتمع السوري تطالب فئة أخرى بالتنازل عن امتيازاتها. هي ضد الاستبداد، فقط لا غير، قبل كل شيء.

هل استلهمتم نماذج وتجارب أجنبية، في عملكم، حول خلق منظومات أمنية؟

هناك دول نجحت في بناء منظومة أمنية جديدة. وكل الدول التي تمّ الانتقال السياسي فيها إلى نظام ديمقراطي، يمثّل كل المجتمع، تمّ فيها وضع منظومة أمنية، وتمّ فيها إصلاح أو إعادة هيكلة للجيش والقوى الأمنية، تحققت فيها عدالة انتقالية ومحاسبة للمسؤولين عن الجرائم وتصور إعادة الاستقرار إلى البلاد. نحن، وكما قلت في البداية، لا ننطلق فقط من المؤسسات الأمنية لنصلحها، لأن هذا يتطلب وقتاً طويلاً، بل ننطلق من الأرض، ونُعيد الاستقرار، ثمّ نقول إن الانتقال السياسي هو الذي يعود بهيكلة المؤسسات. هذه التجارب موجودة، ومنها كولومبيا. فممكن أن نستلهم من التجربة الكولومبية، لكن نحن لدينا في المعارضة السورية، وفي رؤية العراقيين الذين ساهموا في بناء النظام السياسي الجديد في العراق، تصورات عملية جداً، لإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد. والسوريون وفئات من المعارضة، خصوصاً من الجيش الحر، أي الضباط المنشقين عن الجيش النظامي، لديهم حسٌّ بالأولوية الأمنية، ولديهم تصوّر واقعيّ جداً مفصَّل لما يجب القيام به، وما هو مطلوبٌ من الخارج وما ليس مطلوباً من الخارج، وبأي طريقة هو مطلوب. ولا أستطيع أن أقول إننا استلهمنا كثيراً من التجارب الأخرى. الدراسات تدل على أن هناك تجارب على الأرض وهناك رؤى موجودة عند اللاعبين الأساسيين، إن كان عند الفصائل المسلحة في ليبيا أو في سورية عند قوى المعارضة المسلحة. هذه الرؤية موجودة ومتطورة جداً، لكن لا أحد يستمع إليها.

هل كل هذا رَهنٌ برحيل الأسد؟

الأسد هو رمز للجرائم. نحن نتحدث عن انتقال سياسي في سورية، وهذا الانتقال السياسي كي ينجح، لا بد أن تواكبه خطة أمنية لإعادة الاستقرار. وهذا لا يضع بشار الأسد في مكان مختلف عما هو مخطط له. سياسياً وأخلاقياً يجب أن يرحل. ونضيف أنه إذا كان يشكّل عقبة أمام تنفيذ هذه الخطة الأمنية، لحظتها يجب أن يزاح عن الحكم دون تأخير. ما نوصي به هنا هو أن يتم العمل على وضع هذا التصور الأمني أثناء مرحلة التفاوض حتى يكون البلد جاهزاً لتطبيق فوري للبديل الأمني بالتزامن مع البديل السياسي حينما يرحل. سورية تحتاج إلى أمان ليس مبنيا على أجهزة الأسد الأمنية التي ارتكبت الجرائم، ولكن على قِوىً تعمل من أجل أمان المواطن السوري والمصلحة الوطنية العامة.

ألا يساعد غياب تنظيم "داعش" عن المشهد السوري العراقي في نجاح بناء المنظومة الأمنية الجديدة في سورية؟

تنظيم "داعش" رحل، بل لنقل إنه انحدر. التخوّف عندنا هو أنه لم يتم التفكير من قبل الدول التي حاربت تنظيم "داعش"، ببناء الأمن في مرحلة ما بعد "داعش". وعدم بناء هذا التصور الأمني وعدم التنسيق مع الجهات الوطنية، التي لديها هذا التصوّر، قد يؤدي إلى عودة النظام والاستبداد. وهذا الفصل بين محاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار والأمن أعتقد أنه مصدر خطر كبير جداً. لذلك نقول، تنتهي الحرب على "داعش" التي استقطبت قوى دولية وكل اهتمام دول العالم، لكننا نحث هذه القوى التي اجتمعت ضد هذا التنظيم على التفكير والسماح بأن نطبّق نظاماً أمنياً وتعطى لمن يتواجد على الأرض الإمكانيات من أجل ذلك. بعد "داعش" معركتنا هي كيف نُخرج ما تبقّى من "داعش"؟ كيف نحارب "جبهة النصرة"، "القاعدة" وباقي الجهاديين، وهي مصلحتنا نحن السوريين. من يضع هذه الخطة؟ لا أحد يستطيع أن يضعها، إلاّ سكان المناطق والمعارضة المسلحة التي تعرف كل شارع وكل منطقة وكل جبل وكل سهل في سورية.