بريمو سكوندو تيرسو
بدأ موسم نشر الفضائح في إسرائيل، مع انطلاق العد العكسي للانتخابات البرلمانية التي ستجري في 17 مارس/آذار 2015. ويُعتبر هذا الأمر عادياً في التقاليد السياسية في إسرائيل، ويشتد حين تنطلق صفارة التنافس على 120 مقعداً في الكنيست، ولم ينجُ إلا قليل من الشخصيات الإسرائيلية من عقابيل هذه الفضائح التي تدور، في معظمها، على المال والنساء. وفي هذا الميدان، اشتهر موشي دايان بغزواته النسائية وسرقة الآثار. واضطر يتسحاق رابين إلى الاستقالة من زعامة حزب العمل في سنة 1977 لأن زوجته "ليئة" (أو لائقة بالعربية) أودعت أموالاً في أحد المصارف الأميركية. وقُدِّم الحاخام أهرون أبو حصيرة إلى المحاكمة، بتهمة تلقي الرُشى، حين كان وزيراً للأديان في سنة 1979. وأُبعد آبا إيبان عن لجنة الخارجية والأمن في الكنيست لاكتشاف حسابات مصرفية له في أميركا سنة 1977. ودهمت الشرطة منزل بنيامين نتنياهو في سنة 1999 بحثاً عن هدايا تلقاها، واحتفظ بها خلافاً للقانون. واتهم عازر وايزمان، في سنة 2000، بتلقي نصف مليون دولار من رجل الأعمال الفرنسي، إدوار ساروسي، واعترف بتلقي 250 ألف دولار فقط أنفقها على علاج ابنه شاوول الذي توفي لاحقاً. وحُكم آرييه درعي، زعيم حركة شاس، في سنة 2000 بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الرشوة. وباع دان حالوتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أسهمه بعد ساعات من أسر حزب الله جنديين إسرائيليين في 12/7/2006 حين علم أن الحرب ستقع. وانتهت الحياة السياسية لإسحاق مردخاي (وهو كردي يهودي كان وزيراً للنقل في 1999) لاعتدائه جنسياً على موظفة. وعلى غراره، فعل النائب العربي صالح طريف، وسقط موشيه كتساف، وكان رئيساً للدولة، بفضيحة اغتصاب في سنة 2009.
إذا كان شتاء 2015 سيشهد فيضاً من الفضائح الإسرائيلية، وعرضاً مثيراً للشائعات والنميمة، فإن عام 2014 تصرَّم على مسلسلات دموية عربية لا مثيل لها في هذا العصر (نستثني مجازر التوتسي والهوتو في رواندا)، وستودِّعنا الفضائح، لا بتلويح الأكف والمناديل، بل بإعمال السيوف في الرقاب، وسنستقبل مواسم من العنف ضد الأطفال والنساء، فضلاً عن الاغتصاب وبيع الفتيات في ساحات المدن المبتلاة بهذه الجماعات المتوحشة.
كان 2014 عام "الدولة الاسلامية" في العراق والشام، وعام الانقسام الدموي بين "الدولة" و"النصرة"، وعام الحوثيين في اليمن، وانهيار أسعار النفط الذي لا نعلم، على وجه الدقة، ما تأثيره في نظم الاستبداد والفساد في العالم العربي. ولا يحتاج الأمر إلى "نبوءات" البرامج اللبنانية والمتنبئين الدجالين، لنتوقع أن العرب سيصدِّرون في العام المقبل علامات مسجلة جديدة في فن الإرهاب وقطع الرؤوس. وللمقارنة، فإن الفضائح في المستوى السياسي الإسرائيلي قليلة جداً، والنظام القضائي في إسرائيل لا يتهاون في هذا الشأن على الإطلاق. وإثارة الفضائح في إسرائيل فضيحة للنظم السياسية العربية التي لا يُكشف فيها إلا واحد في الألف من الفضائح المروِّعة والمعيبة. وللمقارنة، أيضاً، فنحن أمام جمهور إسرائيلي، ينتخب بحسب مصالحه وعقائده ووعيه لهذه المصالح، وأمام جمهور عربي، من المحيط إلى الخليج، ما برحت قطاعات غير قليلة منه تُساق بالغريزة كالماعز. وفي إحدى المرات، وقف أحد النواب العرب في الكنيست، وقال مخاطباً رئيس إسرائيل بهذه العبارة: "نحيي دولة إسرائيل المزعومة". وتبين أنه كان يستمع إلى عبارة "إسرائيل المزعومة" تتردد مراراً في إذاعة دمشق، أو في إذاعة صوت العرب من القاهرة، واعتقد أن كلمة "المزعومة" تعني الزعامة. إنه جمهور "التيرسو" العربي، بحسب صالات السينما القديمة التي تتدرج الأماكن فيها من بريمو إلى سكوندو فإلى تيرسو. ففي أي مرتبة سنحجز بطاقاتنا للعرض المقبل؟