بريطانيا والعلاقة المشروطة أو المشروخة مع أوروبا

30 نوفمبر 2014
بريطانيا والعلاقة المتوترة مع اوروبا
+ الخط -
جدد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أمس التزامه بعرض مسألة بقاء عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على استفتاء شعبي في العام 2017 ، سواء وافقت الدول الأوروبية الأخرى على المطالب الإصلاحية التي تنادي بها بريطانيا أم لم توافق. وقال كاميرون بوضوح "إذا نجحت في مفاوضاتي من أجل اصلاح قواعد العمل في الاتحاد، فسأعمل من اجل بقاء بلدنا داخل الاتحاد الأوروبي".

ومع أن كاميرون أكد على أهمية العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وقال إن "اصلاح الاتحاد الأوروبي لا يصب في صالح المملكة المتحدة وحدها ولكن في ‏صالح كل الدول الأعضاء"، إلا أن المفوضية الاوروبية سارعت للرد على خطابه بالقول، إنها "ستناقش مضمون الخطاب بهدوء وحذر ومن دون أن تغلق الباب".

بالطبع لا يمكن التكهن بطبيعة هذا "الحذر" وخصوصاً أنه يأتي على خلفية تصريحات سابقة شديدة اللهجة سابقة للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل حذرت فيها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالقول إنها تفضل رؤية المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي على المساومة على مبدأ حرية تنقل الأفراد الأوروبيين داخل حدود الاتحاد".

أعاد خطاب كاميرون كذلك مسألة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي الى صدارة الجدل الدائر في الأوساط السياسية البريطانية، وهي القضية التي يبدو أنها ستشكل محور الحملات الانتخابية حتى اجراء الانتخابات العامة في بريطانيا في مايو /أيار المقبل. وتعد قضية الهجرة من القضايا الساخنة في بريطانيا، بعد إبداء عدد من النواب المحافظين في مجلس العموم، وبعض الصحف ذات الاتجاه اليميني مخاوف من تدفق المهاجرين من الدول الأوروبية ذات المستوى الاقتصادي المنخفض مثل رومانيا وبلغاريا، والجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي وانضمت الى الاتحاد الأوروبي. وبعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أنها أصبحت من بواعث القلق الرئيسية لدى الناخبين قبل انتخابات عام 2015.

وفي محاولة استباقية لمنتقدي سياسات حكومته إزاء العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، استعرض كاميرون حزمة من الإجراءات التي من شأنها أن تقلص أعداد الأوروبيين القادمين للإقامة والعمل في بريطانيا. وقال كاميرون في خطاب مفصل إن "الإجراءات الجديدة التي ستشرع حكومة لندن بتطبيقها لا تعني الانغلاق أو قطع الجسور مع باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بقدر ما تسعى الى إرساء قواعد تنظم حرية التنقل والعمل، وتغلق الثغرات التي يستغلها بعض المهاجرين من الدول الأوروبية للاستفادة من الامتيازات التي توفرها أنظمة ومؤسسات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي المعمول بها في بريطانيا.

وحدد رئيس الوزراء البريطاني عدداً من الإجراءات التي قال إنها لا تتناقض والتزامات بريطانيا كعضو في الاتحاد الأوروبي، ومنها ضرورة حصول الأوروبيين على عقد عمل مسبق قبل انتقالهم للعمل في بريطانيا، وعدم السماح لهم بالإقامة أكثر من ستة أشهر في حال فقدانهم للعمل. كما حدد كاميرون مدة أربع سنوات من العمل ودفع الضرائب كشرط مسبق لحصول المهاجر الأوروبي على ميزات الضمان الاجتماعي التي تقدمها الدولة لمواطنيها بما في ذلك مساعدات السكن ودعم الدخل المنخفض ومساعدات الأطفال.

ويرى المتابعون أن الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني جاءت لتعيد الثقة لدى الناخبين في سياسات حزب المحافظين الحاكم بعد أن شكلت أرقام رسمية أعلنت أخيراً، انتكاسة لحملة إعادة انتخاب كاميرون زعيماً للحزب. علماً أنه سبق أن تعهد بخفض أعداد المهاجرين الى عشرات الآلاف، بينما أظهرت آخر البيانات أن عدد الأوروبيين الذين انتقلوا الى أوروبا خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري وصل الى 260 ألف شخص، كما أظهرت البيانات زيادة أعداد المهاجرين بأكثر من 40 في المئة في الأشهر الاثني عشر السابقة. وتشكل هذه الأرقام ضغطاً حقيقياً على حزب المحافظين وزعيمه الذي يواجه حملة قاسية من قبل حزب الاستقلال الذي ينادي بإغلاق الباب بشكل نهائي أمام الهجرة الأوروبية الى بريطانيا، وهو الأمر الذي بدأ يلاقي شعبية في أوساط الطبقة الوسطى البريطانية التي لا تخفي تذمرها من الامتيازات التي يحصل عليها المهاجرون الأوروبيون على حساب رفاهيتهم.

تعاظم الضغط على ديفيد كاميرون من قبل جناح المناهضين للوحدة الاوروبية في حزبه وفي حزب "الاستقلال" اليميني، وحتى على مستوى الرأي العام، وتشكيك أنصار الاتحاد الأوروبي بإمكانية "مسك العصا من النصف"، أو إمكانية نجاح سياسة "قدم داخل الاتحاد وأخرى خارجه"، وارتفاع نبرة المطالب والشروط من طرف بريطانيا يقابلها الرفض من طرف باقي الدول الأوروبية، تحديداً ألمانيا، كلها عوامل دعت بعض المراقبين الى التكهن بأن بريطانيا باتت أقرب الى الخروج من الاتحاد الأوروبي على البقاء فيه. وبالمقابل يرى أخرون أن حاجة بريطانيا الى المهاجرين الأوروبيين، وحاجتها الى السوق الأوروبية الموحدة، وحاجة أوروبا الى دولة بحجم بريطانيا سياسياً واقتصادياً، تجعل كل ما يجري لا يتجاوز مجرد "زوبعة في فنجان" أو "جدل انتخابي"، وأن نتيجة أي استفتاء شعبي حول العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لن تختلف عن النتيجة التي افرزها استفتاء سبتمبر/أيلول الماضي الخاص بالعلاقة بين اسكتلندا وبريطانيا، فعلاقة بريطانيا مع مجموع الدول الأوروبية لا تقل أهمية عن علاقة بريطانيا مع اسكتلندا.      

 

المساهمون