تنفيذ إعلان جدة بشأن السودان: حلّ أم عقبة؟

19 اغسطس 2024
عنصر تابع للجيش السوداني في القضارف 28 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تمسك الحكومة السودانية بإعلان جدة**: تصر الحكومة السودانية على تنفيذ إعلان جدة قبل أي مفاوضات جديدة مع قوات الدعم السريع، والذي ينص على احترام القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان ومنع الهجمات على المدنيين.

- **فشل المفاوضات واستمرار الحرب**: رغم توقيع إعلان جدة، لم يلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار واستمرت الحرب، وفشلت المفاوضات في تحقيق تقدم ملموس، مما أدى إلى تعليقها في ديسمبر.

- **مواقف الأطراف المختلفة**: الولايات المتحدة تواصلت مع قائد الجيش السوداني لمناقشة إنفاذ إعلان جدة، بينما انتقد قائد قوات الدعم السريع اشتراطات الجيش، ويرى المحللون أن إعلان جدة يفتقر إلى التزامات واضحة.

تتمسك الحكومة السودانية بشدة بتنفيذ إعلان جدة، وذلك قبل الدخول في أي مفاوضات جديدة مع قوات الدعم السريع، بما فيها مفاوضات جنيف الأخيرة. وإعلان جدة هو إعلان وقعه الجيش السوداني في الحادي عشر من مايو/ أيار من العام الماضي، بينه و"الدعم السريع"، بوساطة سعودية أميركية، عقب مفاوضات بمدينة جدة السعودية، جرت بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب بين الطرفين في الخامس عشر من إبريل/ نيسان 2023.

وينصّ الإعلان ضمن ما ينص على احترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم من المتوقع أن يتسبب في أضرار مدنية. كذلك أكد الطرفان في الإعلان تعهدهما باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، والسماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية وأي مناطق محاصرة طوعاً وبأمان.

كما يحظر إعلان جدة النهب والسلب والاتلاف، والاستحواذ، واحترام وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة. ويمنع كذلك، تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية، كما يمنع عمليات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين وتعذيبهم.

كما اتفق الجيش و"الدعم السريع" عبر إعلان جدة على ضرورة السماح باستئناف العمليات الإنسانية الأساسية وحماية العاملين والأصول في المجال الإنساني، ولتحقيق كل الأهداف الواردة فيه، قرر الطرفان عبر الإعلان، وقف إطلاق نار قصير المدى لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية الطارئة، لكنهما لم يلتزما بكل ذلك، واستمرت رحى الحرب، تزامناً مع جولات التفاوض.

ولم يوضح إعلان جدة أي طريقة للتنفيذ ولم ينص على آليات إشراف ومراقبة، لذا كانت درجة التنفيذ صفر، بينما علقت السعودية والولايات المتحدة في الأول من يونيو/ حزيران العام الماضي المفاوضات، بسبب ما عدته انتهاكات جسيمة للهدنة المعلنة، واتهما الجيش والدعم السريع بمخالفة أفعالهما لادعائهما بتمثيل مصالح الشعب السوداني.

عاد طرفا الحرب مرة أخرى إلى جدة تحت الرعاية السعودية الأميركية، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ولأول مرة، شارك في المفاوضات ممثلون عن الاتحاد الأفريقي و"إيغاد" (الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا). وكانت النتيجة فشل عريض في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وتوصل الجانبان فقط إلى اتفاق جديد التزما فيه باتخاذ خطوات لتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية وتنفيذ تدابير بناء الثقة، وإقامة اتصالات بين قادة الجيش والدعم السريع، والقبض على الملاحقين والهاربين من السجون، مع تهدئة الخطاب الإعلامي الرسمي لكل جانب والحد من الخطابات التحريضية.

بعد شهرين من جولات التفاوض، أي في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عُلّقت المفاوضات مرة أخرى لأجل غير مسمّى، لفشلها في تحقيق تقدّم ولعدم التزام الطرفين بتعهداتهما الموقّع عليها، ولم تلتئم مرة حتى تاريخ اليوم.

خلال الأشهر الماضية، حاول وسطاء منبر جدة دعوة الأطراف للعودة للتفاوض، لكن الحكومة السودانية، رفضت رفضاً قاطعاً أي عودة لا يسبقها إنفاذ إعلان جدة وشددت أكثر على خروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين التي سيطرت عليها خلال المعارك واتخذتها مأوى لجنودها أو تحويلها لمقرات عسكرية. كما حاولت جهات أخرى إقليمية ودولية جمع الطرفين، مثل الاتحاد الأفريقي و"إيغاد"، فكان الإخفاق هو الحصاد.

في نهاية الشهر الماضي، تبنّت وزارة الخارجية الأميركية دعوة جديدة للجيش و"الدعم السريع" لمفاوضات في سويسرا، تحت رعايتها وبمشاركة السعودية والإمارات ومصر والاتحاد الأفريقي و"إيغاد" كمراقبين، ووافق "الدعم السريع" وأرسل وفده. لكن الحكومة السودانية اشترطت، كما فعلت في وقت سابق، تنفيذ إعلان جدة وأضافت شروطا أخرى، منها إبعاد الإمارات بحجة أنها داعمة لـ"الدعم السريع". وتساءلت الحكومة السودانية عن سر إنشاء منبر جديد في وجود منبر جدة، وطلبت قبل ذلك مشاورات مع الجانب الأميركي حول أجندة التفاوض والمشاركين، وتمت المشاورات ولم تصل إلى شيء فقاطع الجيش مفاوضات سويسرا، التي انطلقت الأسبوع الماضي بغيابه عن الموعد المحدد.

لكن الولايات المتحدة لم تيأس وظلّت على تواصل في الأيام الماضية مع قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان حتى تم مؤخراً الاتفاق معه على لقاء بين الحكومة السودانية ووسطاء جدة، السعودية والولايات المتحدة، بالقاهرة لمناقشة سبل إنفاذ اتفاق جدة، وهو اللقاء المتوقع التئامه في الساعات المقبلة.

لكن قائد قوات "الدعم السريع" الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي" رأى أن ما يمليه الجيش من اشتراطات يؤكد كما يقول "أن البرهان وزمرته يفتقرون إلى أي التزام حقيقي بالتفاوض أو بالعمل من أجل مستقبل السودان أو تخفيف معاناة شعبه، الذي يواجه تحديات كبيرة بسبب الحرب"، وذلك طبقاً لتغريدة له أمس على منصة إكس.

في المقابل، يدافع أنصار الجيش عن مبدأ تنفيذ إعلان جدة لأنه يخرج "الدعم السريع" من المنازل التي يحتمي بها من الضربات الجوية كأقوى أدوات الجيش تأثيراً في الحرب، كما يتشككون في فتح أبواب أخرى للتفاوض.

إعلان جدة "لا يلبي طموحات من يدعمون الحرب"

ويرى العميد المتقاعد خالد محمد عبيد الله أن الحكومة "لديها جملة من المكاسب في تنفيذ إعلان جدة، وهو أمر إذا نفذ بالكامل سينهي الحرب سريعاً". واستدرك عبيد الله القول: "لكن من الواضح أن إعلان جدة لا يلبي طموحات من يدعمون الحرب، خصوصاً الغرب الأميركي ودول في المجتمع الإقليمي والدولي، لذا يسعون لإطالة أمد الحرب بفتح مسارات جديدة للتفاوض"، مؤكداً أن من يفعل ذلك ليس من أولوياتهم شعب السودان ولا عودة المواطنين لمنازلهم.

وأشار عبيد الله لـ"العربي الجديد" أن "الدعم السريع لم ولن ينفذ إعلان جدة، لأنه يحدد المعتدي بشكل واضح، ويكشف جرائمه التي سيعاقب عليها يوماً من الأيام". وأكد أن القوات المسلحة السودانية والمقاومة الشعبية ستظل تقاتل حتى يصحى العالم من غفوته ويكتشف الحقيقة كاملة.

إعلان جدة "دون التزامات"

من جهته، يرى المحلل السياسي محمد لطيف أن الذي حدث في منبر جدة هو توقيع على وثيقتين، الأولى إعلان جدة والثاني اتفاق جدة، والأخير مفصل بالتزامات محددة، كل طرف عليه التزامات لتنفيذها. وأوضح لطيف أن إعلان جدة "جاء دون التزامات ودون تفصيل وقائم على جملة مبادئ تهدف أساساً لحماية المدنيين وتأمين تحركهم وإبعاد العمليات العسكرية من المناطق المدنية، وهو أمر موجه للطرفين وليس طرفاً واحداً، وكلها مبادئ مستمدة من القانون الدولي الإنساني، ومن اتفاقيات جنيف الأربع".

وأضاف لطيف لـ"العربي الجديد" أن "إصرار الجيش والحكومة ومؤيدي الحرب على إنفاذ إعلان جدة هو إصرار خاص نتيجة تفسيرهم للإعلان بطريقتهم الخاصة وقولهم إن الإعلان يُلزم الدعم السريع بالخروج من منازل المواطنين". وأشار إلى أن الغرض من ذلك التفسير هو "الاستثمار السياسي ودغدغة مشاعر المدنيين وإيهامهم بأنهم حريصون على مصالح المواطنين، رغم أن ما يقولونه غير موجود في الإعلان". وبين أن "تصورهم المتوهم يحدثهم بأن يقوم العالم بإلزام الدعم السريع بالانسحاب من كل المدن والبقاء في معسكرات خارجها لتكون تلك المعسكرات سهلة الاصطياد".

واستطرد محمد لطيف بقوله: "إذا أخذ إعلان كنصوص ودلالات ليس للجيش أي مصلحة فيه، لأن به نصاً افتتاحياً يقول بأن هذا الإعلان لا يؤثر على الموقف العسكري والسياسي والأمني والقانوني للطرفين، بمعنى أن الدعم السريع بعد توقيع جدة يبقى محتفظاً بكل وضعه كقوة نظامية مؤسسة بقانون صدر في 2017 من برلمان وله مشاركة سياسية متمثلة في أن قائده هو نائب رئيس مجلس السيادة". مؤكداً أن المستفيد الأول من إعلان جدة هو الدعم السريع.

وأبان المحلل السياسي أن السبب "في عدم تنفيذ اعلان جدة هو عدم وجود آلية للتنفيذ، حتى إن الدعم السريع طالب بتشكيل لجنة مشتركة برعاية دولية لمراجعة أوضاع منازل المواطنين لكن الجيش رفض ذلك، كما أن الجيش قاطع لأشهر منبر جدة بالتالي لم يكن هناك اتفاق على آليات تنفيذ".

أما ما يلي اتفاق جدة، فيقول محمد لطيف إن هناك نصاً يطالب بإعادة اعتقال رموز النظام البائد الذين تم إطلاق سراحهم من السجون وهو النص الذي يتجاهله مؤيدو الحرب. وأكد أن "وثيقتي إعلان جدة لا يمكن تجاوزهما في مفاوضات سويسرا، لأن الدعوة الأميركية قائمة أساساً على حماية المدنيين وتأمين حركة المساعدات الإنسانية، وهي الأصل في منبر جدة"، مشيراً إلى أن نجاح جنيف يستمد كلياً من منبر جدة.