تحولت الجرائم المالية في السنوات الأخيرة، من السطو المسلح على المصارف إلى السطو الإلكتروني الذي تقوم به عصابات قراصنة محترفة وخبيرة باختراق البرامج وأنظمة الأمن في المصارف.
وإذا كانت سرقة المصارف يخطط لها في مدة زمنية طويلة، ويأخذ نقل الأموال وإخفاؤها فترة طويلة وعمليات مرهقة وشاقة، أصبحت بكبسة زر واحد وفي ثانية تمكن عصابات الكمبيوتر والبرامج من تحويل مليارات الدولارات إلى العديد من الحسابات، وهذا ما يؤرق سلطات المال العالمية.
في بريطانيا، تحقق مجموعة من نواب البرلمان، حول ما إذا كان النظام المالي البريطاني يواجه مخاطر أمنية حقيقية من قراصنة المعلومات.
وكانت لجنة الخزانة في البرلمان البريطاني عقدت سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى، خلال الأسابيع الماضية مع سلطات التشريع المالي بحي المال في لندن و"بنك إنجلترا"، المصرف المركزي البريطاني، حول متانة أمن المعلومات المالية في بريطانيا. وجاء هذا الاجتماع في أعقاب اعتراف مصرف "جي بي مورجان" الأميركي، أحد أكبر المصارف العالمية، في الأسبوع الماضي بأنه تعرض لهجوم من قبل قراصنة الكمبيوتر الذين يطلق عليهم باللغة الإنجليزية "هاكرز".
وقال المصرف الأميركي إن هؤلاء القراصنة سرقوا معلومات خاصة تخص 76 مليون زبون، ومعلومات أخرى تخص سبعة ملايين عمل تجاري.
وحسب المصرف الأميركي، فإن المعلومات التي سرقت من أجهزة الكمبيوتر شملت الأسماء والعناوين وأرقام الهواتف، ولكن المصرف قال إن القراصنة لم يتمكنوا من سرقة معلومات مالية تخص الزبائن.
وتعد لجنة الخزانة البريطانية من أقوى اللجان المالية في بريطانيا، وتشرف على نشاطات "بنك إنجلترا" وحي المال والمؤسسات المالية الأخرى.
وكانت اللجنة، حسب صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، قد ناقشت موضوع القرصنة الإلكترونية وتهديدها للنظام المالي مع مجموعة من كبار مسؤولي المال، وبينهم مسؤولون من "بنك إنجلترا".
وتخطط اللجنة لعقد جلسة استماع تضم ممثلين من "بنك إنجلترا" لبحث الثغرات التي ينفذ منها القراصنة لسرقة البيانات المالية والمعلومات الخاصة من المؤسسات المالية.
وحسب التقرير الأخير، الصادر عن اتحاد المصارف البريطانية فإن 93 مؤسسة من المؤسسات المالية الكبرى في بريطانيا، تعرضت لهجمات القراصنة خلال السنوات العشر الأخيرة.
ورغم أن المصارف والشركات المالية تنفق مئات ملايين الجنيهات الإسترلينية على حماية أجهزتها من عصابات السطو الإلكتروني، فإن التقرير يقول إن النظم الدفاعية المستخدمة ليست كافية ومتطورة، بالدرجة التي تقي هذه المصارف من سرقة البيانات.
وحسب التقرير تتزايد في بريطانيا عمليات الاحتيال المالي في استرجاع الضرائب، وسرقة الهويات الشخصية والسطو على حسابات الشركات في بريطانيا. وفي العام 2011 خسرت مصلحة الضرائب البريطانية نحو 3.4 مليار جنيه إسترليني من صفقات احتيال نفذت في مواقع "أون لاين".
ماذا تعني كلمة قرصنة
حينما يسمع الإنسان كلمة قرصنة، يعتقد أن المقصود بذلك عصابات سرقة السُّفن البحريَّة والسَّطو عليها، ونَهْب ما فيها وأَسْر طاقمها، وهو ذاته ما يفعله قرصان الأنظمة الإلكترونيَّة بالضبط، لكن بوسائل حديثة، وبدون أن يعرِّض السارق نفسه للخطر.
فالقرصنة الإلكترونية أو المعلوماتيَّة؛ هي عمليَّة اختراق لأجهزة الحاسوب تتمُّ عبْر شبكة الإنترنت غالبًا؛ لأنَّ أغلب حواسيب العالَم مرتبطة عبْر هذه الشَّبكة، أو حتَّى عَبْر شبكات داخليَّة يرتبط فيها أكثرُ من جهاز حاسوب، ويقوم بِهذه العمليَّة شخصٌ أو عدَّة أشخاص متمكِّنين في برامج الحاسوب وطرُقِ إدارتِها؛ أيْ إنَّهم مُبَرْمِجون ذوو مستوًى عالٍ يستطيعون بواسطة برامج مساعدة اختراق حاسوب معيَّن والتعرُّفَ على محتوياته، ومن خلالها يتم اختراق باقي الأجهزة المرتبطة معها في نفس الشبكة.
وبدأَت ظاهرة القرصنة والاختراق مع بداية ظهور الحاسوب، وازدادت بشكل كبير مع استخدام تقنية الشَّبكات؛ حيث يشمل الاختراق الهجومَ على شبكات الحاسوب من قبل مخترقي الأنظمة الإلكترونيَّة ومنتَهِكي القوانين، كما يبيِّن التطور الحاصل في مَجال سرية المعلومات التي تغطِّي الإنترنت، بالإضافة إلى تقنيات أخرى مثل الاتصالات. ثم تطورت عمليات القرصنة بسرعة فائقة باستخدام تقنيات حديثة ومعقَّدة؛ ما جعل النَّظرة إليها تتغيَّر كليًّا عمَّا كانت عليه في المراحل السَّابقة.
عمليات قرصنة مشهورة
في عام 1986 قام شخصٌ يدعى روبيرتو سوتو من كولومبيا بسرقة خطِّ هاتف حكومي؛ لِيُرسل مجموعة رسائل إلى مصارِف في بريطانيا، ومنها إلى دول أخرى، ونتج عن هذه الرسائل سرقة 13.5 مليون دولار من أرصدة الحكومة الكولومبية.
وتمكن في العام 1994 مجموعة من القراصنة الروس من سرقة مبلغ عشرة ملايين دولار من مصرف "سيتي بنك" إلى حسابات مصرفيَّة في مختلف دول العالم. وكان زعيم العصابة، فلاديمير ليفين، يستخدم حاسوبه الشخصيَّ لتحويل الأموال إلى حسابات في كلٍّ من فنلندا وإسرائيل، وقد تم إيقافه في الولايات المتحدة، وحُكِم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
كما تعرضت حواسيبُ وزارة الدِّفاع الأميركية إلى مئتين وخمسين ألف هجمة، وتعرضت المواقع الرسمية الأميركية للتمويه.
وذلك عبر بناء بعض القراصنة لمواقع مشابهة استخدمت، ونفذت مجموعة من القراصنة عمليات اختراق الموقع الإلكتروني لشركة مايكروسوفت للبرمَجيَّات عام 2001، وعلى الرغم من أن المشكلة تم حلُّها خلال ساعات قليلة، إلاَّ أن الملايين لم يتمكَّنوا من تصفُّح الموقع لمدَّة يومَيْن.
وفي السعودية تعرضت شبكة شركة "أرامكو" الإلكترونية لاختراق في أغسطس/آب من العام 2012.
واستخدم في هذا الاختراق برنامج إلكتروني اسمه ''شمعون'' تمكن من إسقاط عدد كبير من أجهزة التشغيل.
واستطاع الفيروس محو الملفات المخزنة في قواعد البيانات، وتعطيل الأجهزة الكمبيوترية المرتبطة بالشبكة الداخلية، حتى أصبحت غير صالحة للاستعمال.
وأشارت مصادر وقتها إلى أن القراصنة نفذوا العملية من إحدى دول أوروبا الشرقية لمصلحة إحدى الجهات في دولة غربية، كانت تريد الوصول إلى بعض المعلومات المهمة في الشركة. وتمكنت أرامكو لاحقاً من القضاء على الفيروس الذي دمر بعض الأقراص.