26 سبتمبر 2018
بريطانيا بين البقاء والانفصال عن الاتحاد الأوروبي
توصّلت بريطانيا والاتحاد الأوروبي، في العشرين من فبراير/ شباط 2016 إلى اتفاقية بشأن بقاء المملكة المتحدة في إطار المنظومة الأوروبية في مقابل شروط ومبادئ أساسية، تمنح بريطانيا صلاحيات وأولويات خاصّة، تعفيها من الالتزامات التقليدية المفروضة على دول المنظومة. وتمّ تحديد استفتاء شعبي في بريطانيا بتاريخ 23 يونيو/ حزيران المقبل، للوقوف على الرأي الشعبي بشأن البقاء، أو مغادرة الاتحاد الأوروبي في المرحلة المقبلة.
وضعية مميزة
حسب تصريحات لرئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، يشمل الاتفاق إعفاء بريطانيا بصورة عاجلة من الالتزام بدفع كل المساعدات المالية الاجتماعية للاجئين الجدد، وإجراء تعديلات في الاتفاقيات الأوروبية ذات العلاقة، وستعرض هذه التعديلات، في جلسة طارئة، أمام المجلس الوزاري في لندن، علمًا أنّ كثيرين من رافضي البقاء في التحالف الأوروبي يؤكّدون أنّ الاتفاقية والضمانات المقدّمة غير حقيقية، بما في ذلك قرابة مائة نائب من الحزب الحاكم يرفضون البقاء في إطار المنظومة الأوروبية، ويرون أنّ التعديلات سطحية، وليست جوهرية، ولا تفي بالطموحات البريطانية، الهادفة إلى الحدّ من موجات اللجوء، وإلزام بريطانيا بتقديم الحماية والرعاية الاجتماعية والصحية للاجئين.
يشكك معارضو البقاء في الاتحاد الأوروبي في المصداقية القانونية لهذه الاتفاقية، لوجود إمكانية عملية لنقضها من القضاة المعنيين في الاتحاد الأوروبي. ويواجه كاميرون مهمّة صعبة للغاية لتقديم هذه الإنجازات، باعتبارها نصراً للمجتمع البريطاني، قبل عقد الاستفتاء الشعبي المتوقع صيف العام الحالي لتحديد مصير بقاء بريطانيا في المنظومة الأوروبية. وتخشى دول أوروبا الشرقية حديثة العهد بالانضمام للمنظومة الأوروبية من حرمان مواطنيها من الاستحقاقات الاجتماعية والضمانات الصحية والمساعدات المالية للأطفال والبقاء في وظائفهم، حال التصويت على مغادرة بريطانيا أطر المنظومة الأوروبية.
اتفاقية عادلة
أعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، عن الاتفاقية التي تمّ التوصّل إليها مع بريطانيا للبقاء في إطار المنظومة الأوروبية في وسائل التواصل الاجتماعي، وتشمل: وقف المساعدات المقدّمة لأبناء اللاجئين الوافدين من الاتحاد الأوروبي. يصبح هذا القانون ساري المفعول لكل المعنيين الأجانب المقدّر تعدادهم بعشرات الآلاف، اعتبارًا من العام 2020، تعديل الاتفاقيات الأوروبية لإعفاء بريطانيا من كل الالتزامات المترتبة على سياسة التكامل بين دول الاتحاد الأوروبي، الحيلولة دون استفادة اللاجئين من سياسة الضمان الاجتماعي في بريطانيا للعمّال والموظفين الذين يحصلون على أجورٍ منخفضةٍ أربع سنوات. تتيح هذه الإجراءات للمملكة المتحدة إمكانية "الحماية الطارئة" لمدينة لندن، لوقف انتقال سجلات الشركات البريطانية الإجباري إلى الدول الأوروبية، ولضمان عدم ممارسة التمييز ضدّ قطاع العمل البريطاني، لوجوده خارج نطاق المنظومة الأوروبية.
أكّد كاميرون أنّه حقّق عمليات الإصلاح المطلوبة، وأضاف إنّ ذلك سيقدّم الأفضلية لبريطانيا، لكي تتمكن من احتلال مركز الصدارة في أحد أهم كبرى الأسواق العالمية، الأمر الذي سيساعد بظهور اتحاد أوروبي أكثر مرونة. وقد دافعت الاتفاقية عن حقّ بريطانيا للاحتفاظ بعملتها المحلية. وللمرّة الأولى، اعترف الاتحاد الأوروبي بوجود أكثر من عملة صعبة واحدة عدا اليورو. وتمكّن كاميرون كذلك من حماية بلاده من الانخراط في عملية اندماج جديدة في الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنّ بريطانيا لن تصبح أبدًا جزءًا من دولة أوروبية عظمى. وقد أوضح كاميرون كذلك أنّ بلاده لن تدير ظهرها للمنظومة الأوروبية، فهذا ليس الحلّ المناسب. لكن، من الممكن أن تبقى جزءًا من أوروبا حديثة، خاضعة للإصلاحات على مختلف المجالات والمستويات.
وقد صرحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إنّ حزمة الإصلاحات ستحثّ بريطانيا على البقاء في إطار المنظومة الأوروبية. وصادق رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، على الوضعية الخاصّة لبريطانيا في الاتحاد الأوروبي، كما وصف جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية الاتفاقية بالعادلة، وأضاف إنّ الطرفين بقيا حول الطاولة، حتى التوصل إلى اتفاق في مقابل تقديم كل التنازلات المطلوبة لتحقيق هذه الغاية، والإبقاء على حالة من الوحدة، فبريطانيا تحتاج الاتحاد الأوروبي، وهو يحتاجها، ويبقى الخيار، في نهاية المطاف، بيد الشعب البريطاني وحكومته.
صندوق الاقتراع
اعتبر كاميرون صندوق الاقتراع، وإجراء استفتاء شعبيّ، حلاً في منتهى الأهمية لجيل بأكمله. وخاطب الشعب البريطاني قائلاً إنّه وحده القادر على حسم موقف بريطانيا بشأن الانفصال عن المنظومة الأوروبية، وستبذل حكومته كلّ الجهود الممكنة للدفاع عن مصالح بلاده. وأضاف إنّ حبّه ووفاءه دائماً لبريطانيا، وليس لبروكسل، ويمكن لبلاده أن تحصل على الأفضل من العالمين، إذا بقيت بريطانيا عضواً في المنظومة الأوروبية، وفقًا للشروط الجديدة. لكن أنصار “Brexit” اعتبروا الصفقة عبثية ومفرغة من أيّ مضمون.
وهذاهو الاستفتاء الثاني الذي تجريه بريطانيا للإبقاء على عضويتها في المنظومة الأوروبية، نظم الأول في العام 1975 لدعم بقاء البلاد في "المجتمع الاقتصادي الأوروبي" آنذاك. الجديد في الاستفتاء الثاني معارضة فئة واسعة من السلطة الحاكمة البقاء في إطار المنظومة الأوروبية، ومن المتوقع أن يصوّت وزراء عديدون لصالح مغادرة المنظومة.
وقد أبرم الاتفاق ما بين الطرفين بعد محادثاتٍ مضنيةٍ، تواصلت يومين على التوالي، وصادق عليها بالإجماع قادة وحكومات دول المنظومة الأوروبية (28 دولة)، وتمكّن كاميرون من فرض آليات محدّدة تعفي لندن من دفع ضمانات اجتماعية عديدة للوافدين من دول المنظومة الأوروبية، وخصوصاً من دول أوروبا الشرقية، ليتم تحويلها ثانية إلى بلادهم، لتباين مستوى الحياة بين الجانبين. طالت هذه الآليات الوافدين الجدد، من دون المليون لاجئ اقتصادي الذين يعيشون حاليًا في لندن، كما ستمتد صلاحية هذه القرارات سبع سنوات، وليس 13 كما طالب كاميرون. وبهذا، تمكّن الطرفان من الحصول على نتائج مرضية نسبيًا، حسب "رويترز".
لن تحرم بريطانيا، وحسب الاتفاق المذكور، من المداولة، واتخاذ قرارات بشأن نادي اليورو، لكنّها لن تتمكن من امتلاك حقّ النقض لأيّ من القرارات المعتمدة في النادي. لذا، صرّح كاميرون إنّ بريطانيا لن تصبح عضواً في نادي اليورو، ولن تدفع أيّة تعويضات مالية لصالح دول اليورو التي تعاني من أزمات مالية. عملياً، أعفيت بريطانيا من كل المشكلات العالقة في النادي، وعلى المشاركين في الاستفتاء الشعبي المرتقب توخّي الحذر، وعدم توقع أن تكون بريطانيا بحالٍ أفضل بمعزل عن الاتحاد الأوروبي.
الأمن البريطاني والمنظومة الأوروبية
يتيح الاتفاق المجال لبريطانيا للاحتفاظ بآليات الدفاع عن أمنها القومي، ولن تصبح يوماً ما جزءًا من الجيش الأوروبي المشترك. وقد صرح رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، إنّ الاتفاقية تتوافق مع كل تطلعات لندن، من دون أن تؤثر على القيم الأصولية للمنظومة الأوروبية. وقال توسك إنّ المنظومة على أتمّ الاستعداد للتضحية بكثير من مصالحها، من أجل الصالح العام، وأنّه على ثقةٍ من الاعتماد المشترك بين الطرفين، وصعوبة تخلّي أحدهما عن الاخر. كما امتلكت بريطانيا دائماً وضعية خاصة في الاتحاد الأوروبي، من دون أن يعيقها ذلك من لعب دور إيجابي في إطار المنظومة الأوروبية المكونة من 28 دولة، وليس 27 + بريطانيا.
لكنّ هناك بنداً جديراً بالأهمية يتمثّل بإلغاء الاتفاقية، إذا جاءت نتائج الاستفتاء الشعبي، المرتقب صيف العام الحالي، لصالح انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وتمكّنت بلجيكيا تحديدًا من تمرير هذا الشرط؛ ولن يتم التفاوض بعد ذلك على إبرام اتفاقية جديدة، حال إعلان انفصال بريطانيا عن المنظومة للحصول على شروط أفضل. هذا البند ملزم لبريطانيا، وسيستخدمه كاميرون للضغط على معارضي بقاء بلاده ضمن إطار المنظومة، علماً أنّ قطاع العمل الأجنبي أعرب عن قلقه وعدم ثقته بالاستقرار الاقتصادي البريطاني، حال انفصالها عن المنظومة الأوروبية، في وقت تفيد بيانات وكالات استطلاع الآراء بأنّ الراغبين بانفصال بريطانيا عن المنظومة يقدّر بنسبة 36% مقابل 34% وهناك 7% تحفّظوا مقابل 23% لم يحسموا أمرهم بعد.
لا يمكن الاستهانة بالرافضين لهذه الصفقة، حيث صرّح نايجل فرج زعيم حزب الاستقلال البريطاني إنّ الصفقة لا تستحقّ مخطوطة الورق الذي كتبت عليه، وأنّها صفقة سخيفة، وعلى الشعب البريطاني أن يغادر إطار المنظومة الأوروبية، إذا رغب بالحفاظ على حريته واستقلاليته والتصويت ضدّ المشروع في عملية الاستفتاء المقبلة.
تبعات الانفصال
يرى خبراء اقتصاديون عديدون أنّ انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي “Brexit” يعتبر بمثابة قفزة في المجهول، لأنّ هذا البلد لم ينفصل يوماً عن المنظومة. وتشير المادّة الخمسون في اتفاقية ليسابون إلى وجود مرحلة إلزامية لكلّ من الطرفين، حال إقرار الانفصال، بحيث تستمرّ محادثات هذه المرحلة سنتين، إلا إذا وافق الطرفان على تمديد هذه المدّة. وبناءً على نتائج هذه المحادثات، يتمّ تحديد تبعات قضايا عديدة، وأهمها بقاء بريطانيا في إطار المنطقة الاقتصادية الأوروبية، كما النرويج وأيسلندا، وهل تبقى بريطانيا جزءًا من السوق الموحّدة أم تنفصل عنها؟ كما سيشهد القطاع البنكي ردود فعل قوية، حيث أعلن دغلاس فلينت (المدير التنفيذي لأحد أكبر البنوك الأوروبية (HSBC بأنّه من السهل نقل إقامة ومكان عمل ألف موظف من لندن إلى باريس، وهذا تهديد مبطّن لبريطانيا، إذا أعلنت عن قرارها الانفصال عن المنظومة الأوروبية.
عدا عن ذلك، هناك تناقض في توجهات قطاع الاقتصاد البريطاني الراغب بالانفتاح وتوظيف اليد العاملة الرخيصة وشأن الانفصال عن المنظومة، حيث توجد الأيدي العاملة الرخيصة في دول المنظومة في قسمها الشرقي والأوسط.
من جانب آخر، ستسمح التغييرات المتوقعة لبريطانيا التحكم بحدودها الخارجية، وستمنع عبور مزيد من اللاجئين إلى أراضيها، وحرمان الموجودين من الاستفادة من صناديق الضمان الاجتماعي، وسيعمل البرلمان البريطاني بصورة مستقلة على تعديل القوانين الأوروبية.
وهناك مسألة أخرى مشتركة مع فرنسا بشأن حماية الحدود، فهل سيحمي حرس الحدود الفرنسيون الحدود البريطانية، أم يتركون آلاف اللاجئين يعبرون أدغال مدينة كاليه، والتوجه من خلال النفق الأوروبي إلى الأراضي البريطانية، كردّ فرنسيّ على مغادرة بريطانيا المنظومة الأوروبية.
وستفرض بريطانيا على الراغبين بالعمل الحصول على تراخيص عمل وإقامات سنوية، وستتعامل الدول الأوروبية بالمثل مع البريطانيين. ومن المتوقع حال خروج بريطانيا ضعف دورها في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، للحدّ من آليات التبادل المعلوماتي في المجال العسكري مع المنظومة الأوروبية، وعلى المستوى العالمي أيضًا.
الدول العظمى تعتبر بريطانيا مدخلاً لأوروبا، وطالبت الولايات المتحدة الأميركية والصين من بريطانيا البقاء في إطار المنظومة. واسكتلندا لا ترغب بالانفصال عن المنظومة الأوروبية وستنظم بدورها استفتاءً شعبيًا بهذا الشأن، لشعورها بأنّها مجبرة على الانفصال مع بريطانيا عن أوروبا، حال تمرير الاستفتاء البريطاني صيف العام الحالي.
وضعية مميزة
حسب تصريحات لرئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، يشمل الاتفاق إعفاء بريطانيا بصورة عاجلة من الالتزام بدفع كل المساعدات المالية الاجتماعية للاجئين الجدد، وإجراء تعديلات في الاتفاقيات الأوروبية ذات العلاقة، وستعرض هذه التعديلات، في جلسة طارئة، أمام المجلس الوزاري في لندن، علمًا أنّ كثيرين من رافضي البقاء في التحالف الأوروبي يؤكّدون أنّ الاتفاقية والضمانات المقدّمة غير حقيقية، بما في ذلك قرابة مائة نائب من الحزب الحاكم يرفضون البقاء في إطار المنظومة الأوروبية، ويرون أنّ التعديلات سطحية، وليست جوهرية، ولا تفي بالطموحات البريطانية، الهادفة إلى الحدّ من موجات اللجوء، وإلزام بريطانيا بتقديم الحماية والرعاية الاجتماعية والصحية للاجئين.
يشكك معارضو البقاء في الاتحاد الأوروبي في المصداقية القانونية لهذه الاتفاقية، لوجود إمكانية عملية لنقضها من القضاة المعنيين في الاتحاد الأوروبي. ويواجه كاميرون مهمّة صعبة للغاية لتقديم هذه الإنجازات، باعتبارها نصراً للمجتمع البريطاني، قبل عقد الاستفتاء الشعبي المتوقع صيف العام الحالي لتحديد مصير بقاء بريطانيا في المنظومة الأوروبية. وتخشى دول أوروبا الشرقية حديثة العهد بالانضمام للمنظومة الأوروبية من حرمان مواطنيها من الاستحقاقات الاجتماعية والضمانات الصحية والمساعدات المالية للأطفال والبقاء في وظائفهم، حال التصويت على مغادرة بريطانيا أطر المنظومة الأوروبية.
اتفاقية عادلة
أعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، عن الاتفاقية التي تمّ التوصّل إليها مع بريطانيا للبقاء في إطار المنظومة الأوروبية في وسائل التواصل الاجتماعي، وتشمل: وقف المساعدات المقدّمة لأبناء اللاجئين الوافدين من الاتحاد الأوروبي. يصبح هذا القانون ساري المفعول لكل المعنيين الأجانب المقدّر تعدادهم بعشرات الآلاف، اعتبارًا من العام 2020، تعديل الاتفاقيات الأوروبية لإعفاء بريطانيا من كل الالتزامات المترتبة على سياسة التكامل بين دول الاتحاد الأوروبي، الحيلولة دون استفادة اللاجئين من سياسة الضمان الاجتماعي في بريطانيا للعمّال والموظفين الذين يحصلون على أجورٍ منخفضةٍ أربع سنوات. تتيح هذه الإجراءات للمملكة المتحدة إمكانية "الحماية الطارئة" لمدينة لندن، لوقف انتقال سجلات الشركات البريطانية الإجباري إلى الدول الأوروبية، ولضمان عدم ممارسة التمييز ضدّ قطاع العمل البريطاني، لوجوده خارج نطاق المنظومة الأوروبية.
أكّد كاميرون أنّه حقّق عمليات الإصلاح المطلوبة، وأضاف إنّ ذلك سيقدّم الأفضلية لبريطانيا، لكي تتمكن من احتلال مركز الصدارة في أحد أهم كبرى الأسواق العالمية، الأمر الذي سيساعد بظهور اتحاد أوروبي أكثر مرونة. وقد دافعت الاتفاقية عن حقّ بريطانيا للاحتفاظ بعملتها المحلية. وللمرّة الأولى، اعترف الاتحاد الأوروبي بوجود أكثر من عملة صعبة واحدة عدا اليورو. وتمكّن كاميرون كذلك من حماية بلاده من الانخراط في عملية اندماج جديدة في الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنّ بريطانيا لن تصبح أبدًا جزءًا من دولة أوروبية عظمى. وقد أوضح كاميرون كذلك أنّ بلاده لن تدير ظهرها للمنظومة الأوروبية، فهذا ليس الحلّ المناسب. لكن، من الممكن أن تبقى جزءًا من أوروبا حديثة، خاضعة للإصلاحات على مختلف المجالات والمستويات.
وقد صرحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إنّ حزمة الإصلاحات ستحثّ بريطانيا على البقاء في إطار المنظومة الأوروبية. وصادق رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، على الوضعية الخاصّة لبريطانيا في الاتحاد الأوروبي، كما وصف جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية الاتفاقية بالعادلة، وأضاف إنّ الطرفين بقيا حول الطاولة، حتى التوصل إلى اتفاق في مقابل تقديم كل التنازلات المطلوبة لتحقيق هذه الغاية، والإبقاء على حالة من الوحدة، فبريطانيا تحتاج الاتحاد الأوروبي، وهو يحتاجها، ويبقى الخيار، في نهاية المطاف، بيد الشعب البريطاني وحكومته.
صندوق الاقتراع
اعتبر كاميرون صندوق الاقتراع، وإجراء استفتاء شعبيّ، حلاً في منتهى الأهمية لجيل بأكمله. وخاطب الشعب البريطاني قائلاً إنّه وحده القادر على حسم موقف بريطانيا بشأن الانفصال عن المنظومة الأوروبية، وستبذل حكومته كلّ الجهود الممكنة للدفاع عن مصالح بلاده. وأضاف إنّ حبّه ووفاءه دائماً لبريطانيا، وليس لبروكسل، ويمكن لبلاده أن تحصل على الأفضل من العالمين، إذا بقيت بريطانيا عضواً في المنظومة الأوروبية، وفقًا للشروط الجديدة. لكن أنصار “Brexit” اعتبروا الصفقة عبثية ومفرغة من أيّ مضمون.
وهذاهو الاستفتاء الثاني الذي تجريه بريطانيا للإبقاء على عضويتها في المنظومة الأوروبية، نظم الأول في العام 1975 لدعم بقاء البلاد في "المجتمع الاقتصادي الأوروبي" آنذاك. الجديد في الاستفتاء الثاني معارضة فئة واسعة من السلطة الحاكمة البقاء في إطار المنظومة الأوروبية، ومن المتوقع أن يصوّت وزراء عديدون لصالح مغادرة المنظومة.
وقد أبرم الاتفاق ما بين الطرفين بعد محادثاتٍ مضنيةٍ، تواصلت يومين على التوالي، وصادق عليها بالإجماع قادة وحكومات دول المنظومة الأوروبية (28 دولة)، وتمكّن كاميرون من فرض آليات محدّدة تعفي لندن من دفع ضمانات اجتماعية عديدة للوافدين من دول المنظومة الأوروبية، وخصوصاً من دول أوروبا الشرقية، ليتم تحويلها ثانية إلى بلادهم، لتباين مستوى الحياة بين الجانبين. طالت هذه الآليات الوافدين الجدد، من دون المليون لاجئ اقتصادي الذين يعيشون حاليًا في لندن، كما ستمتد صلاحية هذه القرارات سبع سنوات، وليس 13 كما طالب كاميرون. وبهذا، تمكّن الطرفان من الحصول على نتائج مرضية نسبيًا، حسب "رويترز".
لن تحرم بريطانيا، وحسب الاتفاق المذكور، من المداولة، واتخاذ قرارات بشأن نادي اليورو، لكنّها لن تتمكن من امتلاك حقّ النقض لأيّ من القرارات المعتمدة في النادي. لذا، صرّح كاميرون إنّ بريطانيا لن تصبح عضواً في نادي اليورو، ولن تدفع أيّة تعويضات مالية لصالح دول اليورو التي تعاني من أزمات مالية. عملياً، أعفيت بريطانيا من كل المشكلات العالقة في النادي، وعلى المشاركين في الاستفتاء الشعبي المرتقب توخّي الحذر، وعدم توقع أن تكون بريطانيا بحالٍ أفضل بمعزل عن الاتحاد الأوروبي.
الأمن البريطاني والمنظومة الأوروبية
يتيح الاتفاق المجال لبريطانيا للاحتفاظ بآليات الدفاع عن أمنها القومي، ولن تصبح يوماً ما جزءًا من الجيش الأوروبي المشترك. وقد صرح رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، إنّ الاتفاقية تتوافق مع كل تطلعات لندن، من دون أن تؤثر على القيم الأصولية للمنظومة الأوروبية. وقال توسك إنّ المنظومة على أتمّ الاستعداد للتضحية بكثير من مصالحها، من أجل الصالح العام، وأنّه على ثقةٍ من الاعتماد المشترك بين الطرفين، وصعوبة تخلّي أحدهما عن الاخر. كما امتلكت بريطانيا دائماً وضعية خاصة في الاتحاد الأوروبي، من دون أن يعيقها ذلك من لعب دور إيجابي في إطار المنظومة الأوروبية المكونة من 28 دولة، وليس 27 + بريطانيا.
لكنّ هناك بنداً جديراً بالأهمية يتمثّل بإلغاء الاتفاقية، إذا جاءت نتائج الاستفتاء الشعبي، المرتقب صيف العام الحالي، لصالح انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وتمكّنت بلجيكيا تحديدًا من تمرير هذا الشرط؛ ولن يتم التفاوض بعد ذلك على إبرام اتفاقية جديدة، حال إعلان انفصال بريطانيا عن المنظومة للحصول على شروط أفضل. هذا البند ملزم لبريطانيا، وسيستخدمه كاميرون للضغط على معارضي بقاء بلاده ضمن إطار المنظومة، علماً أنّ قطاع العمل الأجنبي أعرب عن قلقه وعدم ثقته بالاستقرار الاقتصادي البريطاني، حال انفصالها عن المنظومة الأوروبية، في وقت تفيد بيانات وكالات استطلاع الآراء بأنّ الراغبين بانفصال بريطانيا عن المنظومة يقدّر بنسبة 36% مقابل 34% وهناك 7% تحفّظوا مقابل 23% لم يحسموا أمرهم بعد.
لا يمكن الاستهانة بالرافضين لهذه الصفقة، حيث صرّح نايجل فرج زعيم حزب الاستقلال البريطاني إنّ الصفقة لا تستحقّ مخطوطة الورق الذي كتبت عليه، وأنّها صفقة سخيفة، وعلى الشعب البريطاني أن يغادر إطار المنظومة الأوروبية، إذا رغب بالحفاظ على حريته واستقلاليته والتصويت ضدّ المشروع في عملية الاستفتاء المقبلة.
تبعات الانفصال
يرى خبراء اقتصاديون عديدون أنّ انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي “Brexit” يعتبر بمثابة قفزة في المجهول، لأنّ هذا البلد لم ينفصل يوماً عن المنظومة. وتشير المادّة الخمسون في اتفاقية ليسابون إلى وجود مرحلة إلزامية لكلّ من الطرفين، حال إقرار الانفصال، بحيث تستمرّ محادثات هذه المرحلة سنتين، إلا إذا وافق الطرفان على تمديد هذه المدّة. وبناءً على نتائج هذه المحادثات، يتمّ تحديد تبعات قضايا عديدة، وأهمها بقاء بريطانيا في إطار المنطقة الاقتصادية الأوروبية، كما النرويج وأيسلندا، وهل تبقى بريطانيا جزءًا من السوق الموحّدة أم تنفصل عنها؟ كما سيشهد القطاع البنكي ردود فعل قوية، حيث أعلن دغلاس فلينت (المدير التنفيذي لأحد أكبر البنوك الأوروبية (HSBC بأنّه من السهل نقل إقامة ومكان عمل ألف موظف من لندن إلى باريس، وهذا تهديد مبطّن لبريطانيا، إذا أعلنت عن قرارها الانفصال عن المنظومة الأوروبية.
عدا عن ذلك، هناك تناقض في توجهات قطاع الاقتصاد البريطاني الراغب بالانفتاح وتوظيف اليد العاملة الرخيصة وشأن الانفصال عن المنظومة، حيث توجد الأيدي العاملة الرخيصة في دول المنظومة في قسمها الشرقي والأوسط.
من جانب آخر، ستسمح التغييرات المتوقعة لبريطانيا التحكم بحدودها الخارجية، وستمنع عبور مزيد من اللاجئين إلى أراضيها، وحرمان الموجودين من الاستفادة من صناديق الضمان الاجتماعي، وسيعمل البرلمان البريطاني بصورة مستقلة على تعديل القوانين الأوروبية.
وهناك مسألة أخرى مشتركة مع فرنسا بشأن حماية الحدود، فهل سيحمي حرس الحدود الفرنسيون الحدود البريطانية، أم يتركون آلاف اللاجئين يعبرون أدغال مدينة كاليه، والتوجه من خلال النفق الأوروبي إلى الأراضي البريطانية، كردّ فرنسيّ على مغادرة بريطانيا المنظومة الأوروبية.
وستفرض بريطانيا على الراغبين بالعمل الحصول على تراخيص عمل وإقامات سنوية، وستتعامل الدول الأوروبية بالمثل مع البريطانيين. ومن المتوقع حال خروج بريطانيا ضعف دورها في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، للحدّ من آليات التبادل المعلوماتي في المجال العسكري مع المنظومة الأوروبية، وعلى المستوى العالمي أيضًا.
الدول العظمى تعتبر بريطانيا مدخلاً لأوروبا، وطالبت الولايات المتحدة الأميركية والصين من بريطانيا البقاء في إطار المنظومة. واسكتلندا لا ترغب بالانفصال عن المنظومة الأوروبية وستنظم بدورها استفتاءً شعبيًا بهذا الشأن، لشعورها بأنّها مجبرة على الانفصال مع بريطانيا عن أوروبا، حال تمرير الاستفتاء البريطاني صيف العام الحالي.