ورأى غليون أن "نتائج مؤتمر الرياض 2 والأجواء المعادية التي استبقت انعقاده والتي جعلت منصة موسكو تنسحب من المشاركة كي لا يظهر وزنها الحقيقي فيه، على الرغم من كل ما رافق تحضير المؤتمر من ضغوط، كي يتمثل ما يسمى بالمعتدلين بشكل أكبر، ويستبعد ما يسمون بالمتشددين، أظهرت أن مشاريع موسكو لتصفية قضية الثورة، وتحويل الأمر إلى صراع على مناصب وزارية، ليست قابلة للتحقيق، وأن هناك مقاومة عميقة لها ولفكرة الإبقاء على الأسد في الحكم حتى لمرحلة انتقالية أو مؤقتة".
وحول مدى واقعية طلب المعارضة رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية على ضوء المستجدات السياسية في موازين القوة على الأرض، رأى غليون أن "كلمة واقعي لا معنى لها هنا، لأن أكثر ما هو غير واقعي هو التمسك بالأسد، لأن طهران تريده للحفاظ على مصالحها غير المشروعة وغير المعقولة معاً، وموسكو لا تريد أن تضغط على حليف كبير لها على الأرض. والإبقاء على شخص كالأسد رئيساً لبلد دُمّرت كل بنيته التحتية، وقُتل مليون من شبابه وشُرّد نصف سكانه في كل بقاع الأرض، ليس أمراً غير واقعي فحسب، بل هو من باب العبث والجنون والحماقة السياسية الاستثنائية".
وأكد غليون أن "الواقعية هي أن تبحث الدول التي تريد الحفاظ على مصالح لها في سورية عن شخص متوازن وحكيم من بين السوريين، قادر على تطمين الجميع، وعلى توحيد الشعب، الذي قسّمه الأسد عنوة وبخطة مرسومة مسبقاً إلى طوائف ومذاهب وأقليات وأكثريات وقوميات، وأدخل أكبر الطامعين فيه وفي موقعه وموارده من الدول الاقليمية إلى داخل قصر الرئاسة وموقع اتخاذ القرار".
وأضاف أن "الواقعية هي في أن تقدم مصالح الشعب السوري بفئاته المختلفة على مصالح إيران وروسيا وتركيا وجميع الدول الطامحة إلى استبعاده وتقسيمه إلى مناطق نفوذ، وأن يظهر ذلك في صيغة الحل، وأن يشعر السوريون بأن مستقبلهم في يدهم وليس في يد الدول التي تحتل أراضيهم، وأن تقبل هذه الدول بتعريف مصالحها وعدم اعتبار سورية أرضاً مشاعاً ومسرحاً لنشر قوتها واستعراض عضلاتها أو تجريب أسلحتها ومقاومة الضغوط الدولية عليها".
ولفت غليون إلى أنه "إذا كانت هناك فكرة لا تملك ذرة من الواقعية، فهي الضغط من أجل التجديد للأسد أو إنقاذه بعد كل ما حصل في البلاد، التي كان هو رئيسها منذ سنين طويلة وورثها عن أبيه وشكل أجهزتها ومؤسساتها بنفسه ولخدمة مصالحه الشخصية وحدها".
ورأى غليون أنه "إذا كانت طهران ترفض ذلك، وكانت تريد التضحية باستقلال سورية وحرية شعبها ومصالحه لتحويل البلاد إلى معبر لأسلحة حزب الله، وساحة مواجهة بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة، فليس من الواقعية أن تقبل الدولة التي تتصرف كصاحبة انتداب على سورية، أي روسيا، بهذا الطرح ولا أن تسير فيه، لأنه سوف يقودها إلى الفشل لا محالة بسبب سورياليته وتحديه لأي منطق سليم".
وأكد أنه "لا يمكن أن يكون الحل هو إقناع الشعب السوري بأن يكون ذنباً لإيران أو ساحة حرب تشن فيها طهران معركتها ضد خصومها ومنافسيها الإقليميين والدوليين. وليس من الواقعية أن يقال له سوف تقبل الأسد بالقوة رغماً عنك، وسوف تحبه، وعليك أن تقبّل صورته لأن طهران لا تقبل بخروجه ولا بمحاكمته حتى لا تفقد مشروعها في تحويل سورية إلى معبر في إمبراطوريتها التي تحلم بها والتي لا تختلف عن إمبراطورية الرايخ النازي التي قادت ألمانيا وأوروبا بأكملها إلى الدمار في حرب جنونية".
وحول ما إذا كان المؤتمر السوري الموسع الذي جرى الحديث عنه في اجتماع سوتشي، بات هو الشيء الوحيد العملي المطروح على الطاولة بعد الانسحاب الأميركي من المشهد السوري وضعف الغطاء الدولي لمسار جنيف، أعرب غليون عن اعتقاده بأن "الأميركيين لم ينسحبوا من المشهد السوري، لأن انسحابهم يعني أن واشنطن تتخلى عن الشرق الأوسط من دون سبب، وتقدمه هدية لروسيا وإيران".
وأبدى غليون اعتقاده بأن "معركة السيطرة على الشرق الأوسط بالكاد بدأت. وسواء حصل أم لم يحصل، فمؤتمر سوتشي سيكون في أحسن أحواله ثمرة تفاهم ثلاثي روسي إيراني تركي"، مستبعداً أن "يكون هناك تفاهم حقيقي حول توزيع المصالح حتى بين هذه الدول التي تريد جر السوريين شيئاً فشيئاً خارج ساحة معارضتهم القوية للأسد وهز ثقة المعارضة بنفسها، وكذلك ثقة الشعب السوري أو ما تبقى منه بها، وبالتالي بإمكانية تحقيق هدف هذا الشعب الأصلي في دولة ديمقراطية تعددية حرة، وذلك كي يستطيعوا فرض الأمر الواقع أو ما يعتبرون أنه الأمر الواقع، عليه، كخيار وحيد، وهو إعادة تأهيل نظام الأسد، بالأسد أو بغيره".
وأكد غليون أن "هذا غير ممكن. ولن ينجح أحد في تجريد الشعب السوري ثانية من حقوقه التي ضحى من أجلها بأفضل أبنائه. ولن يستطيع أحد أن يعيده إلى حظيرة الأسد وعبودية الأجهزة الأمنية". وحول ما إذا كانت التوازنات الإقليمية والدولية جاهزة لإنتاج حل حقيقي في سورية اليوم، رأى غليون أن "المناخ يسير عموماً في اتجاه الدفع إلى حلّ، لأن معظم القوى المنخرطة في الصراع أصابها التعب والخوف من فقدان السيطرة على الوضع".
وأعرب عن اعتقاده بأن "الطرف الوحيد الذي ليس له مصلحة في الحل هو طهران التي لا يقتصر طموحها على تأمين حضور محدود في سورية وإنما تعتقد أن بإمكانها ومن حقها السيطرة الكاملة عليها وتغيير خريطتها الديمغرافية والجيوسياسية كلياً إذا أمكن وإلحاقها بالدولة الإيرانية. وهذا ما يدفعها إلى التأكيد على عدم القبول بتغيير الأسد، حتى بأحد شركائه في جريمة الإبادة الجماعية".
واعتبر أن "هذا الموقف الإيراني هو الذي يشجع الأسد أيضاً وعصابته المحلية على الاستمرار في التعنت وتخريب أي عملية سياسية تفضي إلى إنهاء الصراع والقتل الأعمى في البلاد". وحذّر من أنه "ما لم تتخذ موسكو موقفاً واضحاً وقوياً من ادّعاءات طهران في سورية، وترسي لحل يحقق المصالح الرئيسية للسوريين في الاستقلال والحرية وحق تقرير المصير، ويضمن خروج جميع القوات الأجنبية منها، فلن تكون هناك أي تسوية، وسوف يستمر الوضع في التدهور وربما سيعود النزاع الدموي بعد فترة من جديد إلى التصعيد".
وبشأن الخيارات المتاحة أمام المعارضة للوصول إلى أفضل النتائج وتجنب مزيد من الخسائر، رأى غليون أن "خيارات المعارضة هي عدم التفريط بحقوق شعبها، أي تبني روح المقاومة والصمود على ثوابت الثورة بالفعل، وأهمها عدم التنازل عن حق السوريين كجميع شعوب الأرض في الانتقال نحو نظام ديمقراطي يحترم أفرادهم ويؤكد سيادتهم على أرضهم ووطنهم ودولتهم، ويعيد السلطة لهم، بعد نصف قرن من اغتصابها من قبل قوى محلية أو أجنبية لا يهمها مصيرهم ولا مستقبلهم، وبالتالي إسقاط نظام العبودية والطغيان الدموي الذي أحرق بلدهم ومستقبلهم".
وأوضح غليون أن "خيار المقاومة لا يعني التخلي عن العمل السياسي الدولي والوطني، والتمترس وراء شعارات ومواقف خشبية وجامدة، ولكن بالعكس، العمل النشيط والدؤوب لإعادة تنظيم قوى الثورة والمعارضة وتوحيدها وتعزيز تماسكها الفكري والسياسي والعسكري. وفي موازاة ذلك العمل الذي لا يقل أهمية على الرأي العام الدولي الرسمي والشعبي، وتعبئة الأحزاب والقوى الدولية الديمقراطية المؤيدة لتطلعات الشعب السوري للضغط على أصحاب القرار وإقناعهم بأنه لا حلّ في سورية مع تجاهل حقوق السوريين ومصالحهم، أو من دون الاعتراف بأولويتها وشرعية الدفاع عنها محوراً لجميع الجهود الدولية".