أحدهما مفكّر جعل من التقنية موضوعه الأثير، والثاني كاتب روايات خيال علمي. في مقر جمعية "غراوند كونترول" في باريس يلتقي، في أمسية فكرية تقام يوم غد، كل من برنار ستيغلار (1958) وآلان دامازيو (1969) حيث يتحدّثان حول مفهوم يتقاطع مع مجال اشتغال كلّ منهما، هو الابتكار.
في ظل الأزمات التي تعيشها الرأسمالية، يصبح مصطلح مثل الابتكار مفهوماً مركزياً في الفكر العالمي، فالحلول النمطية أو التوقعات العلمية المبنية على وضع معطيات وانتظار مخرجاته لم تعد تقدّم شيئاً في قراءة ما سيقع.
في أبرز أعماله؛ "التقنية والزمن" (صدر في ثلاثة أجزاء بين 1994 و2001)، كان ستيغلار قد بدأ يؤسس لفهم جديد للابتكار، فهو ليس فقط اختراع فكرة جديدة وطريفة مقارنة بالمنجز العلمي والتقني، بل هو قبل ذلك اندماج في الرؤية السائدة من أجل اختراقها لاحقاً، معتبراً أن الانهماك العلمي في تقديم نظريات جديدة ومنتجات مختلفة لم يكن من الابتكار في شيء، بل إنه قام بتشتيت العلوم ومنهجياتها، فما كان يبدو تطوّرات متلاحقة في تكنولوجيا الاتصال والنقل وغير ذلك لم يكن بالنسبة لستيغلار سوى انغماس مغلق في العلم وسقوط في الروتين التنفيذي، ومن هنا يعتبر الابتكار إضافة تنبع من الخط الأصلي للبحث العلمي، المقترن بمراعاة منطق الطبيعة أولاً وأساليب الحياة البشرية.
استمر اشتغال ستيغلار على مفهوم الابتكار في أعمال أخرى أصدرها مثل: "المرور إلى الفعل" (2003)، و"الفقر الرمزي" (2004)، و"حالات صدمة.. الخطأ والمعرفة في القرن الحادي والعشرين" (2012)، و"مستقبل العمل" (2015)، دون أن ننسى أنه شغل مناصب ضمن مؤسسات فرنسية كانت تحاول إرساء ثقافة الابتكار مثل "المجلس الوطني للرقميات" ومديراً لـ"التطوير الثقافي" في "مركز بومبيدو".
لن نجد نفس أشكال الحضور لمفهوم الابتكار في منجز شريكه في الأمسية، آلان دامازيو، لكن نفس الفكرة تحضر بقوة في أعماله الروائية والقصصية، خصوصاً وأنه يشتغل بالأساس على حبكات يكون محورها محاولة تجاوز إشكاليات النظام الرأسمالي، وهكذا تتحوّل أعمال مثل "منطقة الخارج" و"بشكل نهائي" و"اختفاءات" إلى تفكير في طرق مبتكرة لتجاوز مآزق الواقع.