برلمان "بطيخ مولانا"
كان هذا الحال في أول برلمان مصري في ظل الملكية بكل ما لها وما عليها، فمصر وقتها كانت دولة دائنة لا مدينة، وكانت "القاهرة الإسماعيلية" نسبة للخديوي إسماعيل، تنافس باريس في العمارة والتطور والنظام، بالطبع، كانت الغالبية العظمى من الشعب المصري فقراء غير متعلمين ولا يتوفر لهم العلاج أو الخدمات مقارنة بطبقة الأثرياء المُترَفة، لكن مصر كانت دولة قويّة غنيّة تسيطر على قرارها وتحكم أراضيَ شاسعة فقدتها لاحقاً.
ما فعله نواب الخديوي اسماعيل، قبل أكثر من 150 عاماً، لا يختلف كثيراً عما يفعله نواب البرلمان الحالي، إن اعتبرناه تجاوزاً برلماناً، وليس كما يقول أعضاء فيه عن أنفسهم "طراطير"، وفي توصيف آخر "سكرتاريا"، ربما الفارق أن مصر حالياً دولة "مديونة لشوشتها" كما يقول المصريون بالعامية، و"فقيرة أوي" بحسب تعبير حاكمها العسكري الذي قال أيضا إنها "شبه دولة".
لنعد إلى قصة البرلمان، فقبل أسبوعين من الآن، ارتفع عدد أعضاء الائتلاف المُؤيّد للحكومة والمشكل على عين مخابراتها، والمُسمَّى "دعم مصر"، إلى 359 نائباً من مجموع 593 برلمانيّاً. نشرت الجريدة الرسمية أسماء 36 نائباً انضمّوا إلى الائتلاف المهيمن على كل قرارات البرلمان، في تكرار باهت لهتاف نواب برلمان الخديوي إسماعيل "نحن عبيد أفندينا فكيف نعارضه؟"، بعد أن بات السيسي هو أفنديهم.
يعرف المتابع لتاريخ البرلمان المصري الكثير من الطرائف والفضائح، وبعضها حدث على الهواء مباشرة، وشاهده الملايين بسبب البث المباشر للجلسات عبر التلفزيون منذ عهد المخلوع مبارك، وهو البثّ المحظور في برلمان السيسي، على الرغم من أنه برلمان الصوت الواحد الذي لا يعرف اختلافات إلا نادراً.
قبل أيام، نشبت مُشادّة كلاميّة بين أعضاء لجنة النقل في البرلمان، وعضو من الائتلاف الداعم للنظام، بسبب مقترح زيادة سعر تذكرة مترو الأنفاق من جنيه واحد إلى 3 جنيهات دفعة واحدة. وقال النائب الحكومي: "مش عاوزين تأخذنا العواطف، سعر التذكرة لازم يزيد إلى 3 جنيهات". وتدخل رئيس اللجنة، وهو لواء شرطة سابق، قائلاً "والله العظيم، وحياة أولادي، ناس كتير من ركاب المترو بيقولولي: (أنت سايب المترو ليه؟ لازم تزود السعر)".
الخلاصة، أنّ القرار تمّ اتخاذه، وسيتم تنفيذه، وما يجري في البرلمان ليس إلا تحصيل حاصل، فلا البرلمان يمكنه رفض قرار للسيسي، ولا السيسي ينتظر من البرلمان الرفض، القصة لخصها مشهد سينمائي بديع من فيلم "الفتوة" للمخرج الراحل، صلاح أبو سيف، والذي أنتج سنة 1957.
يشتري المواطن البسيط بطيخة من تاجر في "سوق الخضار"، فيكتشِف أنَّها غير ناضجة أو كما يقول المصريون "قرعة"، فيعترض مُحاولاً استعادة ماله، فيرد البائع الماكر (توفيق الدقن) مُؤكّداً، أنّ البطيخة قادمة من مزرعة تابعة للملك الذي كان يطلق عليه في النصف الأول من القرن الماضي وصف "مولانا"، ثم يهدّد المشتري قائلاً: "لو بطيخ مولانا أقرع. يبقى مولانا كمان أقرع"، فيتدخّل مساعده (فريد شوقي) قائلاً للمشتري: "نهارك زي الطين. بتشتم مولانا؟"، فلا يجد الرجل أمامه إلا الهتاف "يعيش مولانا وبطيخ مولانا".