بدون في أوروبا [3-4]... تعديلات قانون سحب الجنسية الألمانية "تقنن العنصرية"

24 مايو 2019
مخاوف من استهداف المهاجرين عبر تعديلات قانون الجنسية(فرانس برس)
+ الخط -
ترفض الباحثة الألمانية في مجال الحركات الإسلامية كاترين بينتزين بيرغ، تعديلات قانون الجنسية التي عملت عليها وزارة الداخلية ووافقت عليها الحكومة الألمانية في إبريل/نيسان الماضي، لأنها "توسع من نطاق قرارات سحب الجنسية الألمانية بداية من مواطنين يحملون جنسية ثانية وشاركوا في القتال إلى جانب التنظيمات المتطرفة في الخارج، وهو ما تفجر نتيجة مشكلة مقاتلي تنظيم "داعش" الألمان المحتجزين في العراق وسورية".

وتضيف بيرغ التي تعمل مستشارة في منظمة جيزيشت تسايغين لألمانيا منفتحة (مؤسسة غير حكومية للدفاع عن الأديان والأعراق) : "التعديلات التي انطلقت من إعادة صياغة الفقرة 28 من قانون الجنسية الألمانية، تجعل من هؤلاء يخرجون عن نطاق سيطرة الدولة بعد سحب جنسياتهم ليبقى مصيرهم وخطرهم المستقبلي مجهولا. ربما سيعودون ويتسربون بشكل غير شرعي إلى ألمانيا في ظل عدم خضوعهم للمحاكمة وقيام الدولة بدورها في ضبط الأمر".

ويقدرعدد الدواعش الألمان ممن جرى توقيفهم في سورية والعراق بـ 100 شخص، تم التعرف على 18 منهم من أصل 40 اعتقلتهم قوات سورية الديمقراطية عقب معارك في شمال سورية ومن بينهم 12 طفلاً وامرأة، وفق ما أعلنت عنه وزارة الداخلية عبر وكالة الأنباء الألمانية الاتحادية في بداية العام الجاري.

وتشير توقعات السلطات، إلى تواجد نحو 50 آخرين في مدينة إدلب شمالي سورية، من بين 1050 ألمانياً ذوي ميول إسلامية، سافروا إلى مناطق القتال في سورية والعراق منذ عام 2013، عاد ثلثهم مجدداً إلى ألمانيا، كما لقي ثلث آخر حتفهم بينما يعتقد أن الباقين لا يزالون في العراق وسورية ومنهم المحتجزون لدى القوات العراقية وقوات سورية الديمقراطية وفق إحصائية وزارة الداخلية الألمانية.


ثلاثة شروط

يتضمن مشروع تعديلات وزارة الداخلية ثلاثة شروط إشكالية وفق بيرغ، والتي ذكرتها قائلة:"أن يكون المنتمي لتنظيم الدولة يحمل جنسية ثانية حتى لا يصبح عديم الجنسية، وأن يكون بالغاً وألا يُطبق سحب الجنسية بأثر رجعي، بحيث يسري القانون الذي من المنتظر أن يصدر بهذا الخصوص في وقت قريب، فقط على الألمان الذين سيشاركون في معارك في المستقبل، وليس على الذين يقبعون في السجون".

وتابعت بيرغ: "ألمانيا دولة قانون وينبغي أن تتحمل المسؤولية تجاه مواطنيها حتى في خارج البلاد عندما يقومون بأفعال مدانة، سلسلة التطرف التي تكبر في ألمانيا لا يمكن إغفالها، يمكن أن يلعب العلاج النفسي والرقابة دوراً مهماً وأسباب التطرف مختلفة، وسحب الجنسية فقط من حاملي جنسيات أخرى يعتبر قراراً عنصرياً ويرسل إشارة سيئة تقول إنهم يعتبرون بالنسبة لألمانيا مواطنين درجة ثانية، على الرغم من أن هذا القرار ربما سيكون رادعا ومخيفا وقويا".

 


إشكالات قانونية

تبنى الائتلاف الحاكم في ألمانيا المكون من الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحليفه البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، قرار سحب جنسية منتسبي التنظيمات الإرهابية، ويتعارض قرار سحب الجنسية مع المادتين 1 و3 من الدستور الألماني (واللتين تتبنيان المبادئ العالمية الأساسية لحقوق الإنسان)، إذ تنصان على صون كرامة الإنسان والعدالة والمساواة بين المواطنين.

وتنص الفقرة الأولى من المادة 16 على أنه "لا يجوز سحب الجنسية من أي مواطن ألماني، ولا يُسمح بإسقاط الجنسية عن أي مواطن إلا بموجب قانون، ورغماً عن الشخص المتضرر، إلا إذا لم يصبح الشخص المتضرر جرّاء ذلك عديم الجنسية"، بحسب ما بدأ الخبير القانوني في اكتساب الجنسية الألمانية ستيفان توبياس إفادته به، مستدركا بأنه لا يزال يحق لحاملي الجنسية الألمانية، العودة إلى البلاد والوقوف أمام المحاكم، التي قد تقضي بدورها بخضوعهم لعمليات تأهيل نفسي ومراقبة في فترة العقاب، لكن الثغرة الأساسية في التعديل والقانون الحالي، أن من يفقد الجنسية الألمانية بإمكانه التقدم بطلب للإقامة في ألمانيا خلال مدة ستة أشهر عقب صدور قرار سحب الجنسية، اذا ما كان قد أقام خمس سنوات في ألمانيا.



أسباب مختلفة لفقد الجنسية الألمانية

خسر 2425 ألمانيا جنسيتهم خلال الفترة من عام 2002 حتى مطلع يناير/كانون الثاني من عام 2014، وفقا للفقرة 30 من قانون الجنسية الألمانية الذي يمنح الأطفال مكتسبي الجنسية حق اختيار الجنسية الألمانية المكتسبة، أو الجنسية الأصلية التي يحملها الطفل عن أبويه الأجنبيين، وفقا لآخر إحصائية حكومية حصلت عليها نائبة رئيس الكتلة النيابية لحزب اليسار في البرلمان الألماني سيفيم داغديليم، فيما خسر 300 مواطن ألماني من أصول مهاجرة الجنسية الألمانية منذ تعديلات سابقة لقانون الجنسية في عام 2009، بحسب إحصاء صادر عن وزارة الداخلية الاتحادية إذ ينص قانون الجنسية المعدل في فبراير/شباط عام 2009، على إمكانية سحب الجنسية من المتجنس خلال خمس سنوات بعد حصوله على الجنسية إذا كان التجنيس "ناتجاً من احتيال أو تهديد أو تقديم الرشوة أو إعطاء معلومات غير صحيحة أو غير كاملة عن قصد"، ووفق التعديلات الجديدة تسعى وزارة الداخلية إلى مد إمكانية سحب الجنسية من 5 إلى 10 سنوات كما توضح الباحثة بيرغ.

وتحدد المواد (30 و 31 و32 و33 و34) من قانون الجنسية الألمانية، فقدان الجنسية الألمانية وفق الحالات التالية: "فقدان الجنسية المكتسبة بالولادة لأطفال آبائهم يحملون جنسية أخرى، يعطى فيها الحق للأطفال بتقرير مصيرهم بعد إتمامهم سن 18 عاماً، وعندما يتقدم حامل الجنسية الألمانية بطلب للحصول على جنسية بلد آخر، باستثناء بلدان الاتحاد الأوروبي وسويسرا، وتسقط الجنسية الألمانية من مكتسبها إذا ما تم إثبات تزويره للحقائق والمعلومات التي اكتسب بموجبها الجنسية الألمانية، كما يعتبر الانتماء إلى مجموعة مسلحة خارج البلاد جرماً يفقد الشخص بموجبها الجنسية الألمانية".

وعن تصنيف المقاتلين الألمان إلى فئتي الألمان الأصليين وحاملي الجنسية المزدوجة في العقاب وفق نقاشات إقرار قانون سحب الجنسية من المنتمين إلى داعش من حاملي الجنسية المزدوجة قال بنيامين فروكاك مدير مبادرة مشروع تفعيل التزام المواطنة وعضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي: "يجب أن نسمي الأمور بمسمياتها، هذا تمييز عنصري، هؤلاء نشأوا في ألمانيا وتعلموا في مدارسها، يجب علينا أن نسأل أنفسنا هنا، لماذا حدت ذلك؟ إذا المشكلة تكمن في المجتمع الألماني الذي يحتوي أيضاً على حركات متطرفة يعتبر فيها داعش ظاهرة صغيرة. هناك أحزاب يمينية متطرفة تشكل الجزء الأكبر من الخطر في ألمانيا وأوروبا".


الخشية من عودة التوسع في سحب الجنسيات

إلى جانب الأسباب السابقة، يعتزم وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر فرض حظر على تجنيس الأجانب متعددي الزيجات، ضمن تعديلات قانون الجنسية بحلول الخريف المقبل، ما يلبي مطلباً آخر لمؤتمر وزراء الداخلية على مستوى الولايات، والذين يرون أن الاندماج في "الظروف الحياتية الألمانية" شرط للتجنيس.

وسُحبت الجنسية الألمانية بشكل ممنهج بداية من 14 يوليو/تموز 1933 (إبان الحقبة النازية)، إذ صدرت يومها قائمة ضمت 33 اسماً، مع استمرار النظام النازي بسحب الجنسية من معارضيه، ليتجاوز عدد الذين سحبت منهم الجنسية 39 ألفا، توزعوا على 259 قائمة نشرت في صحيفة دويتشلاند رايش الرسمية، وأعيد نشر تفاصيلها في كتاب سحب جنسية الألمان من 1933 وحتى 1945 الذي نشر عام 1985 للكاتب ميشيل هيب.

لكن الفقرة 2 من المادة 116، نصت على أن يستعيد المواطنون الألمان السابقون جنسياتهم وجنسيات أحفادهم، التي حرموا منها خلال الفترة من 30 يناير/كانون الثاني 1933 حتى 8 مايو/آيار 1945 لأسباب سياسية، أو عرقية، أو دينية، بناء على طلبهم. ولا يعتبر أبدا هؤلاء محرومين من جنسيتهم، إذا كانوا قد اتخذوا من ألمانيا مسكنًا لهم بعد 8 مايو/آيار 1945، ولم يصرحوا بأي رغبة مغايرة لذلك.

ويقول الصحافي دافيد شرافان، مؤسس مركز الأبحاث والاستقصاء الألماني كوريكتيف ومؤلف كتاب "الذئاب البيض" الذي يروي كواليس عمل مجموعة من المتطرفين اليمينيين، لـ"العربي الجديد":": "في الحقبة النازية تم استخدام هكذا قرار كوسيلة لإبعاد المواطنين الذين يرفضهم النظام، وهذا الأمر يجب ألا يتكرر مرة أخرى".

المحاكمة هي الحل

بحسب الفقرتين (أ) و(ب) من المادة 129 من قانون العقوبات الألماني، فإن كل من دعموا المتطرفين ورافقوهم في الخارج يحاسبون بعقوبة، وحتى زواج الألمانية من متطرف في الخارج يعتبر دعماً وجريمة وتحدد العقوبة بحسب الحالة، ولم تذكر المادتين عقوبة سحب الجنسية ضمن فقراتها، وبحسب فروكاك تكفي تلك المواد، لأن سحب الجنسيات يعني من وجهة نظره أن ألمانيا ستصدر المشكلة للدول الأخرى بهذا الشكل، موضحا لـ"العربي الجديد": "معظم هؤلاء الأشخاص هم ألمان، قضوا معظم حياتهم في ألمانيا وأصبحوا جزءاً منها، يجب أن يخضعوا لمحاكم داخل ألمانيا، أو ربما دولية تجري فيها المحاكمة بنزاهة وتكون عادلة، كالتي جرت في البوسنة. وعلى الاستخبارات الخارجية الألمانية جمع معلومات دقيقة من المكان الذي قاتل فيه هؤلا الأشخاص لتتمكن ألمانيا من محاكمتهم بعدالة".