بدون في أوروبا [2-4]... تشديد قوانين الجنسية وتسهيل التجريد منها في الدنمارك

20 مايو 2019
اليمين المتشدد ويمين الوسط يدعمان تسهيلات سحب الجنسية (Getty)
+ الخط -
جُرد العشريني الدنماركي آدم يوهانسن من جنسيته، بعد أن حكم عليه بالسجن أربع سنوات والطرد إلى تونس بلد والده، بعد إدانته بالالتحاق بتنظيم داعش في سورية وفق ما جاء في حيثيات قرار المحكمة العليا الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بالرغم من أن والدته دنماركية من جزر فارو، كما أنه متزوج من دنماركية ولديه أطفال منها، وهو ما سبق أن تكرر مع الدنماركي من أصل تركي إينيس سيفتسي، والذي جرد من جنسيته بحكم المحكمة العليا الصادر في مايو/أيار من عام 2018، بذات تهمة يوهانسن، (الالتحاق والقتال بصفوف داعش بين عامي 2013 و2014) مع ترحيل "أبدي"، رغم أن والده من مواليد الدنمارك، وأهله يقيمون فيها منذ عقود.

وإلى جانب يوهانسن وسيفتسي، رصد معد التحقيق عبر الأحكام القضائية تجريد 17 دنماركيا من الجنسية بموجب قانون الجنسية المعدل في عام 2002 بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2001 في أميركا وما أحدثته من تداعيات عالمية، وكذلك قانون 114 المتعلق بقضايا الإرهاب، ومن بينهم الدنماركي من أصل مغربي سام (سعيد) منصور، الذي قضى أربعة أعوام في السجون الدنماركية بتهمة الإرهاب، وجرد من الجنسية، كما سلم في 4 يناير/كانون الثاني 2019 إلى المغرب، حيث ما يزال معتقلا فيها، رغم تعهدات سابقة أنه لن يحاكم ويعتقل بتهمة الإرهاب في بلده الأصلي.


كيف يتم اكتساب وفقدان الجنسية؟

يشترط قانون الجنسية أن يقيم المهاجر تسع سنوات متواصلة في الدنمارك، وثماني سنوات للاجئ، أما المتزوجون من مواطنين دنماركيين ولديهم أطفال، فالمدة تصبح أقصر، بحسب الحالات. وبالإضافة إلى مدة الإقامة يشترط بأن يتقدم صاحب الطلب بشهادة ولاء والتزام بقوانين ومبادئ البلد، وأن يكون سجله الجنائي نظيفاً، ويعرض كل المخالفات القانونية التي ارتكبها قبل تقديمه الطلب، وأن يكون منخرطاً في سوق العمل ويجيد اللغة الدنماركية ويجتاز اختباراً من نحو 40 سؤالاً عن تاريخ وثقافة البلد، ويسمى "اختبار الجنسية".

ومرت عملية سحب الجنسية بمرحلتين أساسيتين الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، ونهاية احتلال الدنمارك عام 1945، إذ جرى ملاحقة الآلاف بتهمة "خيانة الوطن وارتكاب جرائم ضد استقلال وأمن المملكة الدنماركية"، لكن عقب هجمات سبتمبر/أيلول جرى تعديل قانون مكافحة الإرهاب بحيث أضيف إلى سحب الجنسية في حالة خرق الفصلين 12 و13 من قانون العقوبات الجنائي، والمتعلقين بالخيانة العظمى، تعديلات قانون مكافحة الإرهاب 114، وفقا للموقع الرسمي لـ"القوانين الدنماركية" وإفادة مكتب الجنسيات في وزارة الهجرة في كوبنهاغن.

ويدعو مشرعون دنماركيون إلى ضرورة تطبيق الفصلين 12 و13 من قانون العقوبات وقانوني الجنسية 8A، ومكافحة الإرهاب، على كل من شارك في صفوف تنظيم "داعش"، أو أظهر تأييده لتنظيم القاعدة في فترة سابقة.

وبحسب مؤيدي سحب الجنسية الدنماركية فإن "ما ينص عليه الفصل 12 من قانون العقوبات الجنائي ينطبق تماما على حالات المتطرفين الإسلاميين في الدنمارك، إلى جانب قانون مكافحة الإرهاب 114"، وهو ما تؤكده المحامية وعضو لجان التجنيس في كتلة يسار الوسط، ترينا أوسكرسن، التي قالت لـ"العربي الجديد" إن "الفصل 12 من قانون العقوبات الجنائي يؤكد سحب، أو منع الجنسية في حال ارتكاب الشخص لخيانة البلد وأقدم على جرائم ضد استقلال وأمن الدولة، وخصوصا في البند 98 من ذلك القانون".

ومنذ تشديد البرلمان لقوانين معاقبة من يشترك في القتال، أو دعم تنظيمات موصوفة بالإرهاب، جرت مقاضاة 13 شخصا، وجرد تسعة منهم من الجنسية الدنماركية بتهمة السفر إلى سورية والمشاركة في القتال بحسب قانون مكافحة الإرهاب، وفق ما أوضحه المحامي المتخصص في قوانين اللجوء والجنسية هليغر راتزر، مؤكدا أنه جرى ترحيل خمسة أشخاص منهم بصفة دائمة لحيازتهم جنسية مزدوجة. فيما يقيم الآخرون في الدنمارك بصفة إقامة محتملة (مجردون من حقوق المقيم والمواطن)، وينتظر نحو عشرة أشخاص، بتّ المحاكم في مصير جنسياتهم، في ظل منع آخرين من السفر واستخدام جواز السفر الدنماركي، وفقا للمصدر ذاته.

ورفضت وزارة الهجرة الدنماركية منح أبناء مواطنيها الجهاديين ممن ولدوا خارج البلاد الجنسية الدنماركية، وبحسب وزيرة الهجرة إنغر ستويبرغ فإنه: "لا يوجد سبب لأن يصيروا مواطنين دنماركيين بما أن آباءهم أداروا ظهورهم للدنمارك".

وتابعت في حوار لها في مع وكالة الأنباء الرسمية الدنماركية، "ريتزاو" في مايو/أيار 2018: "يجب منع منح الجنسية لمن يحرض كذلك على العنف ضد اليهود والمثليين، فالمسألة مبدئية، فإذا ما حرّض إمام على العنف أو قتل اليهود أو المثليين، أو ارتكب أشخاص العنف ضد الأطفال، بما فيها اعتداءات جنسية، فلا يجب السماح لهؤلاء بأن يكونوا دنماركيين".

وتحصي وزارة العدل وجود 40 مواطنا في مناطق النزاع المسلح، ترفض عودتهم، أو عودة أطفالهم الموجودين في معسكرات لجوء، بحسب ما ذكره وزير العدل الدنماركي سورن بابي بولسن في تصريحاته للتلفزيون الدنماركي، دي ار، في 27 مارس/آذار الماضي، قائلا: "كان الأفضل لو أن المقاتلين الأجانب (حاملي الجنسية الدنماركية) قتلوا في المعارك بسورية".

ويؤكد المحامي راتزر أن السلطات في كوبنهاغن ترغب بالقياس القانوني على قضية سام منصور، في ما يخص قضايا تجريد أشخاص من جنسياتهم، بترحيلهم إلى موطنهم، أو موطن الآباء، حتى من ولدوا وكبروا في البلد، وهو ما يتناقض مع الاتفاقية الأوروبية بشأن الجنسية لعام 1997، التي حملت في مضامينها واحدة من المبادئ الأساسية الأربع للأمم المتحدة في سبيل منع توسع حالات عديمي الجنسية، وخاصة ما ارتبط بحق الأطفال في الحصول على الجنسية بمجرد الولادة ما قد يمثل خرقاً للميثاق الدولي لحقوق الطفل الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1989 وفق ما أوضحته لـ"العربي الجديد" الباحثة الحقوقية إيفا ارسبول.


تسهيل التجريد الإداري

تضم القوى المؤيدة لسحب الجنسية خليط من أحزاب سياسية وتضم اليمين المتشدد ويمين الوسط، ومؤخرا انضم إليها يسار الوسط الاجتماعي الديمقراطي، وتوافق هذه القوى على تمرير تشريعي لتسهيل قانونية التجريد من الجنسية إدارية، وهو ما عبر عنه ممثلو وقادة تلك الأحزاب والكتل، أثناء مداولات البرلمان خلال العام الماضي، وكذلك في بداية العام الحالي والتي جرى خلالها مناقشة مقترح "تسهيل التجريد الإداري"، بدون إجراءات التقاضي أمام المحاكم، بحسب ما يظهر من وثائق تلك الجلسات المنشورة على الموقع الرسمي للبرلمان.

وتتطلب عملية التجريد من الجنسية حاليا تقديم الادعاء العام طلباً إلى المحكمة، مؤكدا أن يكون التجريد من الجنسية، والإبعاد عن البلد، مترافقا مع محاكمة للشخص على خرقه القوانين، بما فيها ارتكاب جرائم وجنايات عادية، كالانتظام في عصابة، أو عملية اعتداء جنسي وقتل، وليس بالضرورة خرق قوانين مكافحة الإرهاب، أو المحاكمة على تهمة الخيانة العظمى وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" الباحث الدنماركي في شؤون الهجرة والدمج، جون أوسترغورد.


مزيد من التشدد

يخشى المحامي راتزر، تزايد حالات تساهل المحاكم مع مطالب الادعاء بمنع الجنسية التي رصدها خلال الأعوام الماضية، إضافة إلى تجريد محكومين في قضايا جنائية وإرهاب من الجنسية الدنماركية، من دون الأخذ بالاعتبار إمكانية خرق حقوق الأشخاص بتحويل بعضهم إلى عديمي الجنسية.

وعقب إجراءات التقاضي في قضايا سحب الجنسية، يجري حجز جواز السفر لدى السلطات، وبعد انتهاء سبل الاستئناف يقرر القضاة ما إذا كان الشخص سيجري ترحيله إلى وطنه الأصلي حتى لو كان مواطنا بالولادة، أو سيتم الإبقاء عليه في البلد تحت الإقامة المحتملة بلا حقوق، وتزايدت أعداد من يقيمون بلا حقوق أساسية إذ كانت 18 حالة في عام 2012 لكنها وصلت إلى 75 شخصا حتى خريف العام المنصرم، وفق ما جاء في تقرير بثته وكالة ريتزاو، في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وإلى جانب أسباب سحب الجنسية السابقة، تبنى البرلمان الدنماركي، صيف العام الماضي، مقترح حزب "التحالف الليبرالي"، بحظر الحصول على الجنسية (المواطنة) وسحبها بمفعول رجعي على من يجرم بانتهاك حقوق الأطفال، بما فيها الاعتداء الجنسي عليهم أو من يسيء تربية الأطفال بالعقاب الجسدي، وفق ما أكدته، لاورا ليندال، مقترحة القانون ومقررة شؤون الجنسية في البرلمان، عن حزب التحالف الليبرالي والتي قالت لـ"العربي الجديد": "الجنسية امتياز يجب أن يتم العمل بجهد للوصول إليها، ولا يقبل أن يصبح دنماركيا من يمارس تلك الأفعال".

ويؤكد مؤيدو تشديد قوانين الجنسية وتسهيل التجريد منها على أنه لا يمكن القبول بتعهد شخص مهاجر بالالتزام بالدستور والقانون الدنماركيين وفي ذات الوقت يمارس العنف ضد أطفال، ويجبر القصر على الزواج، فلا يوجد قيم وأعراف تفرض التسامح مع هذا النوع من الجرائم، بل يجب طرد من يمارسها من البلد بغض النظر عن سنوات وطبيعة إقامته، كما يقول لـ"العربي الجديد" عضو قيادة حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد، سفيند أندرسن، الذي يعمل مع زملائه على رصد إجبار الفتيات على الختان وفرض قيم غير دنماركية بين المهاجرين، بحجة مكافحة "المجتمعات الموازية".