بداية العد العكسي للانتخابات الرئاسية الأميركية: شدّ الأحزمة لأزمة متوقعة

07 سبتمبر 2020
المعركة تجري هذه المرة بين أميركتين أكثر من متنافسين تقليديين (لوغان سيروس/فرانس برس)
+ الخط -

اليوم الإثنين عيد العمل في أميركا. عادةً، يبدأ بعده العد العكسي ليوم انتخاب الرئيس. المتبقي للموعد ابتداءً من الثلاثاء، 55 يوماً، لكن هذه الانتخابات قد لا تنتهي إلى الحسم بعد هذه المدة. بل هي مرجحة في ضوء المقدمات والمؤشرات، للدخول بعد 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في نفق مشكلة غير مسبوقة في تاريخ الرئاسة الأميركية. وثمة من يدعو الأميركيين منذ الآن إلى "شدّ الأحزمة" استعداداً للانتقال إلى وضع مشرعة أبوابه على شتى الاحتمالات.

فالمعركة التي تجري هذه المرة هي بين أميركتين أكثر مما هي بين متنافسين تقليديين، ديمقراطي وجمهوري. بين أميركا التنوع وبين أميركا الأصلية الصافية. ومن هنا وصفها بأنها انتخابات غير اعتيادية وفاصلة. كل طرف فيها يتصرف على أساس أنه لا يقوى على خسارتها، ويتهم الآخر بالسعي لـ"سرقتها". وزاد من الخشية أن الرئيس دونالد ترامب لم يلتزم سلفاً بما سينطق به صندوق الاقتراع. يقول إنه لا يسلّم بالنتائج قبل أن يراها! تعامل غير مألوف مع العملية الانتخابية، أثار مخاوف جدية من الوقوع في ورطة لو رفض الرئيس قبول الحصيلة. وكان في انتخابات 2016 قد قال إنه لا يعترف بالنتائج "إلا إذا جاءت لصالحنا".

يقول ترامب إنه لا يسلّم بالنتائج قبل أن يراها، وهذا تعامل غير مألوف مع العملية الانتخابية، أثار مخاوف جدية من الوقوع في ورطة لو رفض الرئيس قبول النتيجة

ثم تعقدت الأمور بسبب كورونا، عندما طُرح بديل التصويت بالبريد لتلافي هبوط الإقبال على المشاركة خوفاً من التجمعات أمام أقلام الاقتراع. لكن الرئيس ترامب سرعان ما اعترض على هذا الخيار، بذريعة أنه مفتوح على التزييف والتزوير، مع أن أفراد القوات المسلحة تعتمد هذه الطريقة في التصويت. كما أن كُثراً من الناخبين يمارسون حق التصويت بالتغيب عن التصويت المباشر. ولا يخفى أن قلة الإقبال عموماً تخدم الرئيس. قاعدته الانتخابية الصلبة عازمة بأكثريتها حسب الاستطلاعات، على التصويت المباشر بالرغم من مخاطر الوباء، في حين أن غالبية الديمقراطيين 72%، تحبذ الاقتراع بالبريد. وفي ذلك، وصفة لإشكالات ومنازعات لا أول ولا آخر لها، خصوصاً وأن لكلّ ولاية أنظمتها المتعلقة بعملية التصويت، سواء لتحديد المهلة المسبقة أو موعد وصول الأصوات. ثم هناك عملية الفرز والعدّ والتأكد من شرعية التصويت، مع ما قد يتبع ذلك من اعتراضات وطعون محكومة بأن تنتهي إلى المحاكم للبتّ في أمرها، وهي احتمالات يجري التمهيد لها من الآن، ولا بد أن يلجأ إليها الطرف الخاسر لإحاطة العملية بالشكوك وعلامات الاستفهام، ودمغ الفوز بفقدان شرعيته. وهذا سيناريو غير مستبعد في ظل الفارق البسيط بين ترامب وجو بايدن، والذي لا يوفر الفوز الكاسح لأحدهما، بحيث لا يعود معه للطعون ما يبررها.

فحتى الآن، احتفظ بايدن بتقدمه من دون هبوط وبفارق 6 نقاط أو أكثر بقليل. هامش مفتوح على المنازعات، إلّا إذا اتسع بعض الشيء خلال الأيام المقبلة، في ضوء ما جرى نبشه أخيراً ضد الرئيس، وأهمه ما سربته مصادر عسكرية – غالب الظن أنها من بين الجنرالات المتقاعدين الذين سبق وأن عملوا في إدارة ترامب – إلى مجلة "أتلانتيك" التي ذكرت أن الرئيس خلال زيارته لفرنسا في 2018 للاحتفال بذكرى الانتصار في الحرب العالمية الأولى، وصف الجنود الأميركيين الذين سقطوا فيها بعبارات من النوع المحرّم بالنسبة للمؤسسة العسكرية، مثل أنهم كانوا "فاشلين وأغبياء". طبعاً، سارع البيت الأبيض إلى النفي بشدة، وصنّف الرواية في خانة الأخبار المفبركة، لكن القصة استحضرت ما تسرّب عن لقاء للرئيس مع هيئة الأركان في مقر البنتاغون في مايو/أيار 2017، الذي خاطب فيه الجنرالات بعبارات مشابهة كما تردّد في حينه، مما أثار يومها تعليقاً حاداً من وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون، أدى بالنهاية إلى إقالته.

والمعروف أن القوات المسلحة يصوّت معظمها إجمالاً لصالح المرشح الجمهوري، وبالتالي فقد يتأثر هذا التوجه بعد رواية "أتلانتيك". وفي هذا المجال، نُشرت مقتطفات مسبقة من كتاب مايكل كوهين محامي الرئيس سابقاً، وحملت روايات مؤذية قد تفعل فعلها الانتخابي السلبي إذا ما أضيفت إلى ما جاء في كتاب ماري ترامب، ابنة شقيق الرئيس، التي روت قصصاً محرجة إذا كانت صحيحة، عن عمّها.

الرئيس ترامب يعاني من مشكلتين مكلفتين: الأولى أن هذه الانتخابات استفتاء حوله أكثر مما هي مفاضلة بينه وبين منافسه بايدن. والثانية، خراب كورونا الصحي والاقتصادي. وضيق الوقت لا يبدو أنه يسمح بالتصحيح ولا الاستدراك، إلا إذا وقع بايدن في غلط كبير، أو إذا عجز الديمقراطيون عن تحقيق عملية استنفار كبير للتصويت، وذلك في ضوء الخلافات الناشبة في صفوفهم بين الجناحين التقليدي و"التقدمي".

المساهمون