بايدن لن يتخلص من إرث ترامب بالكامل لو أصبح رئيساً

24 اغسطس 2020
جو بايدن.. المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية (Getty)
+ الخط -

عندما انتُخب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، عام 2016، شرع على الفور، وباستمتاع واضح، في محاولة هدم إرث السياسة الخارجية التي صاغها بعناية سلفه باراك أوباما، وتعاقبت أيام وشهور وسنوات، انسحب فيها ترامب من اتفاق تجاري مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ومن اتفاق عالمي للمناخ واتفاقية نووية مع إيران، وعملية تهدف لإنهاء عقود العداء مع كوبا.

صوب الزعيم الجمهوري سهامه دون مواربة لحلفاء الولايات المتحدة القدامى، من برلين إلى طوكيو، بينما كان يكيل الثناء لحكام مستبدين، من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.

وبعد أن امتدح الرئيس الصيني، شي جين بينج، أشعل فتيل معارك تجارية وكلامية مع بكين، أثارت مخاوف اندلاع حرب باردة جديدة أو حتى صراع عسكري.

ويقول دبلوماسيون سابقون كبار، في جميع أنحاء العالم، إن ترامب ألحق أضراراً بالغة بالثقة في القيادة الأميركية، وإن فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية، في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني، سيجعل عدداً كبيراً من عواصم العالم تتنفس الصعداء.

ويتوقع هؤلاء الدبلوماسيون إجراءً سريعاً من قبل إدارة ديمقراطية لاستعادة سياسات عهد أوباما، بدءاً باتفاق المناخ.

لكن على الرغم من مشاعر الاستياء التي فجرها ترامب وانتشرت على نطاق واسع، لن يتم التخلص من سياساته كلها، ولا يتوقع الحلفاء القدامى ولا الخصوم الاستراتيجيون تساهلاً كبيراً من بايدن، نائب الرئيس في عهد أوباما والسيناتور السابق لعقود وصاحب الخبرة والمتمرس بالسياسة الخارجية على مدار عشرات السنين، ولا يتوقعون كذلك تغيراً كبيراً في التوجه للداخل الذي تجسد في نهج ترامب "أميركا أولاً".

وقال جيرار أرو، سفير فرنسا السابق لدى واشنطن، "نحن بالفعل في مرحلة زمنية انتقالية لتحديد سياسة أميركية جديدة في سياسات القوة مع الصين وروسيا.. لذا (يمكن القول) إنه عالم جديد".

وأضاف "سيكون الرؤساء الأميركيون أشد التزاماً بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة، لا تريد الولايات المتحدة أن تكون شرطي العالم بعد الآن.. أعتقد أن أوباما وترامب أدركا ذلك".

في الوقت الذي أثارت فيه إدارة ترامب بعض الانزعاج بحدة هجماتها على الصين، في الآونة الأخيرة، بخصوص قضايا تتراوح بين فيروس كورونا والتجسس، فإن هناك اتفاقاً على نطاق واسع، بأنه لن يحدث تغير جوهري في ظل حكومة بايدن عندما يتعلق الأمر بالسياسة تجاه بكين.

في واقع الأمر، ورغم سعي ترامب إلى تصوير أوباما وبايدن على أنهما "متراخيان" مع الصين، فإن الإدارة السابقة كان موقفها أشد صرامة إزاء بكين من موقف ترامب في بادئ الأمر.

وقال مايكل بيلسبري، وهو مسؤول دفاعي أميركي سابق ومحلل في شؤون الصين وكان قد عمل مستشاراً لترامب، "في العامين الأخيرين من حكم أوباما، كانت لديهم استراتيجية جديدة إزاء الصين.. يعتقد كثيرون أن هذا من اختراع ترامب.. لا ليس كذلك".

وأشار إلى أن مستشاري بايدن، إيلي راتنر، كورت كامبل، بريان ماكيون، توني بلينكين، بوب وورك وآش كارتر قدموا تحليلات قاسية بخصوص الصين، واشتركوا جميعاً في توجسهم الشديد حيال تعزيز الوجود العسكري وأنشطة التجسس والممارسات التجارية.

ولمستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، بيتر ريكيتس، موقف من نهج ترامب إزاء الصين، إذ يراه مستحقاً لبعض الإشادة والتحذير أيضاً، وقال "لقد بلورت إدارة ترامب صورة القلق المتنامي إزاء أنشطة الصين، بما في ذلك زيادة الصرامة في سياستها الخارجية والقمع في الداخل".

وأضاف "استعداد ترامب للمضي قدماً ومواجهة ذلك، ومحاسبة الصين، كان هذا شيئاً إيجابياً، الخطر هو أنه يمكن الآن أن يذهب لأبعد مما يلزم ويدخل في حرب باردة شاملة معها".

وقال توم فليتشر، وهو مستشار السياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء بريطانيين سابقين، إنه لا يتوقع تغييرات كبيرة في السياسة مع الصين في ظل إدارة بايدن، وإن اختلف الأسلوب وأصبح أقل تشدداً.

وأوضح "لا أعتقد أن سياسة بايدن ستكون على بعد مليون ميل من سياسة ترامب تجاه الصين. لكن ستختلف اللغة، وسيكون هناك المزيد من الحكمة والاستراتيجية".

ويقول بعض المحللين إن تواصل ترامب غير المسبوق وغير الموفق حتى الآن مع كوريا الشمالية يمكن أن يكون لبنة بناء في المستقبل، ووصف بايدن دبلوماسية ترامب الشخصية بأنها "مشروع غرور" لم يكن ينبغي لها أن تحدث إلا من خلال استراتيجية تدفع عملية نزع السلاح النووي الكوري الشمالي إلى الأمام.

ضربة للمصداقية الأميركية

قال ديفيد أوسوليفان، سفير الاتحاد الأوروبي السابق في واشنطن، إن ترامب كان له "أثر مدمر للغاية" وسيستغرق الأمر وقتاً لإعادة بناء صورة أميركا ودورها القيادي، لكنه أعرب بوضوح عن مخاوف عميقة، يشعر بها الأميركيون بشأن مدى التدخلات الأميركية في الخارج، والإحساس بأن بعض الحلفاء لا يسهمون بنصيبهم.

وقال أوسوليفان "لن يذرفوا الدموع في أوروبا إذا خسر ترامب الانتخابات.. هذه الإدارة بلا كفاءة، بل إنها (إدارة) حمقاء بشكل واضح، وأقول بصراحة إنها تميل لاستعداء الحلفاء وبث مشاعر الارتياح لدى من كانوا يُعتبرون خصوماً في السابق.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ومضى قائلاً "بالمثل، لا أعتقد أن هناك من يعيش في وهم أن إدارة بايدن ستكون بشيراً بعصر ذهبي من التعاون الأوروبي الأميركي... ستبقى الخلافات، لكننا سنبدأ من نقطة الاحترام المتبادل".

(رويترز)