"الكاتالانية" لغة صغيرة وتحتاج إلى اهتمام خاص" يقول الشاعر الكاتلاني الشاب باو باديل (Pau Vadell)، في لقاء أُجري في مدينة بالنسيا وهي تضجّ بصخب التحضيرات لعيدها الأكبر "الفاييس".
منذ أن تقدّم المراهق المولود في جزيرة مايوركا (1984) وهو في السابعة عشرة إلى جائزة أدبية صغيرة في قريته عن قصيدة كتبها، والشعر هو المحرّك الذي يقود به حياته، أصدر 14 مجموعة شعرية وظل يكتب بالكاتالانية فقط.
عن ذلك يلفت في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن وضع الشعر المكتوب بهذه اللغة يمرّ بتجارب ذات خصوصية: "إذا فكّرنا في المشهد قبل أربعين عاماً، نتذكّر على الفور أنّ الكاتالانية كانت ممنوعة ومضطهدة، كتابةً ونُطقاً. وما زالت بعضٌ من أشكال هذا الاضطهاد سارية. في ذلك الحين، كانت دور النشر الكبيرة مهيمنة على الواقع الثقافي، وتختار أسماء بعينِها للنشر، فيما تتجاهل أخرى".
ويضيف: "لكن في السنوات الأخيرة، ترك القائمون على تلك الدوُر نشرَ الشعر، كمُعطى يحمل قيمة روحية، وذهبوا إلى قيَم السوق. تزامن هذا مع ولادة دور نشر صغيرة تضطلع بدورها الجديد، المختلف والفعّال في المشهد". في العموم، تظلّ الأعمال الجيّدة المكتوبة باللغة الكاتالانية محصورة في "غيتو"، وفقاً لتعبيره، لأنّ الدوُر الكبيرة تمتنع عن نشرها "بحجّة عدم الربح".
ورغم ما يبدو على باديل من حماس وحيوية، إلا أنه يجيب بالنفي حين نسأله عن "نهضة" في الشعر الكاتالاني؛ "كلا" يقول، ثم يردف: "قبل خمس سنوات حاولتُ ومجموعة من الكُتاب والشعراء الشباب، فأصدرنا أنطولوجيا للشعراء الجدد، ووقتها لفتَ ذلك انتباه الميديا والناس. بينما الآن لا توجد تيّارات أدبية تجمع الكتّاب، لذلك ذهبَ كلّ واحد منهم في طريق، وغدت الاهتمامات فردية".
قبل عامين تقريباً، أسّس باديل داراً صغيرة للنشر وسماها "أديّا". إنّه اسم شائع ومعاصر في قرية الشاعر، وهو مستمدّ من الأصل العربي "الضيعة". عن ذلك يقول: "كما ترى، أنا أحب لعبة مزج الكلمات هذه، وأشعر أن "أديّا" لا يجعل الناس يفكّرون في مكان مغلق. اسم يعطيني انطباعاً أندلسياً".
جاء تأسيس الدار كرد فعل على عزوف دور النشر الكبيرة عن نشر المجموعات الشعرية التي تصدر بالكاتالانية. ورغم حداثتها، عُرفت "أديّا" سريعاً بإصداراتها اللافتة إخراجيّاً، وانحيازها إلى الشعر. يقول: "دافعي هو الحب. فأنا أنظر إلى الكتابة كسلاح، ولا أعرف طريقة للمقاومة والدفاع عن اللغة غير الشعر. ثم إنني هامشيّ، فأنا أعيش في قرية أقصى جنوب الجزيرة، بعيداً عن "المركز". وخلال هذه السنوات، تعرّفت إلى كثير من الناس والأماكن بفضل الدار. إنها حبّة رملٍ أضفتها إلى جبل؛ هو الوفاء للشعر وللغتي الأُم، ولا أرى طريقة أخرى".
هذا الحماس لنشر الشعر الكاتالاني، جمع باديل مع مجموعة شعراء مايوركيين يقطنون برشلونة، أصدروا مجلّة شعرية باسم "بِل كابيل"، ويعني حرفياً الشَّعْرُ القُبّعة. الكلمتان هما شيئان يتعلّقان بالرأس؛ أي بالأفكار، يوضّح.
صدر من المجلة ثمانية عشر عدداً، ولكنها توقّفت العام الماضي، لأنّ كل فرد في المجموعة أصبح لديه مشروعه الخاص. يبين: "كانوا شباباً من مجالات ومشارب شتى: ممثّلين، مسرحيّين... إلخ. كانوا يكتبون، وكنّا نجول بقراءات شعرية ممسرحة، وأشياء من هذا القبيل".
أصدرت "أديّا"، حتى الآن، تسعة عناوين شعرية وآخرَ نثرياً، كما أن مجموعة الكتب الشعرية المنشورة أُدرجت تحت اسم "أوسُس دا سُول"، وهو مستوحى من قصيدة لشاعر كاتالانيّ هو أندريو بيدال (1959 – 1998) ـ ومعناه "العظام في الشمس".
يبدو أن باديل فكّر جدياً في أصغر التفاصيل، يوضّح "لأنه مشروعي الشخصيّ وحرصت أن يكون لكل شيء فيه معنى، حتى إنني كناشر أتعامل مع الشعراء بشكل نوعيّ ودقيق، أراجع كتاباتهم سطراً سطراً، وأخلّص النص من الزوائد إن وُجِدت. نجاح التجربة يأتي من قدرة أو مشاركة جميع المتعاونين معي. وعليه، نكون جميعنا شركاء في المشروع. وكلّ مَن نشرت لهم هم ضمن إحساسي كمجموعة وعائلة. إنه مشروع جمعي، وسأذكر لك مثالاً: مَن يصمّم موقع الدار على الشبكة واحد منّا... وهكذا".
في أول حفلة توقيع لأحد إصدارات الدار، كان باديل يُهدي فؤوساً للشعراء، ويضع الفأس كشعارٍ للدار. في نظره، "الفأس رمز الكدح اليدويّ. رمز شغل الأرض البطيء والمستمرّ نحو هدف ثابت. وهو يرمز في سياقنا إلى الشعر. أثق بالإنسان، رغم التعاسات، وأؤمن بقدرة العمل على التغيير. ومن هنا أنطلق".
هذا العام، يزور باديل فلسطين، لأول مرة: "لدى الشعب الفلسطيني قوّة إرادة وطاقة هائلة. لقد تلمّستها من قبل وقدّرتها في أعمال شعراء فلسطينيين، وأطمح إلى أن ينتقل إليّ شيء منها إن استطعتُ".