من الداخل، الماء التهم حدودَه. والبحر يتدلّى من النوافذ التي نشرّع في منتصف الليل ويبتلع الأقمار التي تغصّ في حلق الذئاب. من الداخل، الرمال تضيع خلف آثار الخطى. وريحٌ تسكنها فراشات جارحة تطعن بسكين الخبايا المستترة في أوشحة الرهبان. من الداخل، النار تصيّر المحاريث سيوفاً.
أعرف تماماً من أكون.
أصل. أحتضن الجدران. أكرّر بكاء خطواتي. أغتال الهواء النقي لأُسْكِتَ الغياب.
لديّ اسم. ولكن سمّني ما شئت حتى لا ننزلق في كلمات رثة.
أعترف بأنني أخفي أحلاماً تحت السرير وأراجعها في ليالي الأرق. أحبّ المطر الذي يكذّب السماء وينزلها فوق غابة صنوبر.
من وقت لآخر، آخذ الحياة رهينة وأطبّق عليها الأحكام العرفية؛ لكنّني أطالب الموت دائمًا بألا ينسى اسمي أبدًا.
لديّ تشابك بين المفاتيح الصامتة للمساء الذي يصنع لي سفينة تجرّ حطام سفنٍ مربوطًا بالصاري وتبحر في أحلامي.
أعرف تماما من أكون.
أنا جدراني وبابي وقفلي. والمفتاح قصيدة.
الخروج إلى الساحة. محاولة حجب الشمس باللسان. إغماض العينين للإحساس بفيرومونات فراشة في مرحلة التوالد. الاعتقاد بأنك لن تترك مقعدك المفضل أبدًا وأنك ستظلّ هناك، بينما يظلّ المقعد صغيراً، متحدياً الطغيان العمودي للكاتدرائية.
الخروج وحسب. دون ملاحظة أن الطيور تستسلم لسحر الجدران ودون إدراك أنها نسيت نكهة الفرع أو أنها أصبحت صامتة، لأن لا أحد يستمع أكثر من زمامير السيارات.
الخروج إلى الساحة وحسب. ليس سهلا يا كارلوس وأنت تعرف ذلك أفضل مني.
الساحة بلد بلا اسم،
أرض لا تنتمي لأحد
حيث الشيء الوحيد الخاص بك يذوب في الرمال.
ساعات الكاتدرائية تؤرجح أحلاماً رباعية
وتُنزف دواخلك
وتملأ نظرتك بالإبر
بحيث لا تنسى أبداً
اللون البني الداكن الحزين للصورة القديمة المتآكلة
التي تؤشر على صفحة القصيدة التي تحبّ.
الساحة
ملجأ للطيور المفقودة
التي تحلم أن تصير رجالاً،
لأن أجنحتها تؤلمها من فرط محاولة احتضان الموت
الذي يصل بالضبط
في الساعة الثالثة
لجمع القطع النقدية من النافورة.
أن تخرج إلى الساحة، أن تعثر على مقعدك،
أن تعلّق أبياتاً حول رقبتك
أو أن تعصب عينَي اسمك لتفقده في الجمهرة
وأن تجعله يفتقدك.
مثلما تفتقد أنت أحيانًا أن تكون لا أحد، جالساً على مقعدك في الساحة،
وأنت تطعم الطيور
بالقليل مما تترك لك الساعات.
* Néstor Ulloa شاعرٌ وكاتب وأستاذ جامعي من هندوراس، وُلد عام 1978 في مدينة كوماياغوا. درس الأدب في بلاده، قبل أن يُسافر إلى إسبانيا؛ حيثُ التحق بـ"جامعة سالامانكا" التي تخرّج منها بشهادة ماجستير في تخصّص الأدب الأميركي. من مجموعاته الشعرية: "شمس منتصف الليل" في 2003، و"مرايا كارلوس" في 2006، و"خلف العطش" في 2014.
** ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي