غطاء رأس أبيض، معقود بشريط من اللون ذاته، يطل من نافذة إحدى سيارات الأجرة، المتوقفة أمام مشرحة زينهم في القاهرة. يبدو صاحب الرأس، كما طفل تركته أمه، يخرج رأسه ليلفحه الهواء. وبعد التدقيق يتبيّن أنّ ما يظهر من نافذة السيارة، ليس إلا رأس كفن محمود نبيل، أحد ضحايا مجزرة الدفاع الجوي.
محمود مثل غيره من ضحايا المجزرة، لم تسعه السيارة الخاصة التي استأجرتها عائلته، لنقله إلى المقابر بعدما تخلّفت عربات نقل الموتى وسيارات الإسعاف عن واجبها في نقل الضحايا.
ساعات طويلة انتظرتها أم محمود، سيدة في العقد الرابع من عمرها، أمام "مشرحة زينهم"، تمنّي نفسها بكذب ما سمعته عن موت ابنها. جلست على الأرض، ولم تقو قدماها على حملها. جفّت الدموع من عينيها، وكلماتها تحولت إلى صراخ: "هزوه يمكن غايب عن الوعي، شوفوا يمكن لسه عايش".
لم تختلف ردود فعل الأهالي، الذين انتظروا طويلاً أمام المشرحة لتسلّم جثث أبنائهم. لم يتوقّف والد أحد الضحايا عن سؤال أصدقاء ابنه عن الجهة التي قتلته. لم يشأ تصديق إجاباتهم بأن "الداخلية" هي من قتلته، قبل أن يتسلّم تقرير الطب الشرعي، الذي برر مقتله بـ "اختناق". لم يجد حينها إلا أن يرفع يديه للسماء، وبالدعاء على الداخلية والنظام.
لم يقل بعض أهالي الضحايا الكثير. استسلموا لبكائهم وحزنهم، لكنّ والدة أحد الضحايا لم تتردّد في التوجّه إلى وسائل الإعلام قائلة: "كل الشعب اللي انتخبك يا سيسي، دلوقتي بيكرهك، بسبب الشباب والجيش اللي بيموت في كل حته"، متهمة "الداخلية" التي "أفسدت البلاد" بقتل ابنها، قبل أن تخاطب أصدقاء ابنها بالقول: "عاوزة حق ابني ولو مخدتوش حقو يبقى انتو مش رجالة".
في الجهة المقابلة، بدت والدة علي، أحد ضحايا مجزرة الدفاع الجوي، واثقة من ضياع حقّ ابنها:" محمد حقه هيضيع، زي اللي ماتوا من الأهلي"، في إشارة إلى ضحايا النادي الأهلي في فبراير/شباط 2012 في المباراة مع بورسعيد. وتضيف باكية: "ضاعت حقوقهم حتى اليوم ولن يستطيع أحد أن يرد الذين ماتوا".
يستعيد أحد شهود العيان، الذي فقد صديقه في المجزرة، ملخص ما حدث، معتبراً أنّ "القفص الحديدي الذي وضع خارج الملعب كان السبب الأكبر لسقوط ضحايا". ويقول: "ذهبنا لمشاهدة أول مباراة يُسمح للجماهير بحضورها وأكد مسؤولو النادي أنّ الدخول مجاني، ونحن اشترينا تذاكر من السوق السوداء بسعر 40 جنيهاً بدلاً من 20 جنيهاً (3 دولارات أميركية) وبالرغم من ذلك مات صديقي ولن أترك حقه".
تواجد حقوقي أمام المشرحة
أمام وداخل مشرحة زينهم، فجر أمس الاثنين تواجد الحقوقيان مالك عادلي وعمرو إمام، في محاولة لمساعدة أهالي الضحايا.
يقول عمرو إمام المحامي في مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان:"وفقا للمصادرداخل المشرحة وصل جثمان 19 شهيدا، شاهدنا منهم عشرة جثامين، بعضها تم تشريحه، يظهر عليها إزرقاق في الوجه وبعض الكدمات".
وتابع :" من المفترض أن يصدر الطب الشرعي تقرير مفصل، بعد الحصول علي عينات من الجثث، لتحديد سبب الوفاة".
من جهته، ينقل المحامي في مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، حليم حنيش، لـ"العربي الجديد"، المشاهد المأساوية من داخل غرفة التشريح. ويقول: "دخل أحد الشباب يبحث عن صديقه، ولم يعثر على اسمه في قائمة الأسماء، ليتبين له لاحقاً أنّ جثّة صديقه بين الجثث المجهولة الهويّة". ويضيف: "سرعان ما تحولت فرحة الشاب إلى حزن شديد، ليتصل بعائلة صديقة ويخبرهم نبأ وفاة ابنهم".
وفي السياق ذاته، يشدد الحقوقي مالك عادلي لـ "العربي الجديد"، على "وجوب أن ننتظر التقرير النهائي للطب الشرعي بعد تحليل العينات التي حصلوا عليها من الضحايا"، مشيراً بدوره إلى أنه "في بعض الجثث آثار تشريح في الصدر والرأس والبطن، ولا يوجد بها آثار واضحة لأعيرة نارية".
الفارق بين الاختناق العادي والغاز
طبياً، يفرّق كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعي الأسبق، الدكتور فخري صالح، بين الاختناق العادي والاختناق بالغاز، أو ما يسمى التسمّم بالغاز. ويقول لـ "العربي الجديد"، إنّ "كليهما يكون نتيجة قلة الأكسجين في الجسم وتراكم ثاني أكسيد الكربون ولكن لكل منهما أسبابه".
ويوضح أنّ " الاختناق الطبيعي يمكن أن يكون بسبب التدافع، بحيث يمنع أحد الأشخاص من حركة القفص الصدري، ما يمنعه من التنفس ويموت اختناقاً، أما التسمم بالغاز، فهو ناتج عن استنشاق كمية كبيرة من الغاز في مكان ضيق، ما يمنع وصول الأكسجين إلى الجسم". ويضيف: "مظاهر الاختناق تكون ازرقاقا في الشفتين وتحت الأظافر وظهور تغير في لون قرنية العين".
ويؤكد فخري أنّ "التسمم بالغاز صعب في مكان مفتوح، لكونه يحتاج إلى كمية كبيرة من الغاز". ويشير إلى أنّ "فترة الموت نتيجة نقص الأكسجين تختلف من شخص لآخر، فقابلية كل جسم وقدرته على المقاومة وتحمّل تراكم الأكسجين، ووجود أمراض سابقة، تحسم فترة بقائه على قيد الحياة ولكن في حالة وجود إسعافات، فإنّ الأمل بنجاته كبير".
محمود مثل غيره من ضحايا المجزرة، لم تسعه السيارة الخاصة التي استأجرتها عائلته، لنقله إلى المقابر بعدما تخلّفت عربات نقل الموتى وسيارات الإسعاف عن واجبها في نقل الضحايا.
ساعات طويلة انتظرتها أم محمود، سيدة في العقد الرابع من عمرها، أمام "مشرحة زينهم"، تمنّي نفسها بكذب ما سمعته عن موت ابنها. جلست على الأرض، ولم تقو قدماها على حملها. جفّت الدموع من عينيها، وكلماتها تحولت إلى صراخ: "هزوه يمكن غايب عن الوعي، شوفوا يمكن لسه عايش".
لم تختلف ردود فعل الأهالي، الذين انتظروا طويلاً أمام المشرحة لتسلّم جثث أبنائهم. لم يتوقّف والد أحد الضحايا عن سؤال أصدقاء ابنه عن الجهة التي قتلته. لم يشأ تصديق إجاباتهم بأن "الداخلية" هي من قتلته، قبل أن يتسلّم تقرير الطب الشرعي، الذي برر مقتله بـ "اختناق". لم يجد حينها إلا أن يرفع يديه للسماء، وبالدعاء على الداخلية والنظام.
لم يقل بعض أهالي الضحايا الكثير. استسلموا لبكائهم وحزنهم، لكنّ والدة أحد الضحايا لم تتردّد في التوجّه إلى وسائل الإعلام قائلة: "كل الشعب اللي انتخبك يا سيسي، دلوقتي بيكرهك، بسبب الشباب والجيش اللي بيموت في كل حته"، متهمة "الداخلية" التي "أفسدت البلاد" بقتل ابنها، قبل أن تخاطب أصدقاء ابنها بالقول: "عاوزة حق ابني ولو مخدتوش حقو يبقى انتو مش رجالة".
في الجهة المقابلة، بدت والدة علي، أحد ضحايا مجزرة الدفاع الجوي، واثقة من ضياع حقّ ابنها:" محمد حقه هيضيع، زي اللي ماتوا من الأهلي"، في إشارة إلى ضحايا النادي الأهلي في فبراير/شباط 2012 في المباراة مع بورسعيد. وتضيف باكية: "ضاعت حقوقهم حتى اليوم ولن يستطيع أحد أن يرد الذين ماتوا".
يستعيد أحد شهود العيان، الذي فقد صديقه في المجزرة، ملخص ما حدث، معتبراً أنّ "القفص الحديدي الذي وضع خارج الملعب كان السبب الأكبر لسقوط ضحايا". ويقول: "ذهبنا لمشاهدة أول مباراة يُسمح للجماهير بحضورها وأكد مسؤولو النادي أنّ الدخول مجاني، ونحن اشترينا تذاكر من السوق السوداء بسعر 40 جنيهاً بدلاً من 20 جنيهاً (3 دولارات أميركية) وبالرغم من ذلك مات صديقي ولن أترك حقه".
تواجد حقوقي أمام المشرحة
أمام وداخل مشرحة زينهم، فجر أمس الاثنين تواجد الحقوقيان مالك عادلي وعمرو إمام، في محاولة لمساعدة أهالي الضحايا.
يقول عمرو إمام المحامي في مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان:"وفقا للمصادرداخل المشرحة وصل جثمان 19 شهيدا، شاهدنا منهم عشرة جثامين، بعضها تم تشريحه، يظهر عليها إزرقاق في الوجه وبعض الكدمات".
من جهته، ينقل المحامي في مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، حليم حنيش، لـ"العربي الجديد"، المشاهد المأساوية من داخل غرفة التشريح. ويقول: "دخل أحد الشباب يبحث عن صديقه، ولم يعثر على اسمه في قائمة الأسماء، ليتبين له لاحقاً أنّ جثّة صديقه بين الجثث المجهولة الهويّة". ويضيف: "سرعان ما تحولت فرحة الشاب إلى حزن شديد، ليتصل بعائلة صديقة ويخبرهم نبأ وفاة ابنهم".
وفي السياق ذاته، يشدد الحقوقي مالك عادلي لـ "العربي الجديد"، على "وجوب أن ننتظر التقرير النهائي للطب الشرعي بعد تحليل العينات التي حصلوا عليها من الضحايا"، مشيراً بدوره إلى أنه "في بعض الجثث آثار تشريح في الصدر والرأس والبطن، ولا يوجد بها آثار واضحة لأعيرة نارية".
الفارق بين الاختناق العادي والغاز
طبياً، يفرّق كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعي الأسبق، الدكتور فخري صالح، بين الاختناق العادي والاختناق بالغاز، أو ما يسمى التسمّم بالغاز. ويقول لـ "العربي الجديد"، إنّ "كليهما يكون نتيجة قلة الأكسجين في الجسم وتراكم ثاني أكسيد الكربون ولكن لكل منهما أسبابه".
ويوضح أنّ " الاختناق الطبيعي يمكن أن يكون بسبب التدافع، بحيث يمنع أحد الأشخاص من حركة القفص الصدري، ما يمنعه من التنفس ويموت اختناقاً، أما التسمم بالغاز، فهو ناتج عن استنشاق كمية كبيرة من الغاز في مكان ضيق، ما يمنع وصول الأكسجين إلى الجسم". ويضيف: "مظاهر الاختناق تكون ازرقاقا في الشفتين وتحت الأظافر وظهور تغير في لون قرنية العين".
ويؤكد فخري أنّ "التسمم بالغاز صعب في مكان مفتوح، لكونه يحتاج إلى كمية كبيرة من الغاز". ويشير إلى أنّ "فترة الموت نتيجة نقص الأكسجين تختلف من شخص لآخر، فقابلية كل جسم وقدرته على المقاومة وتحمّل تراكم الأكسجين، ووجود أمراض سابقة، تحسم فترة بقائه على قيد الحياة ولكن في حالة وجود إسعافات، فإنّ الأمل بنجاته كبير".