باتت باكستان حالياً في صلب مرحلة حساسة ومهمة لأسباب عدة، ومنها علاقتها المباشرة بالاستراتيجية الأميركية التي توحي بأن باكستان تحوّلت من إحدى ضحايا الإرهاب إلى "داعم له"، في وقتٍ بوشر العمل في الولايات المتحدة على الاستعانة بالهند، منافسة باكستان في الإقليم، في جهود محاربة الإرهاب. كما تزداد الفجوة في إسلام آباد بين الجيش الباكستاني والحكومة المدنية إثر إقالة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، بحكم من المحكمة العليا.
في هذا السياق، كان متوقعاً بروز حراك في محاور عدة، بقيادة الجيش الباكستاني كلاعب رئيسي فيه، حسبما رأى كثر. ومن تلك المحاور: توحيد الجماعات الدينية، السياسية منها وغير السياسية، تمهيداً لأداء دور بارز مستقبلاً، تحديداً في حال تحوّلت السياسة الباكستانية إلى مسارٍ مناقض للسياسات الأميركية، علماً أن تلك الجماعات معروفة بمناهضة كل ما هو غربي.
وفي هذا الصدد، عُقد منذ أيام، ومن دون سابق إنذار، اجتماع في إسلام أباد لقادة الأحزاب الدينية، بهدف مناقشة مجريات الوضع في المنطقة، حسبما وصفه أحد علماء الدين، عضو البرلمان الباكستاني، كوهر شاد، بـ"المخططات الهندية اليهودية المشتركة ضد بلاده، خصوصاً في الفترة الحالية، لأن باكستان تمرّ بمرحلة حرجة وحساسة، وتواجه تحديات عدة داخلياً وخارجياً".
وأضاف أن "توحيد التيارات والجماعات الدينية ضروري حالياً، لأن المخططات ضد باكستان في تزايد"، مشيراً إلى أن "القوى العالمية تسعى باستخدام كل الوسائل وباستغلال الأجواء السائدة في المنطقة، لأجل إرباك الأمن في باكستان". وطالب شاد القوى السياسية الداخلية بأن "تدرك حساسية الموقف".
وشارك في الاجتماع المذكور قادة ثماني جماعات دينية مشهورة في باكستان، كـ"الجماعة الإسلامية" و"جمعية علماء الإسلام" و"جمعية أهل الحديث" والأحزاب الشيعية بتياراتها المختلفة. واتفقت الأحزاب الدينية على "المضي قدماً في العمل لتوحيد الصف بهدف أن يكون للجماعة الدينية موقف موحد إزاء ما يحدث في المنطقة وعلى وجه الخصوص ما تواجهه باكستان".
كما توصلت الأحزاب إلى تشكيل لجنة من ستة أعضاء بقيادة زعيم جمعية علماء الإسلام، المولوي فضل الرحمن، للعمل على مدى إمكانية إعادة "مجلس العمل الموحد" الذي شُكّل عام 2002 بعد دخول القوات الأميركية إلى أفغانستان. وترأس المجلس حينذاك الحكومة المحلية بإقليم خيبربختونخوا، لمدة خمسة أعوام.
ومعروف أن في باكستان خصوصاً وفي المنطقة عموماً، مكانة خاصة لرجال الدين والعلماء، لذا فإن لتوحيد الجماعات الدينية آثار كبيرة على المنطقة. لكن في الوقت الراهن بدا وكأن للمجلس العتيد هدف مناهضة الاستراتيجية الأميركية، العاملة على جعل باكستان "مؤيدة للإرهاب" بعد أن كانت هي نفسها ضحية له، وذلك في ظلّ خشية إسلام آباد من أن تكون هدفاً للضربات الأميركية. مع العلم أن الطائرات الأميركية شنّت يومي 17 و18 أكتوبر/تشرين الأول الحالي ست غارات على معاقل "شبكة حقاني، مما أدى إلى مقتل 31 مسلحاً، بينهم قياديون في الشبكة. وأغضب هذا الأمر إسلام أباد، فوصف وزير الخارجية خواجه أصف الغارات بـ"الانتهاك السافر للسيادة الباكستانية، والبلاد لن تتحمل ذلك"، لافتاً إلى أن "استهداف الأراضي الباكستانية سيؤثر سلباً على جهود المصالحة الأفغانية التي انطلقت قبل أيام في العاصمة العُمانية مسقط".
وعلى عكس باكستان، فإن أفغانستان اعتبرت بأن الحل هو "استهداف معاقل المسلحين على الأراضي الباكستانية". بالتالي، فإنه في خضمّ تلك التجاذبات والمتغيرات المتسارعة في المنطقة، أصبح للجماعات الدينية دور مهم في تغيير موازين القوة، لا سيما وأن أكثر من 13 ألف مدرسة دينية خاضعة لسيطرتها. وسبق أن أدت تلك المدارس دوراً ريادياً إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان (1979 ـ 1989). كما وفّرت العنصر البشري لحركة "طالبان"، وللجماعات المسلحة الناشطة في أفغانستان ضد الحكومة وضد القوات الدولية.
في سياق آخر، وبعد إصدار المحكمة قراراً بعزل رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، فتحت صفحة جديدة من الصراع بين الحكومة المدنية والمؤسسة العسكرية، لأن الزعم السائد، كان وما زال، هو أن المؤسسة العسكرية كانت من وراء كل ما واجهته الحكومة المدنية، وكان عزل نواز شريف من بينها.
خلال الأيام الأخيرة تفاقمت الحالة بين الجيش والحكومة المدنية مرة أخرى بسبب تصريحات وزير الداخلية الباكستاني أحسن إقبال، والتي طلب فيها من الجيش "تجنب التطرق إلى ملفات اقتصادية وتجارية للبلاد". ما أغضب الجيش بجانب استياء الأحزاب السياسية، فبعضها أيّد موقف الجيش، لأنه شكّل فرصة جيدة للنيل مما تفعله الحكومة.
وفي هذا الإطار، قال القيادي في حزب الشعب الباكستاني، رئيس المعارضة في البرلمان، خورشيد شاه، إن "تبادل التصريحات بين المؤسستين والموقف العدائي بينهما، ينذر بأن الفترة المقبلة هي فترة الصراع بين المؤسستين. ما قد يدفع البلاد صوب حكم دكتاتوري، وسيكون لذلك خطر كبير على البلاد". ودعا الطرفين إلى "الابتعاد عن أي موقف قد يجعل المؤسسة العسكرية في وجه الحكومة. وفي خضم هذه الأجواء سيتم استخدام كل القوى ضد الحزب الحاكم وضد كل من يقف في وجهه، والجماعات الدينية، خصوصاً بعد توحيدها، وستكون خير سند للجيش، وهذا ما حدث على مر التاريخ".