باسم صبري... بسمة الثورة وصبرها

01 مايو 2014
باسم صبري
+ الخط -

مات رفيق الدرب، مات شريك الميدان، تركنا وسطر اسمه في دفتر الراحلين، مات باسم صبري، ففجع الجميع من القوى السياسية المصرية مساء أمس الثلاثاء.

على الرغم من أن دفتر القتلى والموتى في مصر لم يكتف بعد بمن دُوّن من اسماء، إلا أن موت باسم صبري الناشط السياسي المعروف والكاتب الصحافي نجح في ما فشل فيه الأحياء، حيث جمَع الفرقاء في نعيه وعزائه بالضبط كما فعلت أسماء البلتاجي التي قتلت في فض اعتصام رابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس/آب الماضي.

إنه الثائر الذي تحولت مواقع التواصل طوال يوم امس إلى سرادق عزاء فتحت دفاتر التوقيع فكتب الجميع عنه وإليه، وربما على انفسهم وعلى الثورة التي شاركوا في صنعها جميعاً ثم فرَقتهم السبل. وكانت عبارة "تذكروا أنه أنقى ثائر" الأكثر وضوحاً وتعبييراً عن التوافق الجمعي على شخصية باسم بينما قال عنه الكاتب أحمد خالد توفيق "الموت يختار ببراعة.. يختار الأفضل والأنبل والأشجع".

سألتني صديقة تعجبت من حجم المحبة التي أغدقها الجميع من كل أطياف المشهد السياسي المصري عالى الراحل: من هذا الباسم الذي وحّد المصريين أمس؟ فقلت لها لعله الموت الذي ابتسم له وهو يغلق عينيه وجعله علامة على إمكانية الحلم بأن نتوحد مرة أخرى.

وقلت لها إن باسم الذي لم يتجاوز االثانية والثلاثين من عمره انضم منذ منذ 7 سنوات مضت الى القلة التي أسهمت في صنع حالة من الحراك السياسي في مصر.

انطلقت شهرته مع الفضاء الإلكتروني، فأصبح اسماً معروفاً علي موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" كما كان ضمن المؤسسين لحركة المدونات في مصر، التي أسهمت في تشكيل وعي الآلاف من الشباب وخرج من رحمها العديد من الحركات السياسية في ما بعد، فكانت مدونته تحمل مسمى "مواطن عربي" وتسعى الى زيادة المواطن العربي بقضايا بلاده وأمته.

صبرى ربما لم يكن معروفاً للعامة من الشعب المصري لرفضه الظهور في ثوب الثائر الفضائي الذي يستوطن الشاشات ويروج بضاعة أتلفها الهوى النفسي والسياسي فقد كان الراحل يحب أن يعمل في صمت ويتمتع بحياء يعلي من صمته ويزيد من انتاجه.

كذلك نعاه حمدين صباحي حيث كان مسؤول الاتصال السياسي في حملته الانتخابية، كما نعاه نشطاء يساريون وليبراليون واسلاميون حيث تجاوز هاتش تاج نعيه الآلاف من رسائل التعازي.

وكانت كلمات صحيفة الجارديان في نعي باسم صبري حيث قالت إنه صوت من أصوات 25 يناير ظهر على الساحة خلال الثورات العربية عام 2011، وكان له العديد من المنافذ الإعلامية المحلية والعالمية.

وأضافت الجارديان أن "صبري" أسهم فى وضع استراتيجية حزب الدستور الليبرالي، الذي أسسه الدكتور "محمد البرادعي". ثم تخلى - بحسب الجارديان - عن كل شيء بسبب حالة الاستقطاب السياسي، ففاز باحترام مختلف ألوان الطيف السياسى لمبادئه ونزاهته ورؤيته التحليلية الثاقبة.

لجأ صبري الى الصمت السياسي بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز الماضي، بينما ظل لسان حال ثورة تسرق. حيث كان حاضراً في العديد من المحافل الدولية متحدثاً عن إخفاقات المرحلة الانتقالية.

اختارصبري أن يعبِّر عن تمرده علي حكم مبارك الديكتاتوري، باللغة الإنجليزية التي يجدها، فكان اسمه ضمن عدد من الأسماء التي كان يعتمد عليها المحللون الأجانب فى تقاريرهم عن مصر ومثل باسم شباب الثوري في العديد من المحافل الدولية متحدثاً عن حقوق الإنسان في مصر قبل الثورة وبعدها، كما كانت مدونته "مواطن عربي " مرجعا للعديد من المراكز البحثية الأوروبية، وهذا ما دفع صحيفة الجارديان البريطانية إلى وصفه بــ"صوت الثورة المصرية".

في مقال له نشر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحت عنوان "أبلوثيريا" قال باسم صبري "تعلمت أن الموت أنواع، وأن بعض البشر يختار أن يموت، بينما قلبه لا يزال ينبض، وعينه ترى وجسده يتحرك ولسانه ينطق. هؤلاء يسيرون بيننا ويبدون أحياء، وهم - على أفضل تقدير - في غيبوبة. بعضهم يمكنه أن يستيقظ إذا قرر أن يكسر خوفه من الحياة، وإذا أراد أن يدرك أن الخوف من الفشل - أو من الاعتراف بالحقيقة ثم تقبلها والتغير على أساسها تباعاً، كليهما - أسوأ من الفشل ذاته. إلا أنني أدركت أيضاً أن البعض يحتاج إلى صاعقة من الخارج لتفيقهم، وأحياناً هذه الصاعقة لا بد أن تكون أنت، كما أنني تعلمت أن البكاء ليس عيباً".

كانت آخر مواقف باسم رفض عقوبة الإعدام الجماعي التي صدرت بحق قيادات وأعضاء بالإخوان المسلمين، على الرغم من اختلافه السياسي المعلن معهم، ورفضه لأدائهم في الحكم.

وقال باسم ابن المنتج السينمائي المعروف فاروق صبري، في تغريدة له قبل يومين من رحيله المفاجئ والغامض "أريد ألا يظلم إنسان ظلماً بيّناً لا رجعة فيه وأريد لأنهار الدماء أن تقف وألا يظلم أويصاب او يموت بريء".

موت باسم لم يمر مرور الكرام، لأنه حمل علامات استفهام كبرى لسقوطه من الدور العاشر في مبنى قيد الإنشاء بجامعة الدول العربية حيث ادعت الداخلية أنه أصيب بغيبوبة سكر أدّت إلى سقوطه من شرفة البيت، بينما شكّك أصدقائه وأسرته في سبب الوفاة خصوصاً أنه لم يعان من مرض السكري من قبل.

وهذا التشكيك يحمل خشية أن يكون هناك سبب سياسي وراء موت باسم، وهذا ما دفع النيابة إلى أن تأمر بتشريح جثمانه.. لكن هل سيتحول موت صبري إلى لغز مثل ألغاز مقتل سعاد حسني وأشرف مروان وغيرهم من الذين أطاحتهم شرفات الى بوبات الآخرة في ظروف غامضة؟

رحيل صبري نجح في إخراج الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور عن صمته الطويل حيث نعاه قائلا: "أسأل كل شباب الثورة الدعاء لرفيق درب وإنسان نبيل فقدناه، وداعاً باسم صبرى"، وكشف أن باسم كان أحد من ساهموا في كتابة رؤية حزب الدستور.

يقول المثل العربي الشهير: لكل اسم من مسماه نصيب، وباسم صبري يحمل نصيبين من بسمة الصبر التي يعيش عليها المصريون كقوت يومي يعينهم على تحمل ما لا يتحمله بشر، لكنها لم تكن بسمة الرضا وإلا لما اختطفها الموت الذي يسرق البسمة دائماً ويترك لنا وللثورة الصبر.

المساهمون