باب الجابية ممنوع على النساء

13 يناير 2018
كان في الحي ماخور فُتح في العهد التّركي(العربي الجديد)
+ الخط -
تتميّز قسنطينة، 500 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، عن بقية المدن الجزائرية بكونها مدينة مبنية فوق صخرة عملاقة، ممّا فرض عليها الاتصال بأطرافها عبر جسور شاهقة، ومنها عُرفت بمدينة الجسور المعلّقة.

أشهر هذه الجسور جسر باب القنطرة الذي بُني في العهد العثماني عام 1792، واستبدله الفرنسيون عام 1863. وجسر سيّدي راشد بعلوّ 105 أمتار وطول 447 متراً وعرض 12 متراً ويحمله 27 قوساً. وجسر سيدي مسيد الذي أنجزه الفرنسيون عام 1912 بعلوّ 175 متراً وطول 175 متراً وعادة ما يلجأ إليه اليائسون للانتحار.


غير أنّ ما يخفى على الأجانب عن المدينة وجود شارع يُمنع دخولُهُ على النّساء، أجنبيات كنّ أم محلّيات. فهو حكر على الرّجال فقط. يقع جنوب المدينة القديمة المسمّاة "السّويقة" تصغيراً لكلمة "سوق" أو ما يعرف محلّياً بـ"رحبة الجمال" أي ساحة الإبل، تحديداً عند أحد أقدم أبواب المدينة المسمّى "باب الجابية".

يقول الكاتب والباحث المتخصّص في التّاريخ الثّقافي لمدينة قسنطينة رشيد فيلالي لـ"العربي الجديد"، في معرض تأصيله لمنع الشّارع على النّساء، إنّ الحيّ كان يتوفّر على ماخور فُتح في العهد التّركي، قبل دخول الاحتلال الفرنسي للمدينة عام 1837، "وهو فضاء يتكوّن من شقق عديدة كانت بها مجموعات من النّساء والفتيات من أعمار متباينة تخلّين عن حياتهن العادية وسط أسرهن لأسباب أغلبها قاهرة، واخترن ممارسة الدّعارة". ويضيف: "عمل الاستعمار الفرنسي على تقنين هذه الممارسة وفق ضوابط قانونية فضلاً عن إخضاع الفتيات لجملة من الإجراءات الأمنية والصّحية والمهنية، إذ لم يكن يحقّ لأيٍّ منهنّ الخروج عنها أو تجاوزها".

ظلّ ماخور "باب الجابية"، يقول محدّث "العربي الجديد"، ينشط لعشرات السنين على نحو عادي جدّاً، غير أن نساء المدينة لا يجتزن الشّارع المؤدي إليه حتى “لا يتهمن في شرفهنّ”. "لقد كبرن على أنه من العيب ذكر اسم الشارع على ألسنتهنّ إلا خلال جلساتهنّ الضّيّقة، فكيف بدخوله! بل إنّ سكّان الضّواحي من الرّجال والشّباب كانوا يخفون زياراتهم إلى قسنطينة، حتى لا يقال عنهم إنّهم زاروها بنيّة دخول الماخور".

في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، مع صعود شعبية "الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، تمّ جمع لوائح موقعة من طرف عدد كبير من السّكان، للمطالبة بغلق "باب الجابية" وقد تمّ ذلك فعلاً. "سُرّحت العاملات والمقيمات به. فمنهنّ من حوّلن إلى بيت الدّعارة في محافظة سكيكدة المجاورة، وظلّ عدد قليل منهنّ يمارسن مهنتهن في الخفاء بعيداً عن الأنظار، وقد استفادت ستّ نساء، مؤخّراً، من سكنات اجتماعية في المدينة الجديدة".

في الوقت الرّاهن، تهدم الشّطر الأكبر من "باب الجابية"، وبقيت بيوت قليلة منه غير مأهولة. مع ذلك، فإنّ شبهة المكان ظلّت قائمة، وتدفع النّساء إلى أن يتجنّبن المرور عبره. تقول شفيقة، 24 عاماً لـ"العربي الجديد" إنّ الأمر يحتاج إلى سنوات كثيرة حتى يتخلّص المكان من صورته السّابقة، "لقد سهوت مرّة، فدخلت الشّارع وإذا بعشرات الشّباب ينبّهونني إلى وجوب الخروج فوراً، وهو ما يحدث عادة مع السّائحات الأجنبيات".
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المنع التّاريخيّ أدّى بنساء المدينة إلى أن يتخذن من "شارع فرنسا" القريب من المكان شارعاً خاصّاً بهنّ من غير منعه عن الرّجال.




دلالات
المساهمون