كادت إحدى وعشرون قصيدة غير منشورة، وربما أكثر، للشاعر التشيلي بابلو نيرودا (1904 – 1973) أن تبقى متوارية في إحدى خزائن "مؤسسة بابلو نيرودا" في سنتياغو (التشيلي).
خزنة تتضمن أيضاً كتابات نثرية وخطابات ومحاضرات مكتوبة ما بين العامين 1956 و1972، وحوارات خاصة وملفات ودفاتر ومخطوطات ونصوصاً مطبوعة على الآلة الكاتبة لمجمل أعماله؛ كانت ستبقى بدورها مجهولة لولا الكشف عنها مؤخراً، وعن القصائد المذكورة أعلاه، من قبل المؤسسة التي حصلت عليها عام 1987، بعد موت زوجته ماتيلدي أورُّوتيا التي حرصت، خلال عدة سنوات، على ترتيبها ونسخها وتصويرها ومراجعة ما نشر منها وما لم ينشر.
تقارب قصائد نيرودا غير المنشورة موضوعات مختلفة، كالحب والأيروسية والطبيعة والوطن؛ وتتراوح بين نصوص قصيرة وأخرى طويلة قد تمتد إلى تسع صفحات.
قصائد منثورة على مدى عقد لا نعرف حتى الآن لماذا لم تنشر في حينها، علماً أنها كُتبت في مرحلة كان الشاعر قد بلغ نضجاً كبيراً؛ بيد أنها سترى النور بفضل دار "سايكس بارال" في برشلونه التي أعلنت عن نشرها أواخر عام 2014 في أميركا اللاتينية، وبدايات 2015 في إسبانيا، تحت عنوان "قصائد غير منشورة".
تضيء هذه القصائد مناطق مختلفة من عالم نيرودا وتزيدها اتساعاً. وفيها تظهر مخيلته الواسعة والفريدة، ومشاعره العاطفية والإيروسية، إضافة إلى تفاصيل صغيرة من الحياة اليومية استحالت قصائد.
لم يغادر نيرودا أبداً جانب الحب في متاهاته المتشابكة والمجهولة، تماماً كالقصائد التي كتبها منذ ثلاثة أو أربعة عقود، بعد أن عرفه العالم عام 1924 بـ"عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة".
نلمس في تلك القصائد شوق الشاعر إلى بلده تشيلي وزوجته وحب حياته، ماتيلدي أوروتيا، التي كان قد تعرَّف إليها بعد انفصاله عن زوجته الثانية. ورغم سنوات النفي والمعارضة السياسية الشديدة التي تبنَّاها، إلَّا أنَّ الحب يبقى رفيقه وملجأه ومصدر إلهامه في سنوات المنفى.
قيمة هذه القصائد حملت المسؤول عن مكتبة "مؤسسة بابلو نيرودا"، داريو أوسيس، على التصريح بأن نيرودا "شاعر لا ينضب، يسمح دوماً بقراءات جديدة، مثل الشعراء الكلاسيكيين". ومنذ حزيران/ يونيو 2011 وهو يتصفح المخطوطات التي كتبها نيرودا بخطه الكبير أو على الآلة الكاتبة وضمّنها ملاحظات بخط يده.
سيكون محبّو الشاعر على موعد مع قصائد جديدة له، كما وعدت "مؤسسة نيرودا" ومديرة دار "سايكس بارال"، إلينا راميرس، التي قالت عن هذه النصوص: "اكتشاف كبير، ليس فقط لأنها غير منشورة، بل نظراً إلى جودتها العالية".
وهذه ليست المرة الأولى التي يُنشر لنيرودا قصائد بعد مماته، فقبل ذلك صدر كتاب "النهر غير المرئي" (1980) الذي يتضمن قصائد ونصوصاً نثرية من فترة شبابه؛ و"دفاتر تيموكو" (1996)؛ و"قصائد المراهقة" التي أصدرتها أيضاً "سايكس بارال".
سيصادف نشر الكتاب الذكرى 111 لميلاد نيرودا. وهنا واحدة من قصائده:
أرخي ردفك النقي
كي يمتد قوس السهام الرطب
في ليل البتلات التي تُشكّلك
تصعد ساقيك الصلصاليتين، تصعد الصمت وسلالمه الواضحة
درجة درجة،
تطير معي في الحلم
فأشعر أنك تتسلقين شجرة ظليلة تغني في الفيء
ليل العالم مظلم بدونك
يا حبيبتي
وبالكاد ألمح الأصل، بالكاد أفهم اللغة
وبصعوبة أفكك أوراق شجر الكينا.
توفي بابلو نيرودا عام 1973 بعد أيام قليلة من الانقلاب العسكري في تشيلي. ومن المعروف أنه واصل مسيرة الحداثة اللاتينية التي بدأها الشاعر النيكاراغوي روبن داريو في أواخر القرن التاسع عشر.