لا يخلو شارع أو مفترق طرق في قطاع غزة، إلا وبه عدد من بائعي الذرة، ومن مختلف الأعمار سواء الأطفال أو الشباب، أملاً في الحصول على بعض المال لهم ولعوائلهم في موسم الصيف.
ومع اقتراب ساعات العصر من كل يوم، تبدأ رحلة جديدة من رحلات جني الرزق لبائعي الذرة المتجولين الذين يجوبون شوارعها وأزقة مخيماتها، مروراً بشاطئ بحرها، الذي يضج بالمصطافين الغزيين في هذه الأوقات.
ويجلس الطفل الغزي، محمد أبوحجر، رفقة أخيه الأصغر على قارعة شارع الكورنيش البحري في غزة، وهما يهمان بإشعال بعض الأخشاب والأوراق، التي يجمعانها من الشارع، كي تبقي (الذرة المسلوقة) محتفظة بحرارتها، ولإعداد المزيد حال نفادها.
ويقول الطفل أبوحجر (15عاماً) لـ"العربي الجديد"، إنه يخرج كل يوم عصراً مع أخيه حتى ساعات الليل المتأخرة، من أجل بيع الذرة للمصطافين على شاطئ البحر، لكي يتحصلوا على بعض الأموال كمصروفٍ خاص بهما، في ظل عدم تمكن والدهم من توفيره لهما.
وكان والد الطفلين أبوحجر يعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنذ بداية انتفاضة الأقصى في عام 2000 توقف هو وآلاف الفلسطينيين عن العمل هناك، وفقدوا مصدر دخلهم.
ويضيف محمد: "يومياً أقوم وأخي في ساعات الصباح الباكر بشراء الذرة من السوق وتنظيفها، وجلب الأوراق، كي نقوم بلفها للمشترين، ما يضطرنا في بعض الأحيان إلى شراء الأوراق والصحف القديمة من أجل ذلك".
ويشير إلى أنّ بدايته كانت قبل عامين، حيث استغل الإجازة الصيفية، كي يوفر المصروف له ولأخيه الصغير، وتحضيراً لاستقبال عام دراسي جديد يحتاج فيه بعض الملابس الخاصة بالمدرسة أو بعض احتياجات المنزل الأساسية.
اقرأ أيضاً: الصيف يوفّر وظائف موسمية لعاطلي غزة
ويوضح أنّ الكثيرين ممن هم في عمره أصبحوا يستغلون الإجازة الصيفية للعمل في غزة، من أجل توفير بعض المال الزهيد، سواء كمصروف لهم أو لعوائلهم، في ظل الواقع الاقتصادي السيئ في غزة وعدم وجود فرص عمل.
ويشير إلى أن أسرته المكونة من 9 أفراد تعتمد بشكل أساسي على بعض المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية في القطاع، كالأونروا وغيرها من المؤسسات التي تعمل في غزة.
ويقول أبوحجر: "لا يخلو أي شارع من وجود بائعين أو ثلاثة على الأقل يقومون ببيع الذرة، حيث أصبح بيعها وسيلة لكسب المال، في ظل اشتداد الحصار على غزة، وعدم دفع الرواتب بشكل منتظم للموظفين". ويتحصل أبوحجر وشقيقه يومياً على 40 شيكلاً (10.4 دولارات) ربحاً من بيع الذرة.
وتبلغ نسبة الفقر في قطاع غزة نحو 80%، عدا عن أن متوسط دخل الفرد دولار واحد فقط يومياً، بحسب إحصائية اللجنة الشعبية لكسر الحصار.
أما الشاب محمد سالم (21 عاماً)، فيقف على باب منزله بشكل يومي إلى الشرق من مدينة غزة، يبيع الذرة المسلوقة والمشوية، واعتاد على ذلك منذ عدة أعوام، بسبب عدم تمكنه من الحصول على عمل، رغم إنهائه الدراسة في مجال صيانة الكهرباء وتمديداتها.
ويقول سالم لـ"العربي الجديد"، إنّ موسم بيع الذرة يشتد مع فصل الصيف، بفعل الموسم الزراعي المخصص لها، مشيراً إلى أنه يستغل الإجازة الصيفية للمدارس والجامعات لبيع الذرة، خصوصاً لفئة الأطفال التي تقوم بشرائها بشكل يومي منه.
ويضيف الشاب العشريني، أنّ بيع الذرة في غزة موسمي فقط، يحقق من خلاله بعض الدخل والمصروف اليومي الخاص به، في ظل عدم وجود فرص عمل كافية في القطاع الذي يتعرض لحصار إسرائيلي منذ تسع سنوات، وتضييق مصري متزايد منذ أكثر من عامين.
ويبين سالم أنه يقتصر مجال بيعه على محيط سكنه الذي يضج بالمواطنين، وهو الأمر الذي يؤمن له بعض المال طيلة فترة الصيف، مشيراً إلى أنه يحصل نحو خمسة دولارات يومياً من البيع، وهو راضٍ عنها في الوقت الحالي، ويأمل في المزيد مستقبلاً.
ويقدر عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة بنحو 220 ألفاً، وفق إحصائيات نقابة العمال الفلسطينيين، إذ تتجاوز نسبة البطالة في القطاع 55% من إجمالي القادرين على العمل. وتبلغ معدلات الفقر في قطاع غزة، وفقاً لإحصائية أعدتها اللجنة الشعبية لكسر الحصار نحو 80%.
ويعاني قطاع غزة من حصار الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو 8 أعوام، فضلا عن إغلاق النظام الحالي في مصر معبر رفح الحدودي.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، التابع لمنظمة الأمم المتحدة "أوتشا"، قد ذكر في تقرير له مطلع يونيو/حزيران الجاري، أن السلطات المصرية فتحت معبر رفح لمدة 5 أيام فقط، في الثلث الأول من العام الجاري (من يناير/كانون الثاني إلى نهاية أبريل/نيسان).
وأشار المكتب إلى "فرض السلطات المصرية بدءا من يونيو/حزيران 2013 قيودا شديدة في سياق عدم الاستقرار السياسي والعمليات العسكرية في شمال سيناء".
اقرأ أيضاً: بائع شاي غزة..يحمل شهادتي بكالوريوس في التكنولوجيا والتربية