انهيار الخدمات... الكوليرا يدمر الاقتصاد اليمني

07 يوليو 2017
اليمنيون يواجهون الأزمات والأمراض (فرانس برس)
+ الخط -
تسببت الحرب في انهيار الخدمات وتدمير البنية التحتية الهشة في اليمن الذي ابتلي بالكثير من النكبات.

وبعد عامين من الحرب، يواجه البلد الفقير أزمة صحية مع تفشي وباء الكوليرا الذي أودى بأكثر من ألف شخص مستهدفاً المناطق التي تفتقر للمياه النظيفة والطعام والمأوى، مستفيداً من التدهور الاقتصادي العام الذي نتج عنه انعدام الأمن الغذائي وتدهور الأحوال المعيشية للأسر، وظهور المجاعة في مناطق مختلفة من البلاد. 

وتعيش غالبية السكان بلا كهرباء، ولا تحصل على مياه نظيفة صالحة للشرب، وأدى ذلك إلى انتشار الأوبئة ومنها الكوليرا التي تجتاح البلاد في الأثناء، لكن حتى قبل الحرب التي اندلعت نهاية مارس/آذار 2015، لم يكن اليمن يوماً يمتلك بنية تحتية متطورة ولا نظاماً صحياً، وربما يعد واحداً من أسوأ البلدان في ما يتعلق بشبكة المياه والصرف الصحي.

وقد بات الوباء خارج السيطرة ويتفشى بشكل مخيف في جميع محافظات البلاد، مع تجاوز عدد الحالات المشتبه بها 246 ألف حالة وارتفاع عدد ضحايا الكوليرا في اليمن إلى 1500 حالة وفاة في أقل من شهرين، بحسب بيان لمنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة صدر قبل يومين.

لا نفقات للصحة
يتذيل اليمن الدول العربية في الإنفاق الصحي الذي لا يتجاوز 80 دولاراً في السنة للفرد الواحد، وفقاً لتقرير متخصص صدر عن البنك الدولي عام 2014.

واعتمد الرئيس اليمني المعزول، علي عبد الله صالح خلال سنوات حكمه الـ 33، سياسة مالية تقوم على تسخير معظم موارد الدولة لصالح الإنفاق العسكري، وزيادة أعداد القوات المنتسبة للجيش إلى أن تجاوز عددها 600 ألف شخص.

وقال رئيس قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط اليمنية عبد المجيد البطلي، إن الإنفاق العام يعتبر الأداة العملية التي تترجم جدية الحكومات في تحقيق أهداف خطط واستراتيجيات التنمية الوطنية.

وأكد البطلي لـ "العربي الجديد": "في ظل الحرب تم تعليق نفقات الموازنة العامة بما في ذلك رواتب الموظفين، لكن الإنفاق على التغذية لم يكن موجوداً ضمن أولويات الحكومات المتعاقبة".

وأشار إلى وجود برنامج للتغذية الصحية في الموازنة العامة بهدف خفض انتشار سوء التغذية وبتمويل خارجي كلياً، إلا أن النفقات السنوية ضئيلة حيث بلغت 1.3 مليار ريال (5.3 ملايين دولار) في المتوسط خلال الفترة بين 2015-2009.

وأوضح أن النفقات الصحية كمثال أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط خلال الفترة الماضية، بينما يتطلب تحقيق هدف توفير الصحة للجميع إنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وزارت "العربي الجديد" مركز آزال الطبي شرق العاصمة اليمنية وهو واحد من خمسة مراكز خصصتها السلطات لاستقبال حالات الكوليرا، وبدا الوضع كارثياً ويلخص حالة الفقر التي تضرب اليمنيين، وحال الخدمات التي تعرضت للانهيار، عشرات المرضى يفترشون الأرض ولا يجدون المساعدة، ويموتون بصمت.

يفتقر المركز لأبسط مستلزمات النظافة ولا يقدم أية خدمات، ويشتري المرضى وهم من الفئات الأشد فقراً، المحاليل والعلاجات من صيدليات خاصة مجاورة، فالمركز لا يوفر الأدوية رغم الإعلان المتكرر من منظمات دولية عن تقديم أدوية لمواجهة حالات الكوليرا باليمن.

البنية التحتية
افتقدت العاصمة اليمنية إلى شبكة للصرف الصحي حتى العام 2006، عندما تم تنفيذ مرحلة أولى بدعم من المانحين. وأُعلن في عام 2013 عن مرحلة ثانية لم تكتمل بسبب الحرب، ما يساهم في انتشار الأمراض والأوبئة. وكان المانحون يرفضون دعم شبكة الصرف الصحي في صنعاء دون إنجاز محطة معالجة وهي التي تم إنجازها عام 2012.

وحصلت الحكومة اليمنية التي تشكلت عقب الثورة الشعبية ضد نظام علي عبد الله صالح، على قرض من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي ومقره الكويت بمبلغ 54 مليون دولار، لتمويل مشروع شبكة الصرف بمدينة صنعاء، وهو مشروع كان متوقعاً إنجازه عام 2016 ولم يتم ذلك بسبب الحرب.

ولا تمتلك العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن) حيث مقر الحكومة، شبكة حديثة للصرف الصحي، وتغرق الأحياء السكنية في مياه المجاري منذ إبريل/نيسان الماضي.

الفقر القاتل
يقول خبراء الاقتصاد إن تدني المستوى الاقتصادي والفقر يتسبب في ظهور حالات سوء التغذية وضعف المناعة كما يؤدي إلى نقص في موارد الأسرة لتوفير مياه صحية وصرف نموذجي والاهتمام بالتغذية.

وأكد أحمد الخولاني، مرافق لابنته المصابة، أن الفقر وعدم امتلاكه المال دفعاه إلى مركز حكومي اعتقد أنه مجاني لكنه صدم بأن المركز لا يقدم أية خدمات والعلاجات والمحاليل المطلوبة تشتريها من صيدليات مجاورة، وقد اضطر إلى رهن تلفونه لدى الصيدلية مقابل شراء جرعة الدوكسيسايكلين وعلبة الفحص وإبرة القيء.

وقال الخولاني لـ "العربي الجديد": "أعمل موظفاً حكومياً وقد كانت حياتي جيدة قبل أن تنقلب رأساً على عقب بسبب الحرب وخاصة منذ توقف الرواتب في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. أصبحت عاجزاً عن إعالة أولادي الخمسة وأعتمد على اقتراض المال من شقيقي المغترب لدفع الإيجار، ولا أستطيع توفير أكل نظيف ومياه صالحة للشرب. نشرب من مياه الآبار التي نشتريها بأسعار مرتفعة ويقولون إنها ملوثة".


المجاعة تغذي الكوليرا
يعاني اليمن أزمة في السيولة النقدية ساهمت في تفاقم انعدام الغذاء على نحو غير مسبوق، مع ظهور مجاعة في مناطق الساحل الغربي للبلاد التي تشهد حرباً مستمرة منذ مارس/آذار 2015 بين الحكومة المدعومة من تحالف عربي بقيادة السعودية وجماعة الحوثيين المسلحة المتحالفين مع الرئيس المعزول علي عبد الله صالح.

وتسببت الحرب في أزمة غذاء. ويحتاج 18.8 مليون من مجموع 28 مليون شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة، بينما يعيش نحو سبعة ملايين شخص على حافة المجاعة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وأكدت منظّمة الصحة العالمية في بيان الأسبوع الماضي، أن نقص السيولة النقدية وانقطاع مصادر الرزق يمنعان اليمنيين من الحصول على الخدمات الصحية التي يحتاجونها.