ورأى البعض في الخطاب، الذي تطرق إلى الأزمة السياسية في البلاد والتجاذبات الحزبية داخل حزب "نداء تونس"، شجاعةً وصراحة، خاصة أنه سمّى الأشياء بأسمائها، في حين ذهب آخرون إلى اعتبار مضمون الخطاب مجرد تصفية حسابات شخصية لا تعني التونسيين كثيراً وتحضيرات للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال المتحدث باسم "الحزب الجمهوري"، عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحزب سبق أن حذّر من الأزمة السياسية الخطيرة التي تمرّ بها تونس، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لافتاً إلى أن الشاهد أكد بدوره أن البلاد تعيش أزمة حكم.
واعتبر الشابي أن تعليق العمل بـ"وثيقة قرطاج الثانية" وخطاب الشاهد، يؤكدان "السقوط المدوي لمنظومة الحكم في تونس، والتي ظلت طيلة أربع سنوات تراكم الفشل تلو الآخر، بل خلقت في تونس أزمة سياسية كانت في غنى عنها"، مضيفاً أن رئيس الحكومة لم يبح بكل الحقائق في خطابه أمس الأول، بل ذكر جزءاً منها، وجلّها جاء متأخراً، ومنه أن أزمة "نداء تونس" انعكست سلباً على الحكومة.
وبين المتحدث الرسمي باسم "الحزب الجمهوري" أن الشاهد "قبل بهذا الوضع وخضع لضغوطات نداء تونس، وتحديداً ضغوطات السبسي الابن، والقيادات المحيطة به، ومنها مثلاً إقصاء الجمهوري من حكومة الوحدة الوطنية"، مشيراً الى أنه "تمّ تنبيه رئيس الحكومة حينها إلى أن التنازلات التي تبدأ لا تنتهي"، ومذكراً كذلك بأن الشاهد "شارك في الحملة الانتخابية للنداء وكأنه يحاول الاستنجاد بحزبه خلافاً لما يقتضيه مركزه كرئيس حكومة".
ورأى الشابي أن تصريحات الشاهد "صحيحة في ما يتعلق بمحاولات التموقع السياسي في أفق 2019"، وأن جلّ المعارك الحالية هي "لكسب الانتخابات، حتى لو كان ذلك على حساب تونس"، مبيناً أنه بعد وضوح الأمور، فإن حزبه يطالب اليوم السلطة التنفيذية برأسيها، أي رئيسي الحكومة والجمهورية، بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، والتفرغ لمهامهما وتنقية المناخ السياسي وتجنيب تونس مثل هذه الصراعات على الحكم.
من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم "حراك تونس الإرادة"، عماد الدايمي، أن الشاهد تجاوز التحفظ المطلوب منه "وتصرف وكأنه شق من شقوق نداء تونس"، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الشاهد نقل بخطابه المعركة الحزبية إلى كل التونسيين، وحوّل معركة كسر العظام من داخل الحزب إلى مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أن الأخير "استخدم مرفقاً عاماً ليصفي حسابات شخصية داخل حزبه، كما أن الخطاب لا يخلو من مناورات سياسية".
ورأى الدايمي أنه تمّ إدخال تونس في مرحلة أكثر حدة مليئة بالمعارك السياسية، خاصة أن هذا الخطاب يأتي بعد تعليق العمل بـ"وثيقة قرطاج الثانية"، وهذا التعليق يعتبر نهاية طبيعية لمسار مواز كان خارج الدستور وتمّ تشويهه بالمطامع السياسية والتحضيرات المبكرة لانتخابات 2019.
ولفت إلى أن حزبه دعا المنظمات الوطنية إلى الانسحاب من "وثيقة قرطاج" لأنها بنيت على مسار غير عقلاني، كما أن هذه الخلافات والتطاحن تؤكد لامسؤولية الطبقة الحاكمة في تونس.
بدوره، أكد الأمين العام لـ"الاتحاد العام التونسي للشغل"، نور الدين الطبوبي، أن الأزمة سياسية بامتياز ولا علاقة لها بالاستحقاقات الوطنية والاجتماعية التي تنتظرها فئات واسعة من الشعب، بل إنها مرتبطة بتقسيم المواقع والنفوذ والمحطات السياسية المقبلة.
وقال الطبوبي، في كلمة نشرها على الصفحة الرسمية لـ"الاتحاد": "ننأى بأنفسنا عن سياسة المخاتلة والكر والفر، ونعتبر في المقابل أن وضع البلاد يتطلب الصراحة المسؤولة بعيداً عن المحاباة والمجاملة"، مضيفا أن الاتحاد "في حِلّ من كل ارتباط، وهو جاهز منذ فترة لجميع السيناريوهات بفضل معرفته الدقيقة بطبيعة الساحة السياسية التونسية، وأن العودة إلى الوراء لن تقع إلا في خيال أصحابها".
أما الأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي، فبيّن في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الشاهد أشار إلى أن الوضع المزري والنتائج الصعبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لا تتحمل مسؤوليتها حكومته وحدها، محملاً المسؤولية أيضاً إلى ابن الرئيس، حافظ قائد السبسي، ولكنها في الحقيقة، بنظر المغزاوي، مسؤولية مشتركة.
واعتبر أن الأزمة ليست متعلقة بأداء الشاهد أو السبسي الابن فقط، بل بالائتلاف الحكومي ككل، مبيناً أن الشاهد أراد بخطابه الدفاع عن حكومته.
وأشار إلى انّه كان يتوجب على الشاهد التوجه مباشرة إلى حزبه وطرح هذه المسائل أمامه، مبيناً أن الصراع الحقيقي يتمحور حول من يترشح في 2019، الباجي أم الشاهد أم السبسي الابن، ومن سيصفي الآخرين ليكسب الموقع في الانتخابات.
وأخيراً، رأى النائب عن "حركة النهضة"، أسامة الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه كان لا بد أن يتحدث رئيس الحكومة في ظل الأزمة الراهنة، إذ إنه ومنذ أسابيع، يجري الحديث عن بقاء الحكومة أو مغادرتها، لذا أصبح ضرورياً مخاطبة التونسيين.
وأضاف الصغير أنه في ما يتعلق بالرسائل التي وجهها الشاهد حول الإصلاح في البلاد، فهي نقطة إيجابية، خاصة أن رئيس الحكومة شدد على ضرورة المضي قدماً في الإصلاحات التي وردت في "وثيقة قرطاج الثانية"، مشيراً إلى أن الوثيقة تضمنت عملاً جدياً وتوافقاً حول الإصلاحات رغم الأزمة الحاصلة والنقطة الخلافية.
وبين أن "حركة النهضة" ترى أنه لا بد من الذهاب في النقاط المضمونية لوثيقة قرطاج الثانية، مشيراً إلى موقف الحركة وهو "البرنامج قبل الأشخاص"، لافتاً إلى أنه "إذا كان رئيس الحكومة ماضٍ في التفاعل إيجاباً مع الإصلاحات التي تمّ الاتفاق عليها، فهذا أمر جيد، رغم أن الحوار لم يشمل الحكومة ولكن الشاهد عبّر عن رغبته في البناء والإصلاح".
وفي ما يتعلق بالصراع الداخلي في "نداء تونس"، شدد الصغير على موقف الحركة، وهو عدم التدخل في الصراعات الداخلية للأحزاب، خاصة أن الخلافات تقع في أي حزب، معرباً عن أمل "النهضة" في أن تتم معالجة الإشكالات في أقرب وقت، لأن ذلك يدعم الاستقرار لتوفير مناخ سياسي طيب.
وعند اتصال "العربي الجديد" بأحد النواب في "نداء تونس"، أشار إلى وجود تنبيهات من الكتلة بعدم تقديم أي تصريحات حول خطاب الشاهد إلا بعد انعقاد اجتماع للحزب وصدور بيان موحد في هذا الشأن.