بالتزامن مع بدء القوات العراقية والإيرانية مناورات عسكرية مشتركة على الحدود مع إقليم كردستان تسببت بإغلاق منفذين رئيسيين بين الإقليم وإيران، عقد رئيس الإقليم مسعود البارزاني سلسلة اجتماعات موسعة مع قيادات قوات البشمركة في كركوك وبلدات أخرى خارج الإقليم تسيطر عليها تلك القوات منذ نحو ثلاث سنوات. كما عقد اجتماعات مماثلة مع قيادات أمنية في قوات الأسايش (الأمن الداخلي للإقليم)، في وقت أكد فيه مسؤولون عراقيون في بغداد رفض الحكومة طلباً من مسؤول غربي بتنسيق لقاء بين ممثلين عن حكومة بغداد وأربيل للاتفاق على أهم النقاط التي يجب بحثها، واشترطت إلغاء الاستفتاء ونتائجه قبل أي حديث عن حوار مشترك.
وأكد المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، لـ"العربي الجديد"، أن "الموقف الرسمي للحكومة هو عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء"، مشدداً على ضرورة "أن يكون أي حوار أو مباحثات ضمن الدستور العراقي ولا اعتراف بالاستفتاء الذي أجرته حكومة كردستان"، بحسب قوله. في غضون ذلك، بدأ البارزاني جولة هي الأولى له منذ تنظيم الاستفتاء في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ وصل إلى كركوك وعقد سلسلة اجتماعات مع قيادات في قوات البشمركة والأسايش، فضلاً عن اجتماعه مع قيادات في حزب "الاتحاد الوطني" ومع محافظ كركوك، نجم الدين كريم، قبل أن ينتقل للقاء وحدات البشمركة المرابطة في مناطق متنازع عليها قرب كركوك، وهو ما اعتبر رسالة رفض مباشرة لقرار بغداد باستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها بين الجانبين. وأوضح مصدر كردي حضر الاجتماعات، أنّ "البارزاني أكد ضرورة الحذر من أي محاولات لزعزعة أمن المحافظة"، مشدداً على أنّ "أمن كركوك من الأساسيات التي يجب الحفاظ عليها". وأشار إلى أنّ "على القادة الأمنيين أن يقوموا بواجباتهم الأمنية على أكمل وجه، وأن يوفروا الحماية اللازمة لأهالي المحافظة كافة من كل القوميات والطوائف من دون أي تمييز، وهذا هو واجبهم". من جهته، أكد محافظ كركوك المقال، نجم الدين كريم، أنّ "الحوار هو السبيل الوحيد لحل المشاكل في ظل تصاعد التوتر بين بغداد وأربيل على خلفية الاستفتاء". وقال كريم، خلال اجتماع له مع رؤساء الدوائر الخدمية، إنّ "الاستفتاء جرى بشكل جيد وسلس، وإنّ أهالي كركوك كانوا أحراراً بتصويتهم، وأثبتوا أنّهم متعايشون ومتحابون وأنّ كركوك هي مدينة للجميع". وأضاف كريم أنّ "أبوابنا مفتوحة للحوار مع بغداد لبحث أي موضوع"، مشيرا الى أنّ "مصير كركوك أو رسم حدود كردستان لا يقررها الاستفتاء، والحوار هو الطريق الوحيد لحل المشاكل".
وقال عضو "التحالف الكردستاني"، حمة أمين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "جولة البارزاني ذات طابع سياسي وتأكيد على تمسكه بكركوك وعدم الانسحاب منها". وبيّن أن "انسحاب الأكراد من كركوك والمناطق الأخرى غير وارد بالمطلق كما أن تراجع بغداد عن مطلبها يبدو مستحيلاً لذا يمكن القول إننا أمام مشكلة كبيرة قد لا ينفع معها أي حديث عن تجنيب الأزمة أي عمل مسلح واعتماد الحوار"، وفق تعبيره. وأكد أن "تدخل أممي في الأزمة صار ضرورياً قبل أن تتطور بشكل سيئ للغاية". ووصف المناورات الإيرانية مع القوات العراقية واستعراضهم على حدود الإقليم بأنها "رسالة تهديد واضحة".
وعلى صعيد متصل، لم تفلح الجهات السياسية العراقية المطالبة بإقالة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم من منصبه، على خلفية إجراء استفتاء إقليم كردستان، إذ إنّ الخلاف بشأن تسلم نائبه الأول نوري المالكي للمنصب أفشل تلك المحاولات. وقال مسؤول سياسي مطلع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الكتل السياسية التي تحاول إقالة معصوم وجمع تواقيع لتقديمها إلى البرلمان، لم تفلح حتى الآن في جهودها". وكشف المصدر أنّ "خشية كتلة التيار الصدري من تسلم المالكي المنصب كونه نائبا أول لرئيس الجمهورية، دفعتها للوقوف بوجه هذه المحاولات". وأوضح أنّ "نواب التيار رفضوا التوقيع على طلب الإقالة، ووافقهم في ذلك عدد من نواب الكتل الأخرى من تحالف القوى والتحالف الوطني، ما أفشل جهود الحصول على تواقيع غالبية البرلمانيين".
مناورات عراقية-إيرانية
في هذا السياق، أعلن مسؤول في محور سنجار غرب الموصل، الذي تسيطر القوات الكردية عليه، ويدعى العقيد بركات أمين هورامي، لـ"العربي الجديد"، أن "مسألة تسليم هذه المناطق للقوات العراقية الاتحادية يجب أن يكون بأمر من أربيل وليس من بغداد". وأضاف أن البشمركة لا تأخذ أوامرها من بغداد بأي حال".
وقررت حكومة إقليم كردستان تغيير اسم المجلس الأعلى للاستفتاء الذي شكلته قبل عدة أشهر إلى اسم جديد مع صلاحيات إضافية وهو "المجلس القيادي السياسي الكردستاني"، وفقاً لوسائل إعلام كردية مقربة من البارزاني. وهذا ما اعتبرته بغداد استفزازاً جديداً، إذ أعلن القيادي بالتحالف العراقي الحاكم، جاسم محمد جعفر، أن الاسم الجديد يندرج في خانة تصعيد الأزمة. وقال إن "تغيير اسم المجلس الأعلى للاستفتاء إلى القيادة السياسية لكردستان ما هو إلا تصعيد وكأنه مجلس ثورة وقيادة عسكرية وهذا التصعيد ليس له مبرر"، وفق تأكيده. وأضاف أنه "في جميع الأحوال فإن الإجراءات مستمرة والاستفتاء باطل وأي قضية نعود فيها إلى المحكمة الاتحادية وهي الفيصل بيننا وبين من ذهب إلى الاستفتاء"، على حد تعبيره.