انعكس نجاح قادة الكتلة الأوروبية في إجازة حزمة إنقاذ لمحاصرة جائحة كورونا تفوق ترليوني دولار سريعا على البورصات والعملة الأوروبية، ومن المتوقع أن تساهم الحزمة في عودة المستثمرين لشراء السندات السيادية لدول الكتلة، والرهان مجدداً على عملة اليورو التي ارتفعت أمس الثلاثاء لأعلى مستوياتها أمام الدولار.
كما ارتفعت كذلك الأسهم الأوروبية، إذ سجل مؤشر "ستوكس 600"، الذي يقيس أداء الأسهم الكبرى في البورصات الأوروبية، أعلى مستوى منذ مارس/ آذار الماضي، وسط تفاؤل بعودة النمو الاقتصادي القوي للقارة بعد الاتفاق التاريخي.
ويفتح الاتفاق الباب أمام صناديق المال الأجنبية للاستثمار في السندات الأوروبية التي عانت خلال الشهور الأخيرة بسبب جائحة كورونا وتعد من الأدوات الرئيسية في تمويل العجز بميزانيات دول الكتلة الأوروبية.
وكان تلكؤ قادة دول الاتحاد في الاتفاق على خطة ضخمة لمواجهة التحديات الاقتصادية قد دفع المستثمرين للهروب من سندات دول الجنوب الأوروبي الضعيفة خلال الشهور الماضية. ويتوقع محللون أن تمنح هذه الحزمة الأوروبية الضخمة دفعة قوية ليس فقط للنمو الاقتصادي في الدول الـ27 في الكتلة الأوروبية ولكن كذلك للنمو العالمي، إذ إن حجم اقتصاد الكتلة الأوروبية يعد الثاني بعد الولايات المتحدة ويقدر بنحو 18.23 تريليون دولار في العام الماضي 2019.
وبلغ حجم خطة التحفيز التي أقرها قادة أوروبا 1.8 ترليون يورو (نحو 2.06 تريليون دولار)، موزعة ما بين 750 مليار يورو من أجل مساعدة الدول المتضررة من كورونا على التعافي، وموازنة مقبلة ستشمل المبادرات في الفترة بين عامي 2021 وحتى 2027، ستبلغ قيمتها 1.074 تريليون يورو. ويرى اقتصاديون أن الاتفاق سيرفع المعنويات الاستثمارية والقوة الشرائية بعد فترة من المخاوف التي انتابت المستثمرين بشأن مستقبل منطقة اليورو خلال العام الجاري.
ويمهد الاتفاق الطريق أمام المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، لجمع مليارات اليورو من أسواق المال بالنيابة عن الدول الأعضاء البالغ عددهم 27، وذلك في تضامن غير مسبوق في نحو سبعة عقود من التكامل الأوروبي. وتكمن أهمية الاتفاق في أن المفوضية الأوروبية ستكون المسؤولة عن جمع الأموال وليست الدول، إذ إن هنالك دولاً ضعيفة بالاتحاد لا تستطيع جمع أموال.
ولكن على الرغم من هذا الاتفاق الأوروبي الذي وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"التاريخي"، ربما ستواجه الكتلة الأوروبية خلال العام الجاري والأعوام المقبلة مجموعة من التحديات المالية، إذ تتوقع المفوضية الأوروبية أن ترتفع نسبة البطالة في الكتلة بما يراوح بين 6.7% إلى 9% بنهاية العام الجاري.
كما تواجه القارة العجوز كذلك مشكلة الديون المتعثرة، وفي هذا الشأن لاحظ خبراء ماليون أن المصارف التجارية الأوروبية تمكنت من خفض حجم القروض غير العاملة خلال السنوات التي تلت أزمة اليورو في العام 2011 إلى 3.3% من إجمالي حجم أصولها المالية، إلا أن حجم القروض أو الديون التي لا تدر دخلاً عليها لا يزال مرتفعاً.
وتقدر بيانات "يورو ستات" أن حجم القروض التي منحتها المصارف التجارية للشركات والأعمال التجارية والأفراد ارتفع خلال الشهور الماضية، وربما ستصل قيمتها إلى نحو 6% من إجمالي حجم أصولها المالية، أو ما يعادل 1.2 تريليون يورو بنهاية العام. كما ترتفع ديون منطقة اليورو بمعدل أعلى من 100% من ناتجها المحلي وربما تصل إلى 120% من إجمالي الناتج المحلي وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وحتى الآن يعمل البنك المركزي الأوروبي على مساعدة المصارف التجارية الأوروبية على تجاوز محنة ديونها المتراكمة على الشركات والحكومات عبر مدها بالسيولة وبنسبة فائدة سالبة، كما يمنحها كذلك فرصة شراء السندات الحكومية عبر التمويلات قصيرة الأجل.
وحتى الآن تراهن الحكومات والشركات والأعمال التجارية التي استدانت بكثافة من المصارف خلال الشهور الماضية على عودة سريعة للاقتصادات للانتعاش خلال النصف الثاني من العام الجاري.
لكن رهان الحكومات والمصارف التجارية ربما سيصطدم باحتمال تزايد تفشي جائحة كورونا التي تعوق حتى الآن عودة النشاط التجاري والصناعي إلى طبيعته في كثير من أنحاء القارة الأوروبية.