انفراجات متعثّرة برعاية إيرانية

15 اغسطس 2015
+ الخط -
شهدت ملفات المنطقة الملتهبة، في فترة وجيزة، انعطافات غامضة، أخذتها من دروب التعقيد إلى ملامح الحلول، أو على الأقل أحاديث الانفراج. أحاديث تتأرجح بين التوقعات والمعلومات، من دون أن تطفئ الحريق القائم، غير أنها على الأقل تؤشر إلى أن ثمة أفقاً ممكناً للأزمات، وأن ضوءاً قد يظهر في آخر النفق الطويل جداً. انعطافات لم تستثن أياً من بؤر الأزمات العربية، من سورية وثورتها المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، وما تحولت إليه مع الوقت، إلى اليمن والحرب الدائرة ضد التغوّل الحوثي، مدعوماً بقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، مروراً بالعراق وتقسيماته الطائفية الكثيرة التي تنبئ بشرذمة البلاد إلى دويلات.

مصدر الغموض أن لا مقدمات ممهدة للتحولات التي جاءت مفاجئة، كأنها كانت بانتظار كلمة سر ما، أتت عامة وشاملة كل الملفات، المترابطة ضمناً. ترابط نابع عن أنها تندرج في إطار الصراع الإيراني الغربي غير المباشر، أو هكذا تحولت مع الوقت، خصوصاً في سورية والعراق. لذا كان من الطبيعي أن تذهب التحليلات نحو وجود بنود مخفية في الاتفاق النووي بين الدول الغربية وطهران، انعكست بشكل مباشر على هذه الملفات، وأدت إلى تبريدها أو إظهار ملامح حلول لها، ممكن أن ترضي الجميع.
غير أن التحليلات قد لا تكون صائبة كلياً، خصوصاً أن التحولات القائمة في الملفات قد تُفقد طهران كل أوراق اللعب في المنطقة. ففي سورية، مثلاً، يبرز الحديث الأميركي عن "تسليم روسي وإيراني" بنهاية نظام بشار الأسد. حديث كانت له انعكاسات عملية، عبر الحركة المكوكية التي شهدتها موسكو للقوى المتصلة بالملف السوري، لا سيما السعودية وقوى الائتلاف المعارض. لم ترشح معطيات جدية، إلى الآن، عن الاستعداد الروسي والإيراني للتخلي عن الأسد، غير أن التسريبات كانت بدأت تلمّح إلى أسماء بعينها، قد تكون بديلة في هذه المرحلة، وهي أسماء وإن كانت لا تخرج من بطانة الحلف الإيراني الروسي، إلا أنها بالتأكيد ستفتح الباب أمام الخروج التام للدور الإيراني لاحقاً من الملف السوري، وهو ما تتحسب منه طهران، ما يبدو أنه أدى، لاحقاً، إلى تعثر إرهاصات الحلول وعودة الأمور إلى الدوامة نفسها.
الأمر نفسه بالنسبة إلى اليمن، وحال التقهقر الذي تعيشه مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع صالح. أيضاً حال التقهقر هذا جاء مفاجئاً، مع حديث عن مبادرة سياسية تحفظ للحوثيين دورهم في الحياة السياسية اليمنية لاحقاً. لكنه دور سيكون مكسوراً، لا سيما أنه يأتي بعد هزائم عسكرية واضحة المعالم، ما يعني، أيضاً، أن طهران قد تخسر موطئ قدم لها لاحقاً في اليمن. وعلى هذا الأساس، لم تحرز الاتصالات السياسية أي تقدّم إلى الآن، لتبقى الكلمة للميدان.
وكما الحال في سورية واليمن، كذلك في العراق، بعد قرارات رئيس الحكومة، حيدر العبادي، والتي أطاحت خصوصاً رجل إيران في العراق، رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة جاءت تحت ضغط الشارع، غير أن تداعياتها لاحقاً لا يمكن أن تكون برضى إيراني تام، لا سيما أن تعويض المالكي بالنسبة إلى طهران ليس أمراً يسيراً، مهما كانت العلاقة مميزة بين الجمهورية الإسلامية والعبادي. ووفق هذه الحسابات، ها هي "إصلاحات" العبادي تعرف أيضاً حالة من التعثر الذي قد يفضي لاحقاً إلى تجميدها.
بناء عليه، قد لا يكون الدور الإيراني غائباً في هذه الانفراجات الغامضة، إلا أنه بالتأكيد مدرج ضمن ورقة سرية ضمن أي اتفاق. هي قد تكون رسالة ضمنية من طهران إلى الغرب حول مدى قدرتها على التأثير لاحقاً في ملفات الأزمات، تمهيداً لأن تكون الوكيل المعتمد للغرب في المنطقة. وإلى أن يتم هذا الاعتماد، يبدو أن الانفراجات ستبقى محاولات حلول متعثّرة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".