تبدأ في مدينة ميونخ الألمانية، اليوم الجمعة، أعمال مؤتمر الأمن الـ53، في محطة سنوية لتقويم حال الوضع الأمني على المستوى الدولي برمّته، وسط قلق حول أمن أوروبا، وتغيّرات تشهدها سياسات الولايات المتحدة، حيال بعض التحالفات، بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ويتصدّر هذه الملفات جدول أعمال المؤتمر هذا العام، والذي يستمر لثلاثة أيام، لا سيما بعد اندفاع ترامب حيال العديد من الملفات، وتهديد مصير الاتفاقات والثوابت المتعارف عليها لدى الإدارة الأميركية، مثل التعاون الأوروبي الأميركي مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في ظل مطالبة الرئيس الأميركي بزيادة باقي دول الحلف مخصصاتها المالية.
كما ينعقد المؤتمر في ظل مطالبة الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب، بتعديل أو إلغاء اتفاقات التجارة الحرة، ما يهدّد بزعزعة العلاقات عبر الأطلسي، فضلاً عن التنسيق القائم حالياً بين الطرفين الروسي والتركي في ملف الأزمة السورية.
وستخوض نقاشات المؤتمر في العديد من الملفات الأساسية المتعلّقة بالأمن، لا سيما بعد الاعتداءات التي شهدتها القارة الأوروبية، وملف الهجرة واللاجئين، بالإضافة إلى بحث وضع الاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء البريطاني وقرار الخروج من الاتحاد "بريكست"، وتمدّد اليمين الشعبوي.
وستخيّم على أجواء المؤتمر النزاعات حول العالم، من أزمتي سورية واليمن في الشرق الأوسط، وصولاً إلى أزمة أوكرانيا، مع إعلان "الناتو"، أمس الخميس، عن تعزيز مناوراته البحرية في البحر الأسود استكمالاً لخطته زيادة التدريبات والمناورات، ضمن عملية تأقلم أوسع لقدرات الدفاع والردع لدى الحلف، ولمواجهة الحشد العسكري الروسي هناك.
وسيكون لمشاركة نائب الرئيس الأميركي الجديد مايك بينس، ووزيري الدفاع والأمن الداخلي جيمس ماتيس وجون كيلي، وممثل الكونغرس الأميركي السيناتور الجمهوري جون ماكين، أحد المنتقدين لقرارات إدارة ترامب، وقع خاص على فعاليات المؤتمر.
وقال رئيس مؤتمر ميونخ للأمن، فولفغانغ إيشنغر، في حديث صحافي، إنّه "يجب علينا أن نأخذ الأقوال والأفعال التي تُثار في واشنطن على محمل الجد، ومن المهم جدّاً أن نحاول في ميونخ إظهار إثبات الذات الأوروبية على المسرح الدولي، لكي لا يأخذ الأميركيون الحاضرون انطباعاً بأنّ الاتحاد الأوروبي بالفعل مريض ويمكن تفكيكه".
وأوضح إيشنغر، في حديثه من برلين خلال إضاءة شاملة على المؤتمر، الاثنين الماضي، أنّ "النقاط المحورية ستركّز على توضيح قيمة الوحدة الأوروبية، ومقاومتها للإدراة الأميركية الجديدة"، مشدّداً على ضرورة "أن لا تفرض طريقة تفكير ترامب نفسها، لأنّ ذلك سيشكّل انتكاسة للعلاقات الأطلسية".
ومن المتوقّع أن تفوق أعداد المشاركين في مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام، أعدادهم على مدار السنوات السابقة، لا سيما بفعل تشابك الملفات، وبعدما تحوّل المؤتمر إلى منصّة لطرح ومناقشة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهواجس صنّاع القرار في عدد من الدول، مثل ألمانيا التي باتت قوة سياسية واقتصادية على مستوى أوروبا والعالم.
وبحسب تقارير، فستشارك في المؤتمر هذا العام 680 شخصية، بينها العديد من رؤساء الدول ورؤساء الوزراء، تتقدّمهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، إضافة إلى 47 وزير خارجية، بينهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، و30 وزير دفاع من عدة دول، بينها باكستان وتركيا، فضلاً عن ممثلي عدد من المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية.
وتوازياً مع بدء أعمال المؤتمر، عمدت السلطات الأمنية في ولاية بافاريا إلى تعزيز إجراءاتها في المدينة، واستعانت لهذه الغاية بـ4000 عنصر أمن، وحوّلت مسار السير على الطرقات المحيطة، وعزلت المنطقة القريبة من أوتيل "بايرشر هوف"، مكان انعقاد المؤتمر، و5 فنادق أخرى، فضلاً عن عمليات تفتيش في المناطق القريبة.
يذكر أنّ أولى أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، انعقدت عام 1963، كمحطة للقاءات غير رسمية بين ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، حتى بات ينظر إليه كاجتماع مصغر للجمعية العامة للأمم المتحدة، بفعل الاهتمام والحضور الذي يلقاه من شخصيات سياسية وأمنية رفيعة المستوى.