انطلاق رحلة تعديل "شينغن"

13 يناير 2015
اتفاقية "شينغن" أول التغييرات الأمنية (أوريليان مونييه/Getty)
+ الخط -
بعد أيام على اعتداء صحيفة "شارلي إيبدو"، والفترة العصيبة التي عاشتها فرنسا، والتي أودت بحياة 17 شخصاً، والتي حصدت تعاطفاً دولياً وتضامناً غير مسبوق، بدأت باريس استعدادتها الجدّية لمواجهة التحديات الحقيقية في أصعب أزمة في تاريخها الحديث، في اختبار فعلي لليسار الذي يعاني سياسياً. ويكمن الهاجس أساساً في المجالين الأمني والاجتماعي اللذين سيشكلان امتحاناً مفصلياً لإدارة الرئيس فرانسوا هولاند.

ولعلّ الصورة التي أظهرتها فرنسا في الأيام الماضية، والتي أراد حكامها ترسيخها عبر إطلاق شعارات، من نوع "فرنسا لا تخضع للضغوط ولا تخاف، وتعرف كيف تدافع عن نفسها"، إضافة إلى الدعوة إلى "الوحدة الوطنية"، أثارت إعجاب المحللين الذين اعتبروا أنها "كانت موفقة إلى حدّ كبير ولاقت استحساناً". لكنهم اتفقوا على أن "هناك سلسلة عناصر ستحدد المسار المستقبلي، وعلى رأسها توفّر الإمكانات الأمنية".

وتتشارك دول الاتحاد الأوروبي الهمّ الأمني مع فرنسا، وهو ما خّيم على اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد مع الولايات المتحدة، في باريس، يوم الأحد، الذي ارتفعت فيه الأصوات المطالبة بـ "ضرورة تعزيز الأمن وتبادل المعلومات بشكل أكبر وتعديل اتفاقية شينغن، التي تسمح للمواطنين الأجانب، المقيمين في دول الاتحاد الاوروبي بالتنقّل بحريّة بين الدول الموقّعة على الاتفاقية".

وأكد مصدر مقرّب من اجتماعات باريس، رفض الكشف عن اسمه، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "الدول الأكثر حماسة لهذه المطالبة، هي إسبانيا وبلجيكا وفرنسا، وأكدت ضرورة فرض مراقبة أشدّ على الحدود. كما أصرّت بلجيكا في الاجتماع على ضرورة وجود وتبادل قائمة تحمل أسماء المقاتلين الأجانب في إطار التعاون المشترك". ولا يخفي المسؤول أن "الهاجس الأمني يتقدم على بقية الملفات في هذه المرحلة، وأن الأوروبيين حريصون على ضرورة تعزيز إجراءات الحماية، بعد تأكدهم أن الإرهاب يستهدف أوروبا كلها".

وفي السياق، يعقد وزراء الداخلية الأوروبيون اجتماعاً لهم في بروكسل في 18 يناير/كانون الثاني الحالي، تحضيراً لقمة رؤساء الاتحاد الأوروبي في 12 فبراير/شباط المقبل، المخصصة لموضوع "محاربة الإرهاب".
ويدرك المسؤولون الفرنسيون أن "الصورة التي انبثقت عنها روح الوحدة الوطنية، لن تطول كثيراً بسبب السجال الداخلي المتواصل". ويعتقدون أن "أهمّ ما في هذه المرحلة، هو التوقف عند موضوع الهجرة، والفجوات الاجتماعية التي أحدثت شرخاً في المجتمع".

ويؤكد الأستاذ في علم الاجتماع، هوبير مالار، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "قوة فرنسا تكمن في ضعفها، وأن تنوّعها وتعدّد الجاليات فيها يغنيها، ولكنه في الوقت نفسه يؤدي إلى إشعال الخلافات بسبب الفوارق الثقافية".

ويرى عدد من الخبراء في قضايا الهجرة أن "هناك أمورا جوهرية لا بدّ من مواجهتها وتحسين شروط العيش وحالة الفقر والإحباط والاهتمام بالضواحي، من دون الاستخفاف بالهجرة المتزايدة والأزمات الاقتصادية التي تلقي بظلالها على البلاد. وباستثناء الأحداث الأمنية، إلا أن بعض الجاليات التزمت بالانضباط وأجواء التعايش".

وبعيداً عن الدوافع الإنسانية والانفعالات، توقف العديد عند مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في "المسيرة ضد الإرهاب"، الأحد في باريس، خصوصاً بعد أن قرر المجيء إلى فرنسا فقط، عندما علم أن وزير خارجية حكومته أفيغدور ليبرمان ووزير الاقتصاد نفتالي بينيت، سيشاركان في التجمع. ولم تجرِ أية مصافحة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونتنياهو. وفي انتظار ما ستسفر عنه المرحلة المقبلة، تبقى فرنسا منشغلة بهمومها الداخلية، الأمنية تحديداً، أكثر من أي وقت مضى بعد أن دقّ ناقوس الخطر في البلاد.