تستضيف العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اليوم الجمعة وغداً السبت، أول الاجتماعات الأربعة المتفق على عقدها بين وزراء المياه في مصر وإثيوبيا والسودان لدراسة الحلول الفنية المقترحة لأزمة ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وذلك بحضور ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين.
وأعلنت وزارة الموارد المائية والري في مصر سفر الوزير محمد عبد العاطي بصحبة عدد من مساعديه، كما قالت وزارة الري والموارد المائية في السودان إن الوزير ياسر عباس سيقود وفد السودان إلى أديس أبابا للمشاركة في الاجتماعات الفنية.
وأوضح رئيس الجهاز الفني للموارد المائية السوداني صالح حمد حامد، أنّ وفود الدول الثلاث ستجتمع في أديس أبابا لمناقشة مقترحات كل دولة بشأن الملء الأول للسد والملء الدوري كل عام، إلى جانب التشغيل أثناء الملء والتشغيل طويل الأمد، هذا بالإضافة إلى مراعاة الظروف الهيدرولوجية التي قد تطرأ نتيجة سنوات جافة تؤثر على عمليات الملء والتشغيل، لافتاً إلى أنّ موقف السودان بشأن الملء واضح ومدروس، يعتمد عدد السنين على هيدرولوجيا النهر.
وقال مصدر دبلوماسي مصري إنّ الخارجية تتابع عن كثب تطورات المفاوضات، مرجحاً أنّ وزير الخارجية سامح شكري وخلال وجوده حالياً في واشنطن للمشاركة في اجتماعين حول سورية وتنظيم "داعش"، سيجري اتصالاً بوزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، المفوض من الرئيس دونالد ترامب لإدارة الملف، لإطلاعه على المستجدات، بما في ذلك المقترح المصري الجديد الذي سيقدم على طاولة المفاوضات.
وأضاف المصدر أنّ الوفود المشاركة في اجتماع أديس أبابا هي حكومية فقط، ولن تُعقَد مرة أخرى اجتماعات المجموعة العلمية المستقلة المكونة من 15 فرداً من الدول الثلاث، بحسب اتفاق واشنطن.
وقلل المصدر من تأثير إعلان إثيوبيا الانتهاء من إنشاء سدّ السرج، الاحتياطي لسد النهضة، قبل يومين فقط من انطلاق المفاوضات الفنية، واصفاً الإعلان الرسمي عن ذلك بأنه "رسالة ذات طابع سيادي، موجّهة للداخل الإثيوبي ولمصر في آن واحد، للتأكيد على عدم التنازل وأن المفاوضات لن تنال من السيادة الإثيوبية على المشروع".
ولم تعلن مصر عن موقفها أو مقترحاتها الجديدة التي ستُقدم في الاجتماع، لكن مصادر في وزارة الري سبق وكشفت لـ"العربي الجديد"، الأربعاء الماضي، أنّ مصر ستطرح أفكاراً جديدة ترتكز على ضمان تدفق نحو 35 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، أي أقل بنحو 5 مليارات عن المقترح المصري السابق الذي كان يهدف لإنهاء مرحلة الملء الأول للسد بعد 7 سنوات كاملة، وهو الذي قوبل باعتراض جذري ومتجدد من أديس أبابا.
وسبق أن وصفت إثيوبيا مقترح السنوات السبع في بيان رسمي بأنه "غير عملي من الناحية الفنية وهو بمثابة الموافقة على جعل سد النهضة رهينة للاستخدام المصري للمياه". وعلاوة على ذلك، وبما أنّ إثيوبيا لا تستطيع التحكّم في المياه المصرية من سد أسوان العالي، فإنّ الموافقة على هذا الطلب من وجهة نظرها تعني أن ينتهي الأمر إلى "نقاشات دائمة حول كميات المياه".
وتعتبر إثيوبيا أنّ القبول بضخ هذا الكم من المياه سنوياً لمصر يتنافى مع "مبادئ الاستخدام المنصف والمعقول، والتي لا تسبّب أي ضرر كبير على أي دولة أخرى تستخدم مياه النيل"، فضلاً عن أنّ ذلك يتضمن الاعتراف المباشر أو غير المباشر بالمعاهدات السابقة بشأن مياه النيل مثل اتفاقيتي 1929 و1959 لتقسيم حصص المياه والتي لم تكن إثيوبيا طرفاً فيها، وتعتبر أنها كانت تخدم مصلحة مصر والسودان فقط.
وذكرت المصادر الحكومية أنّ مصر تنظر بعين الاعتبار للمقترح الذي سبق أن قدّمته السودان كحل وسط بين تمسك كل من الدولتين الأخريين بموقفهما، وهو الوصول بملء الخزان لزمن يراوح بين 4 و5 سنوات مع إمكانية تقليله أو زيادته حسب الاتفاق الفني بين الدول الثلاث. لكن المصادر أوضحت أن المقترح السوداني "ليس متكاملاً"، كما أنه يصطدم برفض إثيوبيا المبدئي لفكرة الإدارة المشتركة لعمل السد في فترة الملء والتشغيل الأولى.
كما ستقدّم مصر تقريراً جديداً أعدته شركة استشارات فنية أوروبية، لم يسبق لها أن شاركت في أعمال دراسات جدوى وتأثير المشروع على دولتي المصب، عن الآثار السلبية المحققة التي ستلحق بمصر إذا تمسكت إثيوبيا بخطتها الخاصة المعلنة التي تحدد المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد بأنّ تستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيتم ملء الخزان ليصل إلى 595 متراً، وستصبح كل توربينات الطاقة الكهرومائية في السد جاهزة للعمل. وسيتم عرض هذا التقرير على المراقبين والدول الأطراف في الاجتماع، لتأكيد عدالة المطالب المصرية ليس فقط على ضوء إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/ آذار 2015، بل كذلك على أسس القانون الدولي والاتفاقيات الدولية بشأن مياه الأنهار وعدم الإضرار.
وسبق أن نشرت "العربي الجديد" معلومات عن أنّ الفريق المصري اقترح على الإثيوبيين أن يتم إيقاف عملية الملء إذا انخفض منسوب بحيرة ناصر عن 165 متراً، باعتبار أنّ هذا المنسوب هو الذي يضمن عدم خروج الأراضي الزراعية المصرية من الخدمة، وأن يكون هذا الرقم هو المؤشر الذي يتم من خلاله تحديد استئناف الملء من عدمه. الأمر الذي أثار استهجان الإثيوبيين الذين تمسكوا بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً، قد يؤدي إلى حرمان بلادهم من إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي فإنهم يعتقدون أنّ المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.
يذكر أنّ اجتماع 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي في واشنطن حول قضية سد النهضة، شهد اتفاق وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان برعاية ترامب ومنوتشين، على ضرورة الوصول إلى اتفاق بتحديد قواعد ملء وتشغيل السد بحلول منتصف يناير/ كانون الثاني 2020، وأن يتم عقد 4 لقاءات للمفاوضات الفنية بين وزراء المياه والري تشارك فيها الولايات المتحدة والبنك الدولي، كمراقبين، وأن تستضيف واشنطن اجتماعين آخرين في 9 و13 ديسمبر/ كانون الأول المقبل لمتابعة التطورات.
وقال بيان مشترك حينها، صادر عن اجتماع واشنطن، إنّ الوزراء وافقوا على العمل من أجل تطبيق اتفاق المبادئ الموقع في مارس/ آذار 2015 لتنمية شعوب الدول الثلاث وضمان التعاون عبر الحدود، ومصلحتهم المشتركة في إبرام اتفاق "شامل وتعاوني وقابل للتكيف ومستدام ومتبادل المنفعة".
أمّا في حالة الفشل في التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف يناير/ كانون الثاني، فقد نجحت مصر في تمرير اتفاق على تطبيق المادة 10 من إعلان المبادئ، والتي تنص على أن يتم الاتفاق بين الدول الثلاث على تسوية النزاعات الناشئة عن خلاف في تفسير أو تنفيذ الاتفاقية، ودياً، من خلال استدعاء طرف رابع للتوفيق أو الوساطة، أو إحالة المسألة للنظر فيها من قبل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.