تسعون يوماً مرت على انقضاء عملية "غصن الزيتون" التركية في عفرين، وهي العملية التي استمرت ثمانية أسابيع، وانتهت بطرد "وحدات حماية الشعب" الكردية من تلك المدينة، التي كانوا يُخضعونها لسيطرتهم في شمال غربي حلب. لكن الأشهر الثلاثة الماضية، شهدت انتهاكات لفصائل عسكرية محسوبة على "الجيش السوري الحر" في عفرين، بداية من عمليات السرقة الواسعة التي شهدتها المدينة إبان انتهاء المعارك فوراً، وصولاً لهذا الأسبوع، الذي تصاعدت فيه هذه الانتهاكات بحق السكان هناك.
ويقول نشطاء سوريون ومراقبون لمجرى التطورات في عفرين، إن الجيش التركي، وبعد انتهاء المعارك مع "وحدات حماية الشعب" الكردية، المُصنفة إرهابية في تركيا، ترك إدارة المدينة والقرى المحيطة بها لمجموعة فصائل سورية، كانت قد شاركت بفعالية مع الجيش التركي في عملية "غصن الزيتون"، غير أن عدداً من هذه الفصائل استغل فوضى النفوذ والسيطرة هناك، وبات يتصرف كما لو أن عفرين "غنيمة".
ولا تتوقف الانتهاكات التي مارستها فصائل عسكرية سورية هناك، على عمليات السرقة الواسعة لأملاك السكان المحليين، بما فيها أثاث المنازل، بل تعدتها لاحقاً إلى تنفيذ اعتقالات، من دون وجود تهم واضحة، الأمر الذي أكده لـ"العربي الجديد"، نشطاء يقيمون في عفرين حديثاً، بينهم عبد الله عثمان، وآخر يُدعى أحمد، طلب التحفظ على ذكر اسمه الكامل، وهما أساساً من مُهجري الغوطة الشرقية قبل شهرين. ومن بين أحدث الانتهاكات في عفرين، يقول أحمد إن قرية ميدان إكبس شهدت، أخيراً، حالات اعتقال لسيدات على أيدي مسلحين، قاموا باقتياد امرأتين، على الأقل، إلى سجن في القرية، حيث تعرضتا للضرب. وبرغم قول الناشط، الذي يقيم قريباً من ميدان إكبس، إن "المنطقة التي جرت فيها الحادثة تُعتبر تحت نفوذ فيلق الشام"، لكنه أضاف أنه "من غير المُمكن التأكد قطعياً من هوية العناصر الذين قاموا باعتقال المرأتين"، بسبب "كثرة الفصائل"، معتبراً أن "الوضع أقرب للفوضى حالياً". وقال أحمد إنه، وفي حادثة انتهاك أخيراً، "قُتل رئيس المجلس المحلي لمنطقة الشيخ حديد (بريف عفرين)، أحمد شيخو، تحت التعذيب على يد المدعو محمد جاسم أبو عمشة، قائد (لواء السلطان سليمان شاه) المنخرط ضمن عملية (غصن الزيتون)"، فيما نفى أبو عمشة الاتهام، قائلاً إن شيخو توفي بالسجن بسبب مرض الربو.
عموماً، فإن الحادثة هذه، وحادثة اعتقال المرأتين، جزء من سلسلة انتهاكات وثقها نشطاء سوريون معارضون للنظام السوري، إذ دفعت حالة الفوضى في عفرين، التي استغلتها مجموعات عسكرية لـ"استباحة" الممتلكات، بما فيها منازل السكان المحليين، بكثير من النشطاء لشن حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف "فضح المتورطين" في تلك الانتهاكات. كما أن قياديين في "الجيش السوري الحر" دانوا السرقات والانتهاكات بحق السكان المحليين، بينهم مدير المكتب السياسي لـ"فرقة المعتصم" (من فصائل "غصن الزيتون") مصطفى سيجري، الذي اعتبر، الأربعاء الماضي، أن "أكبر إساءة لعملية غصن الزيتون، ولتضحيات الجيش الحر والجيش التركي هي صمتنا جميعاً عن الجرائم التي يرتكبها بعض المتسترين بعباءة الجيش الحر، من تشبيح وسرقة وزعرنة وقلة شرف، بحق أهلنا المدنيين والتجار والمزارعين، واتهام كل من يحاول أن يرفع صوته من المدنيين بالداعشية والانتساب إلى حزب العمال الكردستاني". وقال سيجري، في حسابه على "تويتر"، إن "إخوانكم في فرقة المعتصم أطلقوا حملة على أوكار المفسدين في عفرين وما حولها، وتم إلقاء القبض على عدد من الزعران وأصحاب السوابق، ممن تغطوا بعباءة الجيش الحر في الفترة السابقة".
ويكشف كلام سيجري، وهو قيادي بفصيل عسكري شارك بعملية "غصن الزيتون"، عن استفحال الانتهاكات في عفرين، واستقواء مرتكبيها بكونهم مشاركين أيضاً ضمن معركة عفرين، التي بدأت في 20 يناير/ كانون الثاني 2018، وانتهت مع السيطرة الكاملة على عفرين في 18 مارس/ آذار الماضي. وتواصلت "العربي الجديد" مع قيادي سوري في "غصن الزيتون"، قال "إن الظروف الأمنية غير مؤاتية حالياً لأن أصرح باسمي". وأضاف "ثلاثة عوامل رئيسية لعبت دوراً كبيراً في انفلات عدد كبير من عناصر عدة فصائل عسكرية شاركت بغصن الزيتون، أولها أن معظم هؤلاء العناصر أساساً حصلوا على السلاح بشكل أو بآخر قبل سنوات، ضمن موجة التسلح التي اجتاحت مناطق شمالي سورية، ولم ينتظموا سابقاً ضمن فصائل الجيش الحر المُتبنية لمبادئ الثورة، ووجدوا منذ ما قبل غصن الزيتون فرصة في الانخراط ضمن معارك مدعومة من جيش منظم ويُقدم حماية جوية لهم كالجيش التركي، ومعظمهم معروف أنه لم يخض معركة واحدة ضد النظام". وأضاف "ثاني هذه العوامل هي أن هؤلاء العناصر، الذين يستقوون بكونهم من فصائل غصن الزيتون، استشعروا غياب قوة تردعهم، إذ لا يتدخل الجيش التركي حالياً إلا إذا وقعت اشتباكات مع فلول الوحدات الانفصالية، أو عند حصول اقتتال". وتابع "ثالث هذه العوامل، هي أن هؤلاء العناصر المنُفلتين، لديهم نزعة عنصرية تجاه سكان عفرين. العوامل الثلاثة معاً أوصلت هؤلاء لارتكاب انتهاكات كبيرة بحق أهلنا في عفرين، وأيضاً بحق بعض أهلنا المُهجرين من الغوطة وعموم ريف دمشق. لكن حالياً هناك نية جدية لشن حملة كبيرة تهدف لردع هؤلاء العناصر وطردهم خارج عفرين".
وقال نشطاء إن من بين الانتهاكات التي تعرّض لها المدنيون في عفرين، هي عمليات "الاستيلاء على منازل المدنيين النازحين هرباً من المعارك سابقاً، إذ يتم توجيه تهم لهؤلاء المدنيين، بينها الارتباط بالوحدات الكردية، واتخاذ هذه الذريعة لوضع اليد على المنزل". ووصلت منذ يومين إلى عفرين دفعة جديدة من "الشرطة الوطنية"، وهو جهاز أمني يتم تدريبه وتمويله من قبل السلطات التركية. وبلغ عدد الواصلين إلى عفرين ضمن هذه الدفعة نحو ألف عنصر، تلقوا تدريبات في تركيا. وقبل ذلك بأسابيع قليلة، وصلت الدفعة الأولى من عناصر "الشرطة الوطنية"، وتضم نحو 700 شرطي، من المقرر أن يتم توزيعهم شيئاً فشيئاً على عفرين وريفها، بهدف ضبط الأمن ووضع حد للفوضى الأمنية وحالة عدم الاستقرار هناك.