تفتح تصريحات أخيرة صادرة عن مكتب النائب العام في طرابلس الباب أمام اتهام مسؤولين بالتورط في انتهاكات وقعت في مراكز إيواء مهاجرين رسمية، لا سيما في العاصمة التي تتركّز فيها سلطة حكومة الوفاق
في الرابع عشر من مارس/ آذار الماضي، كشف رئيس مكتب التحقيقات في مكتب النائب العام في العاصمة الليبية طرابلس، الصديق الصور، في مؤتمر صحافي، عن تورّط عناصر في جهاز مكافحة الهجرة التابع رسمياً لحكومة الوفاق في إطلاق سراح مهربين وبيع مهاجرين، مؤكداً أنّ أوامر النائب العام صدرت بضبط جرافات وقوارب في قضايا تهريب، والقبض على مالكيها.
مسؤولون عدة في الجهاز وفي جهات أمنية أخرى أكّدوا أنّ ملف الهجرة غير الشرعية غير منضبط، وأنّ الحكومة تكافح لضبطه من خلال انتزاعه كلياً من قبضة المجموعات المسلحة التي ما زال بعضها متنفذاً في عدد من المدن الليبية.
من جهته، أعلن رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس، محمد بشر، نهاية فبراير/ شباط الماضي، عن إغلاق 18 مركزاً لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا منذ سبتمبر/ أيلول 2017. وأوضح بشر أنّ سبب إغلاق تلك المراكز يعود إلى وجودها وسط تجمعات سكنية وعدم توافقها مع شروط حقوق الإنسان، بالإضافة إلى كثرة الشكاوى من المواطنين بخصوصها، إذ أنشئت في فترات سابقة بطريقة غير مدروسة وعشوائية. وأشار إلى أنّ "مراكز الإيواء التي صدرت بشأنها هذه القرارات غير مطابقة للمواصفات القانونية، أو غير معدّة لهذا الغرض، وملكية هذه المراكز لا تعود إلى وزارة الداخلية أو مصلحة الأملاك العامة، بالإضافة إلى التقارير الدولية المنتقدة لمراكز إيواء المهاجرين غير الشرعيين".
لكنّ سلامة القيلوشي، أحد مسؤولي فرع الجهاز بمنطقة عين زارة في طرابلس، يقول إنّ الظاهر من هذه التصريحات حقيقي، لكنّ الخافي هو محاولة السلطات وقف المخالفين، إذ لا سبيل لضبط مشاركة مسؤولي هذه المراكز في تهريب البشر والمتاجرة فيهم سوى قرارات الإغلاق.
حبر على ورق
يبدو أنّ هذا الأسلوب لا يحقق ما تصبو إليه سلطات العاصمة، فمقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الأهلية، أحمد عبد الحكيم حمزة، يقول إنّ قرارات الجهاز "حبر على ورق"، مؤكداً أنّها "لم تنفذ، فأكثر المراكز التي صدر بحقها قرار إغلاق ما زالت تعمل". يقول حمزة لـ"العربي الجديد" إنّ مراكز في طرابلس صدرت في حقها قرارات إغلاق لم تتوقف، بل تؤوي حتى الآن أكثر من 4 آلاف مهاجر. يؤكد أنّ القائمين على تلك المراكز يمتلكون نفوذاً وسلاحاً يحميانهم، ويبدو أنّ الحكومة لا تريد الدخول في مواجهات معهم.
يعترف القيلوشي بحقيقة هذا الأمر: "نعم، حدث هذا ولم يستجب بعض تلك المراكز لقرار الإغلاق، لكنّ بعضها أقفل رسمياً"، لافتاً إلى أنّ القرار صدر في حق 28 مركزاً استجاب منها 18 للقرارات. يضيف لـ"العربي الجديد": "لجان عدة وشخصيات حكومية تواصلت بكثرة مع رؤساء مليشيات متنفذة في طرابلس تملك مراكز إيواء لوضعها تحت سيطرة الدولة فتبعيتها ما زالت شكلياً للدولة، لكنّ زعماء تلك المليشيات يرفضون وصول أيّ مسؤول إليها، ولذلك جاءت قرارات إغلاقها لتتحمل المليشيات مسؤولية أوضاعها والجرائم التي قد تقترف فيها ومن خلالها".
تعذيب في مبنى سكني
يقول القيلوشي إنّ "الملف أوسع بكثير وأكبر من الحديث عنه في المجمل، لكنّنا نتحدث عن طرابلس، ففيها وحدها أكثر من 10 مراكز احتجاز غير رسمية حالياً، وثمانية منها تتبع الدولة شكلياً". وعن أوضاع هذه المراكز يقول: "بعضها يقع في المزارع التي تعود ملكيتها إلى رموز النظام السابق في الأطراف، وبعضها في المباني العامة التي سيطرت عليها المليشيات وسط الأحياء. لكنّ الأغرب أنّ اثنين منها يقعان داخل شقق في عمارات سكنية، منهما مبنى بمنطقة الفرناج بطريق الشوك يقع أسفل عمارة سكنية تسمع بصوت جلي منه أصوات الضرب والتعذيب". يتابع: "في صلاح الدين أيضاً داخل مجمع عمارات شهير يقع مركز إيواء غير قانوني ترفض المليشيا المسيطرة عليه تسليمه أو حتى السماح بزيارته". ويؤكد أنّ "الحكومة تعمل بشكل حثيث، وبجهود كثيفة، للتغلب على هذه الصعاب، وقد أنجزت الكثير، ولم يبقَ إلّا القليل من المراكز التي سيذعن من يتولون السيطرة عليها لسلطة الدولة عاجلاً أم آجلاً".
إعادة بيع
مسؤول في مديرية أمن طرابلس، يفضّل عدم نشر اسمه، يكشف أنّ مراكز الإيواء المتورطة في تجارة البشر وتهريبهم يتبع فيها المتاجرون قوات رسمية تابعة لحكومة الوفاق. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "وزارة الداخلية تتواصل مع رؤساء تلك المجموعات الكبيرة مثل قوة الأمن المركزي وقوة مكافحة الجريمة وهي من أبرز قوات حكومة الوفاق للسيطرة على مفارز قواتها المتورطة فعلياً في تجارة البشر، لكنّ استقلال تلك القوات يعيق بشكل كبير أعمال الوزارة".
يضيف: "قوة الأمن المركزي التي تتخذ من حي بو سليم معقلاً لها، وقوة كتيبة ثوار طرابلس، وقوة الردع، كلّها من دون استثناء تتبعها مفارز في شكل مليشيات تعمل في هذا النشاط، ولديها مراكز إيواء ممتلئة بالمهاجرين الذين يقبض عليهم رسمياً، لكنّ تلك المليشيات تعاود بيعهم إلى تجار البشر". يؤكد أنّ جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية لا يمتلك سجلات رسمية بأعداد المحتجزين في تلك المراكز حتى تتسنّى له المتابعة.
يتابع المسؤول الأمني: "قرقارش وجنزور غرب العاصمة، وبئر الأسطى ميلاد وزوارة شرقها، فيها مراكز احتجاز للمهاجرين رسمية وغير رسمية. الأخيرة يسمح للمنظمات والحكومة بزيارتها، وهي التي تجرى فيها عمليات نقل المهاجرين منها إلى دولهم بشكل رسمي. لكنّ المراكز الرسمية عددها أكبر ولا يسمح بزيارتها وفيها تجرى عمليات البيع والشراء"، مؤكداً أنّ أغلب من فيها يقبض عليهم أثناء إبحارهم، أو وهم على الشواطئ، فيعاد بيعهم مجدداً إلى تجار البشر.
يكشف المصدر أنّ "تلك المليشيات مرتبطة بتجار البشر في مناطق غريان وبني وليد والقربولي، شرق طرابلس، وفي زوارة غربها"، متسائلاً: "كيف تبخر 8500 مهاجر عثر عليهم في صبراته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إثر تحريرها من سيطرة مليشيات تجارة البشر، وأعلن عن نقلهم إلى طرابلس؟". يتابع: "أقل من ربع هذا العدد دخل إلى مراكز الإيواء الرسمية، لكنّ ثلاثة أرباعهم تناهبتهم تلك المليشيات في الطريق قبل وصولهم، لتعيد بيعهم مجدداً".
اقــرأ أيضاً
تدخل إيطالي
من جهته، يعترف القيلوشي بصعوبات جمة تواجه الحكومة للسيطرة على الملف: "بالإضافة إلى عقبة المليشيات المسلحة التي تدين لها الحكومة ببسط سيطرتها على طرابلس كقوات تابعة لها، تعترض الحكومة عقبات أخرى مثل عدم امتلاك أغلب المهاجرين أوراقاً ثبوتية رسمية، أو فقدانهم لها أثناء الإبحار، ما يصعب عمليات نقلهم إلى بلدانهم التي لا ترغب في الغالب في إعادتهم إليها، متحججة بأنّهم لا يمتلكون أوراقاً تثبت أنّهم ينتمون إليها".
يقول القيلوشي: "هناك سبل أخرى تحاول الحكومة من خلالها السيطرة على الملف، منها الاستعانة بدول كبرى أعلنت عن استعدادها لتقديم العون. في ديسمبر/ كانون الأول الماضي جرى التوقيع مع الجانب الإيطالي لإنشاء غرفة مشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية دخلت فيها أطراف أخرى منها أجهزة أمنية ومكتب النائب العام بالإضافة إلى الاستخبارات من الجانبين". يلفت إلى أنّ الاتفاق الذي وقع بحضور وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي أثناء زيارته إلى طرابلس يشير إلى تركيز السلطات الإيطالية على المهاجرين المحتجزين في مراكز إيواء غير رسمية تقع خارج سلطة الدولة. يعتبر القيلوشي أنّ الحكومة تكافح من أجل إشراك أكبر عدد من الدول المعنية في الملف بغية تقليل حجم المهاجرين الذين يعبرون إلى ليبيا عبر حدودها، وبالتالي إضعاف سلطة وسيطرة تجار البشر والمليشيات في هذا النشاط.
بدوره، يقول المصدر الأمني إنّ "سلطة حكومة الوفاق تبدو محرجة أكثر بعدما كشفت تقارير أممية رسمية تورط قواتها في نشاط تجارة البشر، ولذلك هي مصرّة على حسم هذا الملف على الأقل في طرابلس". يشير المصدر الأمني إلى تقرير سري للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي، تداولته وسائل إعلام محلية ودولية، مطلع فبراير/ شباط الماضي، يؤكد أنّ معظم الجماعات المسلحة الناشطة في عمليات تهريب البشر في ليبيا لها صلات بالمؤسسات الأمنية الرسمية في البلاد.
يقول الخبراء الذين أعدوا التقرير بتكليف من مجلس الأمن إنّ "معظم هذه الجماعات المسلحة تنتمي اسمياً إلى المؤسسات الأمنية الرسمية". وكشفوا في التقرير أنّ مهاجرين إريتريين أبلغوهم أنّه جرى اعتقالهم على يد قوات الردع الخاصة، التابعة رسمياً لوزارة داخلية حكومة الوفاق، وسلمتهم إلى عصابات تهريب متعددة.
غضّ نظر
تقارير منظمات الأمم المتحدة لم تتوقف عند هذا الحد، ففي تقرير لمنظمة "يونيسف" تأكيد على أنّ "المليشيات في طرابلس أنشأت مراكز احتجاز خاصة بها، من المستحيل معرفة عددها".
وخلال زيارتها إلى عدد من هذه المراكز للاطلاع على حياة الأطفال المجبرين على العيش فيها، نقلت "يونيسف" عن مسؤولين من وزارة الداخلية رافقوا موظفيها في تلك الزيارة أنّ "في طرابلس 13 مركز احتجاز غير قانوني تديرها المليشيات المسلحة ولا يمكننا حتى الاقتراب من هذه المناطق، لأنّ هذا يعرّض حياتنا للخطر". وأكد هؤلاء أنّ قادة المليشيات "يمتلكون أكواماً من الأموال نظراً لابتزازهم المهاجرين وطلبهم فدى من أسرهم". ودافع المسؤولون عن سلطة وزارتهم بالقول: "ليس لدينا المال لشراء الطعام لرعاية أولئك المهاجرين وهي معضلة تجعلنا نتباطأ في إغلاق تلك المراكز".
أثناء زيارة فريق "يونيسف" لأحد تلك المراكز في منطقة القربولي، شرق طرابلس، التي تعتبر من أنشط المناطق في تهريب البشر عبر البحر، نقلت عن مسؤول آخر قوله: "في القربولي لا يملك حرس السواحل موارد كافية، كما أنّهم خائفون بسبب التهديدات التي تصدرها المليشيات التي تسيطر على تهريب البشر. حين يرى حرس السواحل قارباً يبحر فإنّهم ببساطة يغضون الطرف عنه ولا يقولون أيّ شيء ويتظاهرون أنهم لا يرونه".
اقــرأ أيضاً
يكشف التقرير عن حالة أحد مراكز الإيواء الرسمية: "مركز الإيواء 2 يحرسه عنصران خارج المبنى، ويضمّ نحو 40 فتى تزدحم بهم منطقة القضبان الحديدية التي تفصل منطقة الرجال عن منطقة النساء". وينقل عن المحتجزين طلبهم المساعدة ورجاءهم أن يخرجهم موظفو المنظمة من سجنهم الذي يعد رسمياً مركز إيواء.
في الرابع عشر من مارس/ آذار الماضي، كشف رئيس مكتب التحقيقات في مكتب النائب العام في العاصمة الليبية طرابلس، الصديق الصور، في مؤتمر صحافي، عن تورّط عناصر في جهاز مكافحة الهجرة التابع رسمياً لحكومة الوفاق في إطلاق سراح مهربين وبيع مهاجرين، مؤكداً أنّ أوامر النائب العام صدرت بضبط جرافات وقوارب في قضايا تهريب، والقبض على مالكيها.
مسؤولون عدة في الجهاز وفي جهات أمنية أخرى أكّدوا أنّ ملف الهجرة غير الشرعية غير منضبط، وأنّ الحكومة تكافح لضبطه من خلال انتزاعه كلياً من قبضة المجموعات المسلحة التي ما زال بعضها متنفذاً في عدد من المدن الليبية.
من جهته، أعلن رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس، محمد بشر، نهاية فبراير/ شباط الماضي، عن إغلاق 18 مركزاً لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا منذ سبتمبر/ أيلول 2017. وأوضح بشر أنّ سبب إغلاق تلك المراكز يعود إلى وجودها وسط تجمعات سكنية وعدم توافقها مع شروط حقوق الإنسان، بالإضافة إلى كثرة الشكاوى من المواطنين بخصوصها، إذ أنشئت في فترات سابقة بطريقة غير مدروسة وعشوائية. وأشار إلى أنّ "مراكز الإيواء التي صدرت بشأنها هذه القرارات غير مطابقة للمواصفات القانونية، أو غير معدّة لهذا الغرض، وملكية هذه المراكز لا تعود إلى وزارة الداخلية أو مصلحة الأملاك العامة، بالإضافة إلى التقارير الدولية المنتقدة لمراكز إيواء المهاجرين غير الشرعيين".
لكنّ سلامة القيلوشي، أحد مسؤولي فرع الجهاز بمنطقة عين زارة في طرابلس، يقول إنّ الظاهر من هذه التصريحات حقيقي، لكنّ الخافي هو محاولة السلطات وقف المخالفين، إذ لا سبيل لضبط مشاركة مسؤولي هذه المراكز في تهريب البشر والمتاجرة فيهم سوى قرارات الإغلاق.
حبر على ورق
يبدو أنّ هذا الأسلوب لا يحقق ما تصبو إليه سلطات العاصمة، فمقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الأهلية، أحمد عبد الحكيم حمزة، يقول إنّ قرارات الجهاز "حبر على ورق"، مؤكداً أنّها "لم تنفذ، فأكثر المراكز التي صدر بحقها قرار إغلاق ما زالت تعمل". يقول حمزة لـ"العربي الجديد" إنّ مراكز في طرابلس صدرت في حقها قرارات إغلاق لم تتوقف، بل تؤوي حتى الآن أكثر من 4 آلاف مهاجر. يؤكد أنّ القائمين على تلك المراكز يمتلكون نفوذاً وسلاحاً يحميانهم، ويبدو أنّ الحكومة لا تريد الدخول في مواجهات معهم.
يعترف القيلوشي بحقيقة هذا الأمر: "نعم، حدث هذا ولم يستجب بعض تلك المراكز لقرار الإغلاق، لكنّ بعضها أقفل رسمياً"، لافتاً إلى أنّ القرار صدر في حق 28 مركزاً استجاب منها 18 للقرارات. يضيف لـ"العربي الجديد": "لجان عدة وشخصيات حكومية تواصلت بكثرة مع رؤساء مليشيات متنفذة في طرابلس تملك مراكز إيواء لوضعها تحت سيطرة الدولة فتبعيتها ما زالت شكلياً للدولة، لكنّ زعماء تلك المليشيات يرفضون وصول أيّ مسؤول إليها، ولذلك جاءت قرارات إغلاقها لتتحمل المليشيات مسؤولية أوضاعها والجرائم التي قد تقترف فيها ومن خلالها".
تعذيب في مبنى سكني
يقول القيلوشي إنّ "الملف أوسع بكثير وأكبر من الحديث عنه في المجمل، لكنّنا نتحدث عن طرابلس، ففيها وحدها أكثر من 10 مراكز احتجاز غير رسمية حالياً، وثمانية منها تتبع الدولة شكلياً". وعن أوضاع هذه المراكز يقول: "بعضها يقع في المزارع التي تعود ملكيتها إلى رموز النظام السابق في الأطراف، وبعضها في المباني العامة التي سيطرت عليها المليشيات وسط الأحياء. لكنّ الأغرب أنّ اثنين منها يقعان داخل شقق في عمارات سكنية، منهما مبنى بمنطقة الفرناج بطريق الشوك يقع أسفل عمارة سكنية تسمع بصوت جلي منه أصوات الضرب والتعذيب". يتابع: "في صلاح الدين أيضاً داخل مجمع عمارات شهير يقع مركز إيواء غير قانوني ترفض المليشيا المسيطرة عليه تسليمه أو حتى السماح بزيارته". ويؤكد أنّ "الحكومة تعمل بشكل حثيث، وبجهود كثيفة، للتغلب على هذه الصعاب، وقد أنجزت الكثير، ولم يبقَ إلّا القليل من المراكز التي سيذعن من يتولون السيطرة عليها لسلطة الدولة عاجلاً أم آجلاً".
إعادة بيع
مسؤول في مديرية أمن طرابلس، يفضّل عدم نشر اسمه، يكشف أنّ مراكز الإيواء المتورطة في تجارة البشر وتهريبهم يتبع فيها المتاجرون قوات رسمية تابعة لحكومة الوفاق. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "وزارة الداخلية تتواصل مع رؤساء تلك المجموعات الكبيرة مثل قوة الأمن المركزي وقوة مكافحة الجريمة وهي من أبرز قوات حكومة الوفاق للسيطرة على مفارز قواتها المتورطة فعلياً في تجارة البشر، لكنّ استقلال تلك القوات يعيق بشكل كبير أعمال الوزارة".
يضيف: "قوة الأمن المركزي التي تتخذ من حي بو سليم معقلاً لها، وقوة كتيبة ثوار طرابلس، وقوة الردع، كلّها من دون استثناء تتبعها مفارز في شكل مليشيات تعمل في هذا النشاط، ولديها مراكز إيواء ممتلئة بالمهاجرين الذين يقبض عليهم رسمياً، لكنّ تلك المليشيات تعاود بيعهم إلى تجار البشر". يؤكد أنّ جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية لا يمتلك سجلات رسمية بأعداد المحتجزين في تلك المراكز حتى تتسنّى له المتابعة.
يتابع المسؤول الأمني: "قرقارش وجنزور غرب العاصمة، وبئر الأسطى ميلاد وزوارة شرقها، فيها مراكز احتجاز للمهاجرين رسمية وغير رسمية. الأخيرة يسمح للمنظمات والحكومة بزيارتها، وهي التي تجرى فيها عمليات نقل المهاجرين منها إلى دولهم بشكل رسمي. لكنّ المراكز الرسمية عددها أكبر ولا يسمح بزيارتها وفيها تجرى عمليات البيع والشراء"، مؤكداً أنّ أغلب من فيها يقبض عليهم أثناء إبحارهم، أو وهم على الشواطئ، فيعاد بيعهم مجدداً إلى تجار البشر.
يكشف المصدر أنّ "تلك المليشيات مرتبطة بتجار البشر في مناطق غريان وبني وليد والقربولي، شرق طرابلس، وفي زوارة غربها"، متسائلاً: "كيف تبخر 8500 مهاجر عثر عليهم في صبراته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إثر تحريرها من سيطرة مليشيات تجارة البشر، وأعلن عن نقلهم إلى طرابلس؟". يتابع: "أقل من ربع هذا العدد دخل إلى مراكز الإيواء الرسمية، لكنّ ثلاثة أرباعهم تناهبتهم تلك المليشيات في الطريق قبل وصولهم، لتعيد بيعهم مجدداً".
تدخل إيطالي
من جهته، يعترف القيلوشي بصعوبات جمة تواجه الحكومة للسيطرة على الملف: "بالإضافة إلى عقبة المليشيات المسلحة التي تدين لها الحكومة ببسط سيطرتها على طرابلس كقوات تابعة لها، تعترض الحكومة عقبات أخرى مثل عدم امتلاك أغلب المهاجرين أوراقاً ثبوتية رسمية، أو فقدانهم لها أثناء الإبحار، ما يصعب عمليات نقلهم إلى بلدانهم التي لا ترغب في الغالب في إعادتهم إليها، متحججة بأنّهم لا يمتلكون أوراقاً تثبت أنّهم ينتمون إليها".
يقول القيلوشي: "هناك سبل أخرى تحاول الحكومة من خلالها السيطرة على الملف، منها الاستعانة بدول كبرى أعلنت عن استعدادها لتقديم العون. في ديسمبر/ كانون الأول الماضي جرى التوقيع مع الجانب الإيطالي لإنشاء غرفة مشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية دخلت فيها أطراف أخرى منها أجهزة أمنية ومكتب النائب العام بالإضافة إلى الاستخبارات من الجانبين". يلفت إلى أنّ الاتفاق الذي وقع بحضور وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي أثناء زيارته إلى طرابلس يشير إلى تركيز السلطات الإيطالية على المهاجرين المحتجزين في مراكز إيواء غير رسمية تقع خارج سلطة الدولة. يعتبر القيلوشي أنّ الحكومة تكافح من أجل إشراك أكبر عدد من الدول المعنية في الملف بغية تقليل حجم المهاجرين الذين يعبرون إلى ليبيا عبر حدودها، وبالتالي إضعاف سلطة وسيطرة تجار البشر والمليشيات في هذا النشاط.
بدوره، يقول المصدر الأمني إنّ "سلطة حكومة الوفاق تبدو محرجة أكثر بعدما كشفت تقارير أممية رسمية تورط قواتها في نشاط تجارة البشر، ولذلك هي مصرّة على حسم هذا الملف على الأقل في طرابلس". يشير المصدر الأمني إلى تقرير سري للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي، تداولته وسائل إعلام محلية ودولية، مطلع فبراير/ شباط الماضي، يؤكد أنّ معظم الجماعات المسلحة الناشطة في عمليات تهريب البشر في ليبيا لها صلات بالمؤسسات الأمنية الرسمية في البلاد.
يقول الخبراء الذين أعدوا التقرير بتكليف من مجلس الأمن إنّ "معظم هذه الجماعات المسلحة تنتمي اسمياً إلى المؤسسات الأمنية الرسمية". وكشفوا في التقرير أنّ مهاجرين إريتريين أبلغوهم أنّه جرى اعتقالهم على يد قوات الردع الخاصة، التابعة رسمياً لوزارة داخلية حكومة الوفاق، وسلمتهم إلى عصابات تهريب متعددة.
غضّ نظر
تقارير منظمات الأمم المتحدة لم تتوقف عند هذا الحد، ففي تقرير لمنظمة "يونيسف" تأكيد على أنّ "المليشيات في طرابلس أنشأت مراكز احتجاز خاصة بها، من المستحيل معرفة عددها".
وخلال زيارتها إلى عدد من هذه المراكز للاطلاع على حياة الأطفال المجبرين على العيش فيها، نقلت "يونيسف" عن مسؤولين من وزارة الداخلية رافقوا موظفيها في تلك الزيارة أنّ "في طرابلس 13 مركز احتجاز غير قانوني تديرها المليشيات المسلحة ولا يمكننا حتى الاقتراب من هذه المناطق، لأنّ هذا يعرّض حياتنا للخطر". وأكد هؤلاء أنّ قادة المليشيات "يمتلكون أكواماً من الأموال نظراً لابتزازهم المهاجرين وطلبهم فدى من أسرهم". ودافع المسؤولون عن سلطة وزارتهم بالقول: "ليس لدينا المال لشراء الطعام لرعاية أولئك المهاجرين وهي معضلة تجعلنا نتباطأ في إغلاق تلك المراكز".
أثناء زيارة فريق "يونيسف" لأحد تلك المراكز في منطقة القربولي، شرق طرابلس، التي تعتبر من أنشط المناطق في تهريب البشر عبر البحر، نقلت عن مسؤول آخر قوله: "في القربولي لا يملك حرس السواحل موارد كافية، كما أنّهم خائفون بسبب التهديدات التي تصدرها المليشيات التي تسيطر على تهريب البشر. حين يرى حرس السواحل قارباً يبحر فإنّهم ببساطة يغضون الطرف عنه ولا يقولون أيّ شيء ويتظاهرون أنهم لا يرونه".
يكشف التقرير عن حالة أحد مراكز الإيواء الرسمية: "مركز الإيواء 2 يحرسه عنصران خارج المبنى، ويضمّ نحو 40 فتى تزدحم بهم منطقة القضبان الحديدية التي تفصل منطقة الرجال عن منطقة النساء". وينقل عن المحتجزين طلبهم المساعدة ورجاءهم أن يخرجهم موظفو المنظمة من سجنهم الذي يعد رسمياً مركز إيواء.