انتقادات حقوقية لمحاكمة فتيات "تيك توك" في مصر: النيابة تفرض تصوراتها عن القيم الأسرية
استنكرت سبع منظمات حقوقية مصرية استهداف النيابة العامة المصرية لعدد من الفتيات والشابات من مستخدمي موقع "تيك توك"، وإحالتهن إلى المحاكمة بتهم مثل إهدار القيم الأسرية وغيرها.
كذلك أعلنت المنظمات، في بيان مشترك، استنكارها ما سمته بـ"الحملة الأمنية المتواصلة التي تقودها النيابة العامة بحق المدونين على منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك"، بزعم حماية قيم الأسرة المصرية، بينما تتجاهل في الوقت نفسه آلاف البلاغات بشأن التعذيب والاختفاء القسري والإهمال الطبي في السجون، والتحريض الإعلامي المباشر بالقتل والعنف".
وطالبت المنظمات النيابة بالتوقف عن رقابة الحسابات الإلكترونية الشخصية والزجّ بأصحابها في السجون باتهامات فضفاضة ليس لها تعريف قانوني، كالاعتداء على قيم الأسرة المصرية وتقاليد المجتمع، طالما لم يثبت تورطهم في جرائم الحض على العنف أو الكراهية، كاستثناء وحيد يقره الدستور على حق الأفراد في ممارسة حرية التعبير والإبداع.
كذلك استهجنت المنظمات الحقوقية على وجه الخصوص تصرف النيابة العامة في قضية الضحية “آية” المعروفة باسم “منة عبد العزيز”، التي حولتها النيابة من ضحية اغتصاب إلى متهمة بـ“التحريض على الفسق والفجور”، وأمرت بحبسها أربعة أيام ثم 15 يوماً. وكانت “آية” قد ظهرت في فيديو ادّعت فيه تعرضها لجريمة اغتصاب مصورة، وابتزازها بنشر الفيديو، ورغم ثبوت الواقعة أمرت النيابة العامة بحبس الضحية.
وفي 30 مايو/ أيار الماضي أصدرت النيابة العامة بياناً استعرضت فيه وقائع القضية، ملقيةً باللوم على الضحية بسبب نشرها فيديوهات رأت النيابة أنها تتضمن تحريضاً على الفجور.
ورغم أن النيابة قررت في 9 يونيو/ حزيران استبدال الحبس الاحتياطي للضحية بالإيداع في إحدى دور الرعاية، إلا أن النيابة لم تُسقط عنها الاتهامات، وما زالت رهن التحقيق رغم وحشية ما تعرضت له، بل إن قرار إيداعها دور الرعاية، بحسب بيان النيابة، لم يكن لأنها ضحية لجريمة اغتصاب، وإنما لأن سلوكها بحاجة لتقويم.
وفي واقعة أخرى، أمرت النيابة العامة في إبريل/ نيسان الماضي بضبط وإحضار الطالبة حنين حسام عبد القادر، وحبسها أربعة أيام على ذمة التحقيق، مشيرةً في بيانها إلى “اعتداء المتهمة على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري”.
وهي التهمة نفسها الموجهة للطالبة مودة الأدهم وثلاث أخريات في مارس/ آذار الماضي على ذمة القضية 1047 لسنة 2020 جنح مالية، المعروفة إعلامياً بقضية "فتيات التيك توك"، كما تكرر استخدم التهمة نفسها مؤخراً مع شريفة رفعت، وابنتها نورا، في 10 يونيو/ حزيران الماضي.
وقالت المنظمات إن هذه الملاحقات الأمنية تعد أحد تطبيقات القانون المعيب رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات (حول الجريمة السيبرانية)، التي تعاقب المادة 25 منه بالحبس ستة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من اعتدى على ما سماه القانون المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري.
و"نظراً لأن المشرع يدرك استحالة وضع تعريف جامع مانع لقيم تتغير بتغير الزمان والمكان، في مجتمع شديد التنوع متعدد الأعراق والأديان والطوائف والثقافات"، تقول المنظمات، "أبقى على هذه المصطلحات الفضفاضة التي تفتح الباب أمام التأويلات. ومن ثم على النيابة العامة ألا تغتصب لنفسها بالمخالفة للقانون والدستور سلطة فرض لائحة قيم أسرية تتوهم أنها قابلة للتعميم على مجتمعات متنوعة ريفية وحضرية وبدوية ونوبية، تستلهم قيم أديان وعقائد مختلفة وثقافات متعددة".
جدير بالذكر أن قانون الجريمة الإلكترونية قد سبق أن حذرت منه عدد من المنظمات الحقوقية واعترضت عليه، باعتباره يؤسس في مواده، بزعم مكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات، لتقييد الحق المشروع في حرية التعبير، مستخدماً مصطلحات فضفاضة مثل الإضرار بالاقتصاد الوطني أو الأمن القومي أو استقلال واستقرار وأمن الوطن.
وقالت المنظمات إن النيابة العامة "أساءت استخدام هذا النص الفضفاض في ترسيخ الرقابة والسلطوية على الأفراد، مستعينةً بـوحدة الرصد بمكتب النائب العام، التي ترفع شعاراً فاشياً: تطهير السوشيال ميديا بالتعاون مع الإدارة العامة لحماية الآداب بوزارة الداخلية. وقد عكست بيانات النيابة العامة مؤخراً هذه النظرة الأبوية والتسلطية، التي تمنح نفسها، بالمخالفة للدستور والقانون، سلطة الوصاية الأخلاقية على المجتمع وتربية الشباب".
المنظمات الموقعة هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وبلادي للحقوق والحريات، وكوميتي فور جستس، ومبادرة الحرية.