انتفاضة لبنانية

26 اغسطس 2015
انتفاضة الشباب اللبناني تشعل أمل خلاص البلد
+ الخط -
ليست الحروب وحدها ما يقذف الشعوب إلى البدائية، ففي لبنان يعيش المواطنون في مرحلة غابرة، بسبب الفساد الذي انعكس تراجعاً دراماتيكياً في نوعية الخدمات العامة.

إذ يدفع هذا البلد أكثر من ملياري دولار سنوياً على مؤسسة الكهرباء. مبلغ يضيع في مزاريب الهدر، فلا ينتج أكثر من 4 ساعات من التغذية الكهربائية يومياً، في غالبية المناطق خارج بيروت الإدارية، حيث تحظى الأخيرة بكهرباء 21 ساعة يومياً. لذا، لا يزال الشمع سلعة أساسية متوافرة في كل بيت، خصوصاً لدى العائلات الفقيرة غير القادرة على شراء بدائل كهربائية أو الاشتراك بمولدات الكهرباء. ويمكن لطائرة تمر فوق لبنان ليلاً، أن ترى تحتها سحابة ضخمة وسوداء تكسر حدة عتمتها بعض الأضواء المتناثرة في المناطق، وبطبيعة الحال مصابيح السيارات.

من جهة أخرى، لا تزال قلوب اللبنانيين تنقبض مع كل قدوم لفصل الصيف كل عام، حيث ينخفض منسوب المياه إلى مستويات قياسية، فتنقطع عن البيوت تماماً، في ظل عدم قيام الحكومات المتعاقبة بمشاريع توقف هدر المياه، وفي ظل اهتراء عام في الشبكة المائية.

حال الصرف الصحي ليس أفضل، إذ لا يزال عدد من المناطق النائية خارج أي خطة لتمديد شبكات الصرف الصحي، لا بل إن مناطق في بيروت نفسها تفتقر حتى اليوم الى هذه الشبكات، أما البديل فهو ضخ الصرف الصحي من هذه المناطق إما في الأودية الجبلية أو في البحر.

أما خلال فصل الشتاء، فترتفع في كل مرة أسعار المازوت بشكل مفاجئ، وفي كل مرة يتم رمي اللوم على زيادة الطلب من أجل التدفئة، بدلاً من التصويب على الاحتكار ومن يدعمه. ومع اتساع رقعة الفقر في مناطق الأطراف، يلجأ المواطنون إلى مواقد الفحم، أو إلى قطع الأشجار لتأمين مخزون الحطب.

هكذا، يعيش اللبنانيون عرضاً متواصلاً في كل عام، يبحثون عن بدائل عن الخدمات والسلع المفقودة بفعل الفساد والإهمال، برغم أنها أصبحت من ضمن أساسيات الحياة في غالبية الدول، نامية كانت أم متقدمة.

وتمتد مظاهر التخلف الحضاري إلى التشريع، فإذا بموازنة البلاد التي تحدد آليات وحجم الإيرادات المجباة من المال العام، وطرق إنفاق هذا المال، لا تزال ممنوعة من الإقرار منذ أكثر من 10 سنوات. والملفت في هذا الإطار أن السلطة التي تمتنع عن إقرار الموازنة ولا تجد الحلول للخلافات التي تدور حول هذه القضية، هي السلطة نفسها التي اجترحت حلولاً "بدائية" في الإنفاق عبر سلفات الخزينة.

وفوق كل هذا "التعتير"، تأتي خدمات الاتصال الخلوي، التي تعيش في نفق الفساد ذاته، حيث يدفع اللبنانيون واحدة من أغلى فواتير الاتصال في العالم (بين 11 و25 سنتاً على الثانية)، في مقابل خدمة تعيسة ينقطع فيها الاتصال لأكثر من مرة، في ظل عدم توسيع الشبكات في مقابل رفع أعداد المشتركين سنوياً. واقع، يدفع عدداً كبيراً من اللبنانيين خلال ذروة انقطاع الاتصالات، للامتناع عن استعمال هذه الخدمة. وتأتي في الإطار ذاته، خدمة الإنترنت "الفظيعة"، التي لم تقبع في هامش قلة السِّعات الدولية وارتفاع كلفتها، ما جعل من عبارة "بطيء"، من أكثر الكلمات المستخدمة لوصف سرعة الإنترنت السلحفاتية.

لكل ما سبق، نزل الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع، وكانت الشرارة، النفايات المتراكمة أمام بيوتهم بسبب فساد أطراف السلطة ومحاولتهم تناتش كعكة استثمار جمع النفايات ومعالجتها. في لبنان، أدخلت أطراف السلطة ذاتها محازبيها لكي يفضّوا التحركات.

في لبنان، انطلقت انتفاضة، والناس هتفت للخلاص، وقضّت مضجع كل فاسد.
... هناك أمل.
المساهمون