استأنفت مجموعات الحراك المدني في لبنان تحرّكاتها، اليوم الخميس، في عددٍ من المناطق اللبنانية، حيث قطع المحتجون بعض الطرق بالإطارات المشتعلة اعتراضاً على الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والفساد السياسي والمالي والمصرفي التي جوّعت الشعب اللبناني وحرمته أبسط حقوقه وأدخلته في نفقٍ مظلمٍ مع ارتفاع معدّل البطالة والفقر وتدهور قيمة العملة الوطنية.
واعتصم عدد من الناشطين مساءً أمام مصرف لبنان في الحمرا، وسط بيروت، بمواكبة أمنية مشددة رفضاً لاستمرار سعر صرف الدولار بالتحليق بعيداً وكسره الأرقام القياسية في سوق الصرافين بعد تخطيه عتبة 3800 ليرة لبنانية، الخميس، وبقاء سعر الصرف الرسمي على 1515 ليرة.
ورفع المحتجون شعارات تدعو إلى إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتتهم الحاكم وجمعية المصارف والطبقة السياسية "بالتواطؤ وسرقة أموال أصحاب الودائع بالدولار، الصغيرة والمتوسطة، والسعي وراء تنفيذ خطة ترمي إلى حماية المصارف وأصحاب الودائع الكبيرة تحضيراً لبيع أملاك وقطاعات الدولة المنتجة".
وبالتزامن مع هذه التحركات، ترتفع حدّة السجال بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب وفريقه الوزاري، إذ "انتفض" برّي على الحكومة متهماً إياها بالبقاء في موقع المتفرج أو الشاهد على ما يجري من فلتان مالي وادعاء الحرص على عدم تجويع الناس.
ودعا بري الحكومة إلى أن تبادر الآن وقبل فوات الأوان إلى ممارسة سلطتها القانونية والإجرائية لوقف الانهيار الدراماتيكي لسعر صرف الليرة اللبنانية، وذلك قبل يوم من كلمة حسان دياب، غداً الجمعة، التي أكد رئيس الحكومة، الأربعاء، أنها ستحمل الكثير من المواقف المتشددة حول موضوع سعر صرف الدولار وتعاميم مصرف لبنان.
أمس أيضاً، حصل تراشق اتهامات في جلسة الأربعاء التشريعية التي عقدت في قصر "الأونيسكو" في بيروت بين الرئيسين دياب وبري، حول الطرف المسؤول عن تطيير اقتراحات القوانين الإصلاحية وفقدان النصاب وإلغاء الجلسة، التي كان من المقرر عقدها اليوم، لمتابعة درس مشاريع القوانين التي تتمتع بصفة العجلة.
وبعد مناقشة مشروع قانون فتح اعتماد إضافي لتغطية شبكة الأمان الاجتماعي على مدى سنة، والذي أحيلَ إلى لجنة نيابية لدراسته، فقدت الجلسة نصابها، ما دفع دياب إلى الطلب من بري فتح جلسة مسائية لاستكمال النقاش في المشروع، لكن رئيس مجلس النواب ردّ "ما حدا بيفرض عليي شيء، والمشروع يحال كي تبته اللجان النيابية في غضون 15 يوماً".
المواقف استُكمِلَت خارج الجلسة، إذ أشار دياب في تصريح، إلى أنّ الهجوم على الحكومة متوقع، لكنه تمنّى ألّا يؤثر ذلك على الأمن الغذائي والاجتماعي. ليستأنف بري ردّه على دياب من خلال الأمانة العامة لمجلس النواب، التي عادت وأصدرت بياناً مسائياً رأت فيه أنّ "على الحكومة أن تتعلم كيفية إرسال مشاريع القوانين إلى مجلس النواب قبل التطاول عليه".
"كيمياء مفقودة"
"الكيمياء مفقودة بين الرجلين"، يقول مصدر وزاري لـ"العربي الجديد"، ويؤكد أن المواقف الهجومية ليست إلّا سلسلة من الرسائل المتبادلة بين بري ودياب التي تظهر إلى العلن عند كلّ استحقاق، تماماً كما حصل في قضية اللبنانيين العائدين من الخارج وطريقة تدخل رئيس مجلس النواب لحلّ الملف مهدداً بتعليق تمثيله في الحكومة، وموجهاً كلاماً مباشراً وقاسياً لمجلس الوزراء بشخص رئيسه، مروراً بالتعيينات المالية التي هزّت ركائز الحكومة، وصولاً إلى مواقف بري الحادّة من مسألة قضم الودائع التي حسمها بقوله "اقرأوا الفاتحة وترحموا على الهيركات"، بمجرد تسريب معلومات تفيد بأنّ الحكومة ستسلك هذا الاتجاه في خطتها الاقتصادية.
ويشير المصدر إلى أنّ الرئيس دياب التقى، اليوم، في السرايا الحكومي عضو "كتلة التنمية والتحرير" النيابية التي يرأسها بري، النائب علي حسن خليل، الذي كانت له هو الآخر مواقف لافتة، أمس الأربعاء، بوجه الحكومة، وتبادل الرجلان الحديث عن وقائع الجلسة، والقوانين التي أقرت وتلك التي تم تأجيلها.
وأكد خليل لدياب أن الرئيس بري ممتعض جداً من طريقة تعاطي مجلس الوزراء مع ملف المصارف والصرافين، وهو يحذّر من أن استمرار هذا النهج سيولد انفجاراً شعبياً اجتماعياً لم يسبق أن حصل في لبنان. فما كان من دياب إلا أن أكد لخليل أنه سيعلن غداً عن سلسلة مواقف حاسمة ورادعة لتجاوزات المصارف والصرافين التي تخطّت كل الخطوط الحمراء.
تحفيز الحكومة
بدوره، يؤكد عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب هاني قبيسي، لـ"العربي الجديد"، أنّ التصريحات التي تصدر عن الرئيس بري "تدخل في إطار النقاش وحثّ حكومة دياب على ضرورة الإسراع في إنجاز خطة اقتصادية في ظلّ انفلات الوضع الاقتصادي واقتراب سعر صرف الدولار إلى حدود الأربعة آلاف ليرة لبنانية، وهي ليست عبارة عن مواقفٍ من الحكومة بالذات، فكيف ذلك ورئيس مجلس النواب ممثلٌ فيها؟".
ولفت إلى أن ما حصل في الجلسة التشريعية هو تبادل مواقف وتفسيرات في الأصول القانونية المتبعة لناحية توجيه الكتب وعقد الجلسات وتطيير النصاب وما إلى هنالك.
ويرى قبيسي أنه لا يمكن تصنيف العلاقة بين بري ودياب بحسب المواقف التي تطاول عمل الحكومة اليومي، لأن الانتقاد لا يعني الخلاف أو الاشتباك بل هو تحفيز لمجلس الوزراء للقيام بواجباته.
ويضيف: "انطلاقاً من هنا، لا يمكن أن نقف ونتفرّج على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعملة الوطنية من دون البدء بخطة إصلاحية عاجلة تنقذ لبنان واللبنانيين من الانهيار، تضع برنامجاً واضحاً أمام المصارف، وتضبط الصرافين، لأن هناك فريقاً واحداً في البلد يشتري الدولار وهو المصارف، التي بدورها تساهم في رفع سعر الدولار، لذلك على الحكومة أن تتخذ إجراءات فورية لرفع الظلم عن الشعب من خلال رؤية اقتصادية جديدة".
ويترقب الشارع اللبناني المنتفض التوصيات التي ستصدر عن المجلس الأعلى للدفاع، يوم غد الجمعة، بعد الاجتماع الذي سيعقده في قصر بعبدا قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء برئاسة الرئيس ميشال عون عند الساعة الثانية والنصف ظهراً، بحيث سيناقش التطورات الأمنية، والقرار الذي ستتخذه الحكومة بشأن حالة التعبئة العامة التي يفترض أن تنتهي في 26 إبريل/نيسان الحالي، بعد تمديدها مرّتين منذ 15 مارس/آذار الماضي.
وأكد مصدر في اللجنة الوزارية المعنية بملف كورونا لـ"العربي الجديد"، أنّ "الاتجاه هو تمديد حالة التعبئة العامة أسبوعين إضافيين، أي لغاية 10 مايو/أيار المقبل، والتخفيف من حدّة الإجراءات والمحال التي يمكن إعادة فتح أبوابها بدءاً من يوم الاثنين المقبل، والخطوات المقبلة تبقى رهن نتائج الفحوصات التي سيخضع لها اللبنانيون العائدون من الخارج بعد استئناف رحلات العودة في 27 إبريل الجاري".