انتفاضة حدوديّة في وجه التهميش

18 فبراير 2015
يحتج شباب الجنوب منذ مدة مطالبين بفرص حقيقية للتنمية(الأناضول)
+ الخط -

"ما وقع يومها كان أشبه بحملة إبادة"، تقول نورا، أخت الجريح حسين المليان المصاب برصاصة في الكتف امتدت إلى الرئة ووصلت إلى عموده الفقري، من مدينة الذهيبة الحدودية مع ليبيا خلال الاحتجاجات الأخيرة التي عرفها الجنوب التونسي. وتضيف نورا، لـ"جيل العربي الجديد": "سمع حسين يوم الحادثة بإصابة أحد أصدقائه وهبّ لنجدته، لكنه أصيب. وقد أعلمني الطبيب أنه يعاني من شلل نصفي قد يفقده إمكانية المشي".

وحسين المليان شاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين، تقول أخته إنه دائم الحركة والنشاط ومن الصعب إعلامه بحقيقة وضعه الصحي الآن.

حسين وغيره الكثير من شباب مدينة الذهيبة من محافظة تطاوين يحتجون منذ مدة مطالبين بفرص حقيقية للتنمية والعمل، وهي مطالب قديمة لم يتم التعاطي إيجابياً معها منذ سنوات، حسب سكان الجهة. وعلى مدى السنوات الماضية شهدت الجهة احتجاجات مماثلة في أكثر من مرة، في ظل حكم المخلوع بن علي أو بعد الثورة.

لم تقتصر الاحتجاجات على محافظة تطاوين، بل شملت أيضاً محافظة مدنين، وخاصة مدينة بن قردان، والتي تقع قرب معبر رأس الجدير الحدودي الرئيسي مع ليبيا.

تأتي الاحتجاجات بعد أيام قليلة من تسلّم حكومة ائتلافية جديدة مهامها، ما يشير إلى حجم التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة في التعامل مع الاحتجاجات في مناطق عديدة، ومن أهمها الجنوب التونسي.

ويقول زياد المقبلي، وهو من شباب محافظة تطاوين، وناشط في الجمعية الجهوية لحاملي الشهادات العليا العاطلين عن العمل: "لا وجود للدولة في مدينتنا. فسّرنا مطولاً للحكومات المتعاقبة بعد الثورة حالة التهميش التي تعيشها الجهة رغم ما تزخر به من ثروات طبيعية، لكن ما ينقصنا أساساً الإرادة السياسية لتحقيق التغيير".

ويرى المقبلي أن "مطالب أبناء الجهة ممكنة ومتواضعة ومن شأنها أن تقلّص نسبة البطالة المرتفعة التي تعتبر أعلى نسبة في البلاد التونسية، إذ تقدّر بحوالي 37 في المئة".

ويطالب أهالي محافظتي تطاوين ومدنين بالتنمية في منطقة لا تتوفر فيها مصانع أو مشاريع اقتصادية بارزة. وقد تطورت الاحتجاجات مع فرض الحكومة التونسية رسوماً مالية على مغادري التراب التونسي من الأجانب باتجاه ليبيا على مستوى المعبرين الحدوديين "الذهيبة وازن" و"رأس الجدير"، وردت الحكومة الليبية بفرض رسوم مضاعفة من جانبها، ما ساهم في تضييق الحركة التجارية بين المعابر. ويؤدي إغلاق المعابر على الحدود الليبية من حين إلى آخر إلى تضرر آلاف العائلات المرتبط رزقها ارتباطاً مباشراً بالتجارة الموازية مع ليبيا.

"لا بد من تتبّع الفرقة الأمنية التي أصابت أخي بالرصاص الحي وأصابت عدداً من شباب الجهة واعتمدت غازاً مسيلاً للدموع ومنتهي الصلاحية لتفريق المحتجين، وقتلت أيضاً وفي اليوم نفسه ابن عمي صابر المليان"، تقول نورا، وهي تتذكر يوم الأحد الثامن من فبراير/ شباط 2015.

وتُطرح أسئلة كثيرة حول التعامل الأمني مع الاحتجاجات في تونس قبل الثورة وبعدها. ويتهم سكان الذهيبة قوات الأمن بالاستعمال "المفرط" للقوة خلال الأحداث الأخيرة، ما أدى إلى مقتل الشاب صابر المليان وإصابة حسين المليان وآخرين.

وبحسب تقرير نشره البنك الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2013، يتكبّد الاقتصاد التونسي سنوياً خسائر بقيمة حوالي 600 مليون يورو بسبب "التجارة الموازية" مع الجارتين ليبيا والجزائر.

وطرحت الحكومة التونسية سنة 2009 مشروعاً لإنشاء منطقة للتبادل الحر على الحدود التونسية الليبية تمكّن من الحد من التهريب والتجارة الموازية، وذلك عقب احتجاجات شعبية كبرى، لكن المشروع بقي حبراً على ورق حتى اليوم.

ويلقي أهالي الجنوب التونسي الحدودي باللوم على مؤسسات الدولة لعدم تركيزها أنشطة اقتصادية أو مشاريع تنموية مشغّلة يمكنها أن تخفف من الارتباط الكامل للجهة مع ليبيا، إضافة إلى توفير موارد رزق لشباب الجهة تغنيهم عن التهريب. كما يطالب المحتجون بتتبّع كبار المهربين وكشف مَن يدعمهم ومن يتستر عليهم بدلاً من محاصرة شبان يقتاتون من ليترات قليلة من البنزين، على حد تعبيرهم.

وأعلنت الحكومة التونسية عن استعدادها لدراسة إمكانية تعليق العمل بـ"معلوم" مغادرة البلاد التونسية بالنسبة لمواطني الدول المغاربية كافة، وفتحها تحقيقاً في مقتل الشاب صابر المليان، كما زار وفد حكومي مناطق الاحتجاجات واستمع لمطالب المحتجين. لكن نورا المليان وغيرها من شباب الجنوب التونسي الحدودي، يؤكدون أن كل ما يسمعونه لا يتعدى أن يكون وعوداً قائمة على التسويف مع غياب تغيير ملموس.

ويقول الهاشمي نصر، أحد المحتجين في الذهيبة: "سنواصل اعتصامنا واحتجاجاتنا السلمية، وإن لم تتوصل الحكومة إلى حلول عاجلة لمشاكل الجهة، فإننا سنحول الاعتصام إلى أمام مجلس نواب الشعب بالعاصمة التونسية".

تتواصل الاحتجاجات في الجنوب التونسي الحدودي مع ليبيا ويتواصل حلم نورا المليان وعائلتها برؤية حسين ماشياً على قدميه من جديد، وبمعاقبة مَن أصاب ولدهم وباقي شباب المدينة، ويصر زياد المقبلي والهاشمي نصر وباقي الشباب على مطالبهم التنموية. يقولون: "نحن قوة ضغط ومتابعة ولن نستسلم". مطالب تقتصر على إقرار بعض المشاريع التنموية المشغّلة وتوفير بعض المنشآت الأساسية لضمان حياة كريمة تغيّر شعور الغبن والتهميش لديهم.


(تونس)

المساهمون