وكشف مسؤول رفيع في وزارة التخطيط العراقية لـ "العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، عن "ارتفاع غير مسبوق في عدد المدارس الخاصة بالعراق، وصل عددها إلى 1495 مدرسة ابتدائية وثانوية، واحتلت بغداد والبصرة والنجف المرتبة الأولى تليها محافظات الأنبار وبابل وذي قار والقادسية".
وبيّن المسؤول أن تلك المدارس تضم نحو 13 ألف مدرس ومعلم، غالبيتهم من المتقاعدين أو غير المعينين في ملاك الدولة، وإنها تستوعب نحو 150 ألف طالب عراقي هجروا المدارس الحكومية المجانية خلال السنوات القليلة الماضية بسبب سوء التعليم، وانهيار بناها التحتية، وضعف العملية التربوية فيها عموماً مقارنة بالمدارس الخاصة.
ولفت إلى أن الأمر نفسه ينطبق على المستشفيات العراقية الحكومية التي باتت خيار الفقراء بالعراق فقط، والتي تفتقر لإمكانيات العلاج والرعاية المناسبة وحسن التعامل مع المرضى. وأشار المسؤول إلى ارتفاع معدلات الوفيات بالمستشفيات الحكومية بالعراق خلال السنوات الأربع الماضية إلى ستة أضعاف، مع إهمال المرضى بمن فيهم الجرحى من القوات العراقية، معتبراً أن حسابات سياسية ومحاباة أوصلت الوزارتين إلى هذا المستوى.
وتأجل طلب استجواب وزير التربية الذي تقدم به النائب رياض غالي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن 35 ملف فساد وفشل إداري بالوزارة. في حين أفلتت عديلة حمود من الإقالة إثر صفقة استيراد أحذية طبية بقيمة تبلغ نحو مليار دولار تبين فسادها. ووفقاً لمصادر برلمانية فإن الأحزاب الإسلامية دخلت في مقايضة استجوابات وزرائها، وأغلقت ملفي الوزارتين.
يشار إلى أن وزارة التربية العراقية يرأسها الوزير محمد إقبال الصيدلي وهو عضو بالحزب الإسلامي العراقي أحد الأحزاب السنية بالعراق، في حين تتولى وزارة الصحة الوزيرة عديلة حمود وتنتمي لحزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي.
وأوضح أن عدد المنشآت الطبية الخاصة التي افتتحت أخيراً بلغ أكثر من 70 منشأة، وبات القطاع مزدهراً بفعل انهيار الخدمات الصحية الحكومية، لافتاً إلى أن مستثمرين أتراكاً ولبنانيين وإيرانيين يبحثون في العراق عن استثمار تجاري بقطاع الصحة.
وأكد أن تقريراً حكومياً عن أمانة مجلس الوزراء قيّم وزارتي التربية والصحة على أنهما الأفشل في الحكومة، في حين سجل نجاحاً كبيراً لوزارة الدفاع في أدائها، بعد كسرها شوكة تنظيم "داعش" وتحرير كامل الأراضي العراقية من سيطرته.
وقال عضو البرلمان العراقي علي شكري لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة ليست في كوادر الوزارتين من ناحية فنية بل الفشل في إدارة المال العام وتوفير الخدمات".
وأضاف "المؤكد عدم توفر الخدمات وانهيار البنى التحتية، ما يؤدي إلى توجه الناس نحو الخدمات الصحية والتعليمية الخاصة"، مبيناً أنه "من الطبيعي أن يبحث المواطن عن بدائل، وهذا ينعشها ويزيد عددها".
أوضح عضو البرلمان العراقي ومقرر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان محمد العبد ربه، لـ"العربي الجديد" بأن "الوزارتين لا تخلوان من الفساد المالي والإداري لذلك يهجر المواطن مؤسساتها بحثاً عن الأفضل، خصوصاً أن التعليم والصحة قطاعان مهمان وخطران أيضاً". وأضاف "يوماً بعد يوم ينحدر التعليم والقطاع الصحي وقطاعات حكومية أخرى بالبلاد، ولا توجد مراقبة ولا عقوبات، لذلك يذهب الناس إلى المكان الجيد للتعليم والطبابة".
عضو التيار المدني حسام العيسى أوضح أن "الغالبية العظمى من الوزراء والمسؤولين والسياسيين ممن تعيش أسرهم بالعراق ينخرط أبناؤهم في مدارس خاصة، ويتعالجون في مستشفيات تركيا ودبي وبيروت وعمان ولندن، ولا يقتربون من المستشفيات الحكومية لعلمهم بفشلها وسوء حالها". وتابع "إن وزارتي الصحة والتربية دليل على فشل حكومة المحاصصة الطائفية بالبلاد، ونكسة لعدم استجوابهما (الوزيران حمود والصيدلي) بالبرلمان وإقالتهما أو حتى إحالتهما للقضاء" .
مقارنة بالأرقام
قاضٍ في محكمة النزاهة العراقية ببغداد، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، أشار إلى عشرات ملفات الفساد داخل الوزارتين منذ عام 2008 ولغاية اليوم.
وقال لـ"العربي الجديد"، "نعم هناك فساد، وفساد فاضح ومخيف. إذا تحدثنا بلغة الأرقام كانت موازنة وزارة التربية العراقية لعام 2002 قبيل الغزو الأميركي للبلاد 6 ملايين دولار فقط، واحتل قطاع التعليم بالعراق المرتبة الثالثة على مستوى الدول العربية. أما اليوم فموازنة الوزارة تبلغ 3 مليارات دولار، وخرجت من تصنيف التعليم العربي والعالمي، والمدارس منهارة والناس تهرب للقطاع الخاص التعليمي".
وتابع "كانت موازنة وزارة الصحة في العام نفسه 16 مليون دولار، وحققت معدلات كبيرة في القضاء على شلل الأطفال والجدري المائي والسل، وأنجزت تطعيم 5 ملايين طفل عراقي، و3 ملايين امرأة، ورفعت عدد أسّرة المستشفيات إلى 36 ألف سرير، وأجرت نحو مليون ونصف المليون عملية جراحية سنوياً، وكان مرضى من الأردن واليمن والسودان وفلسطين يأتون للعلاج مجاناً لدى العراق. أما اليوم فموازنة الوزارة أربعة مليارات دولار، والمستشفيات صارت محطة انتقال من الدنيا إلى الآخرة".