عاش جيلي وأملٌ عظيم يراوده: ألا نحشرج حشرجتنا الأخيرة، قبل أن نسمع حشرجة دولة الاستبداد إيّاها. فإما أن تحشرج معنا، أو حتى قبلنا (وليُغفر لنا هذا الطمع)، فنغادر مرتاحين، وقد تنفّسنا الصعداء، نحو المجهول.
ولما كانت جميع الحقوق في بلادنا مسألة يُنظر إليها من زاوية بلاغية فقط، فقد طال الانتظارُ ويطول وسيطول.
لهذا سنتواضع ـ كما يفعل البشر الفانون ـ فنطالب من الآن فصاعداً بتوفير حرية التوهان على الأرصفة غير المرصوفة. وحرية الهذيان ـ بعدما روقب وعوقب في الفيسبوك ـ في دروب الخلاء، الترابية منها والحصوية والطينية، مع الاحتفاظ بوضع الكمامة على الفم، وذلك لتمتين الرئتين، وتعزيز القدرة على استقبال وجبات الحصى.
لقد تغلّبت تلك الدولة ـ والحق يُقال ـ طوال تاريخها غير السعيد، على اثنين لا غير: شعبِها والكاريكاتير. ولهذا فإن جيلي، كان وسيبقى، شديد التعاطف معهما.
فحقيقة أن شعوبنا ورسّامي الكاريكاتير مساكين. فالأولى فَرَطت إلا من بضعة أنفاس، والأخيرون لا يستطيعون الإتيان بأي إبداع، حيث صارت كل إنجازاتهم خلف ظهورهم لا أمامهم.
حقاً، إن العيش تحت نير الاستبداد العظيم، يسدّ النفْس ويقمع المخيّلة عن أي نوايا تجديدية.
لكنْ، وبطبيعة الحال، ثمة بقايا عزاء لشعوبنا ولرسامينا: ففي البحر المضطرب، يستطيع الصيادون فرك أيديهم، والجلوس على الشاطىء بانتظار السمك.