انتصار ناقص ورهان خطر

19 ابريل 2017

أردوغان في أنقرة بعد التصويت.. خسر أم ربح؟ (17/4/2017/Getty)

+ الخط -
ليس هذا هو النصر الذي كان الزعيم، رجب طيب أردوغان، يحلم به، نسبة 51,4% ‏من الأصوات وافقت على تغيير طبيعة النظام من برلماني إلى رئاسي، تعطي لرئيس تركيا المبرّر القانوني لتغيير نظام الحكم، لكنها لا تعطي الزعيم شرعيةً سياسيةً كبيرة لصناعة لحظة توافق وطني حول دستور البلاد الذي يلعب دوراً أكبر من توزيع الصلاحيات بين المؤسسات، فالدستور يرسي، قبل هذا وذاك، قواعد العقد الاجتماعي الذي يجمع كل أبناء البلد، ويجد الجميع فيه نفسه، بغض النظر عن توجهه السياسي أو مذهبه الأيدولوجي.. هذا لم يحصل مع نازلة الاستفتاء في تركيا أخيراً.
نعم، هناك مليون و378 ألف صوت صنعت الفرق بين "نعم" و"لا" التي حصلت على 48.6%، وعلى 23 مليون و775 ألف صوت، لكننا هنا لسنا إزاء انتخابات عادية، أو استفتاء روتيني. نحن أمام لحظة فارقة في عمر الدولة التركية الحديثة التي تأسست قبل مائة سنة، ونظام وضع أسسه أب الدولة التركية الحديثة، كمال أتاتورك، سنة 1922 تحت اسم "تشكيلات أساس"، وأقر الطابع البرلماني للحكم الذي يوزّع السلطة بين رئاسة البلد ورئاسة الوزراء، ويقيم توازناً بين البرلمان والحكومة، ويعطي قيمة أكبر للأحزاب السياسية، ويجعل رئيس الدولة رمزاً غير حزبي فوق الجميع، ليلعب دور الحكم، حتى وإن لم تكن له سلطات فعلية.
وجهان في عملة نتيجة الاستفتاء هذا، نقرأ في الوجه الأول أن الزعيم التركي ابن حارة أحمد باشا مازال يتوفر على شعبية مهمة في بلاده، على الرغم من مرور 15 عاماً على وصوله إلى السلطة، وعلى الرغم من أنه خاض حملةً ذكية وشرسة، استعمل فيها الهوية الوطنية والاستهداف الخارجي لاستثارة المشاعر الوطنية، وتوجيهها للدفاع عن ملفٍ ضعيف، من حيث المرتكزات التي يقوم عليها، وقد نجح في الحصول على 51% من الأصوات في انتخاباتٍ مفتوحة. ويمكن أيضاً أن نرى في نسبة المشاركة المرتفعة في الاستفتاء (85.4%) دليلاً على ثقة الأتراك في نزاهة نظامهم الانتخابي، وعلى أن الشعب التركي ما زال قادراً على حسم أكبر الخلافات بين أبنائه، ولو كانت من حجم طبيعة نظام الدولة بآلياتٍ سلميةٍ متحضرة، بفارق 1.4%‏ من الأصوات، وليس 99.99%‏ كما هو الأمر في العالم العربي المنكوب ديمقراطياً، وهذا مكسب لجميع الأتراك، من ربح الاستفتاء ومن خسره، في منطقة أزمات سائلة ومعقدة.
لكن، إذا نظرنا إلى الوجه الآخر من عملة هذا الاستفتاء، سنرى أن أردوغان ربح رهان السلطة، لكنه خسر صورة الزعيم المسلم الديمقراطي الذي يقدم نموذجاً عالمياً لتصالح الإسلاميين الأتراك مع النظام الديمقراطي العصري. لاحظوا أن أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) خسرا الاستفتاء في معقليهما الكبيرين، إسطنبول التي تضم 20% من السكان، وأنقرة عاصمة البلاد. والمدينتان معاً تعتبران خزّانين انتخابيين كبيرين للحزب، وهذا معناه أن (أبناء) أردوغان، قبل خصومه، لم يوافقوه الرأي تماماً، ولم يروا جدوى معقولة من تغيير النظام البرلماني، وإعطاء شخص واحد سلطات كبيرة في دولةٍ مركزية، وليست فيدرالية كما هي الولايات المتحدة الأميركية. ويتحجج أردوغان بضرورة تسريع الإصلاحات الكبرى في البلاد، ومواجهة المؤامرات التي تحيط بتجربته في الداخل والخارج، لكنه ينسى أن الذي حمى النظام الديمقراطي في تركيا، وأنقذ رأس أردوغان نفسه، الصيف الماضي، من الانقلاب، هو الشعب الذي نزل عاري الصدر إلى الشارع للتصدّي لدبابات الجيش.
يبقى التفسير الأقرب إلى الموضوعية الميل لدى سلطان الأتراك الجديد إلى الاستفراد بالقرار، والمسّ بالطابع الليبرالي للنظام التركي، وإن احترم شكليات القواعد الديمقراطية التي لا تختزل في صناديق الاقتراع، بل يقوم جوهرها على مبادئ متكاملة، منها الفصل بين السلطات، واحترام حرية التعبير والصحافة، واستقلالية القضاء، وتعدّدية الأحزاب، و... .
صحيحٌ أن أردوغان قاد بلاده إلى نجاحات اقتصادية كبيرة، وضاعف معدل دخل الفرد ثلاث مرات في 12 عاماً، ووضع مشروعا ًكبيراً للنهوض بالدولة التي تجر خلفها إرثاً إمبراطورياً كبيراً، لا يخفي أردوغان حلم بعثه مجدّداً، لكن المشروع الذي يتوقف إنجاحه على فردٍ واحد ليس مشروع أمة، بل حلم فرد. عنونت صحيفة تركية صدر صفحتها الأولى، أمس، بسؤال أردوغان: ها أنت فزت في الاستفتاء، فهل ضميرك مرتاح؟
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.