شكّلت الفرحة الإسرائيلية باعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمةً لإسرائيل، حالة شبه إجماع قل نظيرها، على الرغم من أن محللين كثراً من اليمين و"اليسار" شككوا بمدى تأثير هذا الاعتراف على أرض الواقع، واعتباره بمثابة اعتراف أو تطبيع مع الواقع الراهن في القدس. والفرحون في اليمين والمتحفظون في "اليسار" دافعهم مشترك، وهو أن إعلان ترامب يقضي على حل الدولتين وفرص التوصل لتسوية مع الفلسطينيين.
لكن يمكن القول إنّ هذا الاعتراف هو انتصار لليمين الإسرائيلي، تحديداً الاستيطاني و"المسيحاني" الذي يقع على يمين الليكود. أولاً، بسبب تبنّي الإدارة الأميركية تصوّرات صهيونية يؤمن بها اليمين الاستيطاني بشأن القدس وفلسطين عموماً، مثل علاقة اليهود بالمدينة على مر التاريخ ومنذ ثلاثة آلاف عام؛ وثانياً، كون هذا القرار يضع حداً بنظرهم لفكرة تقسيم المدينة، شرقية وغربية، وعملياً يعني إنهاء فكرة حل الدولتين، لأن أي قائد فلسطيني مهما كان "معتدلاً" لن يقبل دولة فلسطينية من دون القدس. أما عدم ذكر ترامب لحدود القدس المعترف بها، فهذا في صالح اليمين، لأنه يريد ابتلاع أراضٍ فلسطينية بلا سكان وضمها للمدينة وإخراج مناطق مكتظة بالعرب مثل بلدة كفر عقب ومخيم شعفاط، أي أن "القدس العاصمة" قد تطاول أراضي أخرى في الضفة الغربية.
شأن داخلي أميركي
يُنسب تصريح إلى وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، من سبعينيات القرن الماضي قال فيه إن ليس لدى إسرائيل سياسة خارجية وإنما سياسية داخلية فقط. وعلى بعد أربعة عقود، بمقدورنا القول إنّ هذا التصريح ينطبق أيضاً على السياسة الأميركية الحالية، التي يبدو أن موقفها من الحقوق الفلسطينية التاريخية يتعلق بالحسابات الداخلية الأميركية، مرةً على شكل انتخابات رئاسية ومرةً على شكل تحقيقات بشبهة التآمر مع الروس. لكن الشيء الثابت هو مصالح إسرائيل في هذه الحسابات الداخلية.
قبل تسعة أعوام تقريباً، تحديداً في حزيران/ يونيو 2008، ألقى المرشح الرئاسي باراك أوباما خطاباً في مؤتمر "إيباك" وصفته "يديعوت أحرونوت" حينها بـ"خطاب الهدية" و"خطاب سطحي جداً، خطاب تاريخي جداً"، بعد أن أطلق مواقف صهيونية، منها ضمان التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي، لكن الأهم أنه قال فيه إنّ أي دولة فلسطينية يجب أن تضمن أمن إسرائيل، وأن تُبقي عليها دولة يهودية عاصمتها القدس التي يجب أن تظل مدينة موحّدة غير مقسمة. نعم، الحديث لأوباما وليس لبنيامين نتنياهو أو أحد غلاة اليمين الذين يرددون صباح مساء بأن أي تسوية يجب أن تضمن بقاء إسرائيل يهودية وعاصمتها القدس الموحدة والأبدية.
هذا الموقف الخطير أطلقه أوباما في "خطاب القسم"، أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني، خلال منافسته على الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي أمام هيلاري كلينتون، ويبدو أن هذا الخطاب أعطاه الدفعة اللازمة لهزيمة كلينتون. وقد قدّم القدس على طبق من ذهب للوبي الصهيوني مقابل وصوله لسدة الحكم في واشنطن، كأن القدس وحقوق الفلسطينيين التاريخية أوراق مساومة أو لتقديم الطاعة للوبي الصهيوني. والرد العربي الأبرز على خطاب أوباما كان على لسان معمر القذافي الذي وصف أوباما بـ"الأخ الكيني" الجاهل بالشرق الأوسط.
في ظرف مختلف، لكن لحسابات داخلية أيضاً، قرر ترامب تنفيذ ما صرّح به أوباما 2008، لكن مع بعض "التخفيضات"، مثل عدم ذكر القدس موحدة أو عدم تقسيمها في أي تسوية محتملة، إلى جانب عدم ذكر أو الاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية. أي أن خطاب ترامب أقل خطورة وصهيونية من خطاب المرشح أوباما. وفي الحالتين جرى التعامل مع حقوق الفلسطينيين التاريخية كأنها شأن أميركي داخلي، مثل خطة التأمين الصحي أو التعديلات الضريبية وغيرها.
وعلى الرغم من خطاب أوباما الصهيوني إياه واعتراف الجهات الأمنية الإسرائيلية أن ولايتيه بالحكم وثّقتا التعاون الأمني بين البلدين بمستوى غير مسبوق، إلا أن ترامب وصف فترة أوباما أمام مؤتمر إيباك العام الماضي بأنها "ربما كانت أسوأ ما حصل لإسرائيل!".
ماذا استفادت إسرائيل؟
على المدى القريب الفوري، ليس هناك أي أبعاد جدية ملموسة لإعلان ترامب سوى إنقاذ نتنياهو من أزمة التحقيقات بشبهات الفساد الذي تلاحقه وإعطائه دفعة قوية تحفظ حكم اليمين، ورفع معنويات هذا اليمين وفتح شهيته لمزيد من الاستيطان والاقتلاع. لكن أوساط اليمين ذاته تقر أن وصف الإعلان بأنه بمثابة تصريح بلفور أمر مبالغ فيه. وفي تقديري أن المعنى الحقيقي للاعتراف وترجمته على الأرض ستحددهما السياسة الإسرائيلية والمستوطنين في الفترة المقبلة. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما نقلته صحيفة "معاريف" عن مصدر دبلوماسي غربي هذا الشهر، جاء فيه أن خطوة ترامب ربما مؤشر يأس وليست مؤشر قوة، بعدما تبيّن له أن "صفقة الصفقات" التي يتحدث عنها مستبعدة ومستعصية، لذا قرر إلقاء هذه القنبلة ليبدو كمن يفي بتعهداته الانتخابية، بعد خيبته في تنفيذ وعود مهمة مثل بناء جدار مع المكسيك وغيره. وإذا كانت "صفقة الصفقات" مستعصية فإن الاستيطان الإسرائيلي سيفلت من عقاله في الفترة المقبلة لإعادة رسم معالم الجغرافيا والديمغرافيا في كل فلسطين.
على المدى البعيد، يرى اليمين الإسرائيلي الحاكم وفي مقدمته "البيت اليهودي" ودوائر المستوطنين، أن تصريح ترامب هو مدخل جدي لحسم الصراع على أرض فلسطين لمصلحة الصهيونية، وإنهاء فكرة تقسيم القدس وما يترتب على ذلك من تعزيز الاستيطان في القدس الشرقية، وطرد أكبر عدد من المقدسيين من المدينة وضم كتل استيطانية كبيرة إليها لضمان التوازن الديمغرافي لمصلحة اليهود، وعزل المدينة المقدسة عن محيطها الفلسطيني، وإنهاء فكرة حل الدولتين من خلال "الضم الزاحف" لمناطق واسعة في الضفة، تحديداً المناطق "ج" التي تشكل أكثر من 60 في المائة من الضفة، وعملياً وأد إمكانية إقامة كيان سياسي فلسطيني له سيادة حقيقية وتواصل جغرافي في الضفة، وفي أحسن الأحوال إنشاء دولة فلسطينية "ماينوس"، كما قال نتنياهو في خطاب بالكنيست، ونقل الثقل السياسي والاقتصادي الفلسطيني إلى قطاع غزة أو ما يسمى مشروع "دولة غزة" بالتنسيق مع دول عربية حليفة لإسرائيل.
إلى جانب ذلك، يعتبر اليمين الإسرائيلي أن سياسته الصارمة والعدوانية في ممارسة الاستيطان والتهجير وتجاهل الضغوطات الدولية هي التي انتصرت في نهاية المطاف، وأدت إلى أن الدولة الأقوى في العالم تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وشرعنة الممارسات الاحتلالية في المدينة وخارجها.
فبالنسبة لنتنياهو، فإن إعلان ترامب، على رمزيته، أهم من بناء مئات الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية في الوقت الراهن، لأنه سيجر اعترافات مماثلة من دول مختلفة في الفترة المقبلة، كما يشرع الاستيطان الصهيوني في القدس وعموم الضفة المحتلة.
فرصة تاريخية
يدرك اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه نتنياهو، أن الولايات المتحدة تنسحب في السنوات الأخيرة من المنطقة وتأثيرها أو انشغالها بقضايا المنطقة يتراجع بشكل كبير كما يحصل في سورية مثلاً، لذا، يرى أن وجود ترامب والطاقم الصهيوني المحيط به في البيت الأبيض فرصة تاريخية لانتزاع قرارات أميركية تاريخية، حتى لو كانت رمزية مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وهم يدركون أن أيام ترامب قد لا تطول في البيت الأبيض، لذا يسابقون الزمن لتحقيق ما أمكن لضمان تفوق إسرائيل حتى بعد الانكفاء الأميركي عن المنطقة.
إعلان ترامب هو انتصار لليمين الإسرائيلي الاستيطاني الديني المتطرف ومشروعه قبل أن يكون انتصاراً لإسرائيل، وترجمة انعكاسات الإعلان على أرض الواقع ستحدده إسرائيل من خلال ممارساتها بالقدس والضفة المحتلة، لكن أيضاً سيكون للفلسطينيين، قيادة وشعباً، دور في ترجمة هذا القرار. ففي فلسطين المعركة تجري على الأرض وفيها.
أخيراً، كرر المتحدثون الأميركيون والإسرائيليون أن اعتراف ترامب لن يغيّر شيئاً في الوضع القائم (ستاتيكو) في القدس، وهذه هي المشكلة فلسطينياً، لأن الوضع القائم هو احتلال واستيطان واقتلاع، يعني خسارة زاحفة للفلسطينيين في القدس والضفة. والمطلوب فلسطينياً هو انقلاب على هذا الوضع والتحرر منه، وليس ترسيخه من خلال ما يسمى "عملية السلام". خطوة ترامب فرصة ذهبية للفلسطينيين لإعادة الاعتبار لقضيتهم واستعادة روح نضالهم ضد الاستعمار الاستيطاني حتى هزيمة الصهيونية في فلسطين.
لكن يمكن القول إنّ هذا الاعتراف هو انتصار لليمين الإسرائيلي، تحديداً الاستيطاني و"المسيحاني" الذي يقع على يمين الليكود. أولاً، بسبب تبنّي الإدارة الأميركية تصوّرات صهيونية يؤمن بها اليمين الاستيطاني بشأن القدس وفلسطين عموماً، مثل علاقة اليهود بالمدينة على مر التاريخ ومنذ ثلاثة آلاف عام؛ وثانياً، كون هذا القرار يضع حداً بنظرهم لفكرة تقسيم المدينة، شرقية وغربية، وعملياً يعني إنهاء فكرة حل الدولتين، لأن أي قائد فلسطيني مهما كان "معتدلاً" لن يقبل دولة فلسطينية من دون القدس. أما عدم ذكر ترامب لحدود القدس المعترف بها، فهذا في صالح اليمين، لأنه يريد ابتلاع أراضٍ فلسطينية بلا سكان وضمها للمدينة وإخراج مناطق مكتظة بالعرب مثل بلدة كفر عقب ومخيم شعفاط، أي أن "القدس العاصمة" قد تطاول أراضي أخرى في الضفة الغربية.
شأن داخلي أميركي
يُنسب تصريح إلى وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، من سبعينيات القرن الماضي قال فيه إن ليس لدى إسرائيل سياسة خارجية وإنما سياسية داخلية فقط. وعلى بعد أربعة عقود، بمقدورنا القول إنّ هذا التصريح ينطبق أيضاً على السياسة الأميركية الحالية، التي يبدو أن موقفها من الحقوق الفلسطينية التاريخية يتعلق بالحسابات الداخلية الأميركية، مرةً على شكل انتخابات رئاسية ومرةً على شكل تحقيقات بشبهة التآمر مع الروس. لكن الشيء الثابت هو مصالح إسرائيل في هذه الحسابات الداخلية.
قبل تسعة أعوام تقريباً، تحديداً في حزيران/ يونيو 2008، ألقى المرشح الرئاسي باراك أوباما خطاباً في مؤتمر "إيباك" وصفته "يديعوت أحرونوت" حينها بـ"خطاب الهدية" و"خطاب سطحي جداً، خطاب تاريخي جداً"، بعد أن أطلق مواقف صهيونية، منها ضمان التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي، لكن الأهم أنه قال فيه إنّ أي دولة فلسطينية يجب أن تضمن أمن إسرائيل، وأن تُبقي عليها دولة يهودية عاصمتها القدس التي يجب أن تظل مدينة موحّدة غير مقسمة. نعم، الحديث لأوباما وليس لبنيامين نتنياهو أو أحد غلاة اليمين الذين يرددون صباح مساء بأن أي تسوية يجب أن تضمن بقاء إسرائيل يهودية وعاصمتها القدس الموحدة والأبدية.
هذا الموقف الخطير أطلقه أوباما في "خطاب القسم"، أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني، خلال منافسته على الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي أمام هيلاري كلينتون، ويبدو أن هذا الخطاب أعطاه الدفعة اللازمة لهزيمة كلينتون. وقد قدّم القدس على طبق من ذهب للوبي الصهيوني مقابل وصوله لسدة الحكم في واشنطن، كأن القدس وحقوق الفلسطينيين التاريخية أوراق مساومة أو لتقديم الطاعة للوبي الصهيوني. والرد العربي الأبرز على خطاب أوباما كان على لسان معمر القذافي الذي وصف أوباما بـ"الأخ الكيني" الجاهل بالشرق الأوسط.
في ظرف مختلف، لكن لحسابات داخلية أيضاً، قرر ترامب تنفيذ ما صرّح به أوباما 2008، لكن مع بعض "التخفيضات"، مثل عدم ذكر القدس موحدة أو عدم تقسيمها في أي تسوية محتملة، إلى جانب عدم ذكر أو الاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية. أي أن خطاب ترامب أقل خطورة وصهيونية من خطاب المرشح أوباما. وفي الحالتين جرى التعامل مع حقوق الفلسطينيين التاريخية كأنها شأن أميركي داخلي، مثل خطة التأمين الصحي أو التعديلات الضريبية وغيرها.
وعلى الرغم من خطاب أوباما الصهيوني إياه واعتراف الجهات الأمنية الإسرائيلية أن ولايتيه بالحكم وثّقتا التعاون الأمني بين البلدين بمستوى غير مسبوق، إلا أن ترامب وصف فترة أوباما أمام مؤتمر إيباك العام الماضي بأنها "ربما كانت أسوأ ما حصل لإسرائيل!".
ماذا استفادت إسرائيل؟
على المدى القريب الفوري، ليس هناك أي أبعاد جدية ملموسة لإعلان ترامب سوى إنقاذ نتنياهو من أزمة التحقيقات بشبهات الفساد الذي تلاحقه وإعطائه دفعة قوية تحفظ حكم اليمين، ورفع معنويات هذا اليمين وفتح شهيته لمزيد من الاستيطان والاقتلاع. لكن أوساط اليمين ذاته تقر أن وصف الإعلان بأنه بمثابة تصريح بلفور أمر مبالغ فيه. وفي تقديري أن المعنى الحقيقي للاعتراف وترجمته على الأرض ستحددهما السياسة الإسرائيلية والمستوطنين في الفترة المقبلة. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما نقلته صحيفة "معاريف" عن مصدر دبلوماسي غربي هذا الشهر، جاء فيه أن خطوة ترامب ربما مؤشر يأس وليست مؤشر قوة، بعدما تبيّن له أن "صفقة الصفقات" التي يتحدث عنها مستبعدة ومستعصية، لذا قرر إلقاء هذه القنبلة ليبدو كمن يفي بتعهداته الانتخابية، بعد خيبته في تنفيذ وعود مهمة مثل بناء جدار مع المكسيك وغيره. وإذا كانت "صفقة الصفقات" مستعصية فإن الاستيطان الإسرائيلي سيفلت من عقاله في الفترة المقبلة لإعادة رسم معالم الجغرافيا والديمغرافيا في كل فلسطين.
على المدى البعيد، يرى اليمين الإسرائيلي الحاكم وفي مقدمته "البيت اليهودي" ودوائر المستوطنين، أن تصريح ترامب هو مدخل جدي لحسم الصراع على أرض فلسطين لمصلحة الصهيونية، وإنهاء فكرة تقسيم القدس وما يترتب على ذلك من تعزيز الاستيطان في القدس الشرقية، وطرد أكبر عدد من المقدسيين من المدينة وضم كتل استيطانية كبيرة إليها لضمان التوازن الديمغرافي لمصلحة اليهود، وعزل المدينة المقدسة عن محيطها الفلسطيني، وإنهاء فكرة حل الدولتين من خلال "الضم الزاحف" لمناطق واسعة في الضفة، تحديداً المناطق "ج" التي تشكل أكثر من 60 في المائة من الضفة، وعملياً وأد إمكانية إقامة كيان سياسي فلسطيني له سيادة حقيقية وتواصل جغرافي في الضفة، وفي أحسن الأحوال إنشاء دولة فلسطينية "ماينوس"، كما قال نتنياهو في خطاب بالكنيست، ونقل الثقل السياسي والاقتصادي الفلسطيني إلى قطاع غزة أو ما يسمى مشروع "دولة غزة" بالتنسيق مع دول عربية حليفة لإسرائيل.
إلى جانب ذلك، يعتبر اليمين الإسرائيلي أن سياسته الصارمة والعدوانية في ممارسة الاستيطان والتهجير وتجاهل الضغوطات الدولية هي التي انتصرت في نهاية المطاف، وأدت إلى أن الدولة الأقوى في العالم تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وشرعنة الممارسات الاحتلالية في المدينة وخارجها.
فبالنسبة لنتنياهو، فإن إعلان ترامب، على رمزيته، أهم من بناء مئات الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية في الوقت الراهن، لأنه سيجر اعترافات مماثلة من دول مختلفة في الفترة المقبلة، كما يشرع الاستيطان الصهيوني في القدس وعموم الضفة المحتلة.
فرصة تاريخية
يدرك اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه نتنياهو، أن الولايات المتحدة تنسحب في السنوات الأخيرة من المنطقة وتأثيرها أو انشغالها بقضايا المنطقة يتراجع بشكل كبير كما يحصل في سورية مثلاً، لذا، يرى أن وجود ترامب والطاقم الصهيوني المحيط به في البيت الأبيض فرصة تاريخية لانتزاع قرارات أميركية تاريخية، حتى لو كانت رمزية مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وهم يدركون أن أيام ترامب قد لا تطول في البيت الأبيض، لذا يسابقون الزمن لتحقيق ما أمكن لضمان تفوق إسرائيل حتى بعد الانكفاء الأميركي عن المنطقة.
إعلان ترامب هو انتصار لليمين الإسرائيلي الاستيطاني الديني المتطرف ومشروعه قبل أن يكون انتصاراً لإسرائيل، وترجمة انعكاسات الإعلان على أرض الواقع ستحدده إسرائيل من خلال ممارساتها بالقدس والضفة المحتلة، لكن أيضاً سيكون للفلسطينيين، قيادة وشعباً، دور في ترجمة هذا القرار. ففي فلسطين المعركة تجري على الأرض وفيها.
أخيراً، كرر المتحدثون الأميركيون والإسرائيليون أن اعتراف ترامب لن يغيّر شيئاً في الوضع القائم (ستاتيكو) في القدس، وهذه هي المشكلة فلسطينياً، لأن الوضع القائم هو احتلال واستيطان واقتلاع، يعني خسارة زاحفة للفلسطينيين في القدس والضفة. والمطلوب فلسطينياً هو انقلاب على هذا الوضع والتحرر منه، وليس ترسيخه من خلال ما يسمى "عملية السلام". خطوة ترامب فرصة ذهبية للفلسطينيين لإعادة الاعتبار لقضيتهم واستعادة روح نضالهم ضد الاستعمار الاستيطاني حتى هزيمة الصهيونية في فلسطين.