10 نوفمبر 2024
انتخابات فرنسا حمّالة أوجه
نشر جان لوك ميلونشون على موقعه الإلكتروني لعبة فيديو، يأخذ فيها رسم متحرّك يشبه محياه أموال الأغنياء لتمويل حملته الانتخابية، أو إعادة توزيعها على الفقراء. هذا المرشح عن حزب جبهة اليسار للانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي ستجري على دورتين في 23 من شهر أبريل/ نيسان الجاري، وفي 7 من شهر مايو/ أيار المقبل، يتقدّم في استطلاعات الرأي، ليصل إلى تحقيق نسبة 16%. ويعتمد هذا الوزير الاشتراكي السابق على خطاب شعبوي، يُحطّم فيه مسلمات الحياة السياسية الفرنسية التقليدية. كما يدعو إلى تحطيم الجمهورية الخامسة والتأسيس للجمهورية السادسة. ويُسهب في التطرّق إلى حلول اقتصادية عجائبية تُخرج البلاد من أزمةٍ نسبيةٍ، وتعيد الملايين إلى سوق العمل، وتعزّز نظام التأمين الصحي، وتأخذ من الأغنياء لتعطي للفقراء. شعارات رنّانة تكاد تكون مثالية، ويمكن لكل فرد أن يسعى إلى تحقيقها، وبالتالي إلى انتخاب من يعده بتحقيقها. إلا أن الشعبوية الفجّة التي يعتمدها هذا المرشح، وتلعب على أوتار السيادة الوطنية وتفكيك المؤسسات التقليدية وإعادة النظر في الديمقراطية القائمة لجعلها أكثر شعبيةً (عبارة الديمقراطية الشعبية لا تشير لنا بالإيجابي من التجارب حتماً). وفي دغدغةٍ إضافيةٍ للمشاعر البدائية لأية مجموعة بشرية، يرغب ميلونشون في فرض ثقافة الاستفتاء على كل مجريات الأمور، وعلى كل القرارات المرتبطة بالبلاد، وأولها الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي. يُضاف إلى ذلك أنه من المعجبين إلى حد الثمالة بفلاديمير بوتين، البعيد كل البعد عن مبادئ اليسار كما الديمقراطية، وزعيم القيصرية الرأسمالية الجديدة في روسيا العائدة إلى الساحة الدولية، بقوة السلاح ودهاء الدبلوماسية وعجز الديمقراطيات الغربية، وكأنه لم يسمع بعد بزوال الاتحاد السوفييتي.
يلاقي ميلونشون في شعبويته ورغبته في تفكيك المؤسسات والخروج من الاتحاد الأوروبي
وطرح الحلول الاقتصادية الخيالية والقرب العضوي من بوتين، المرشحة الأخرى عن حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبين، ابنة أبيها المؤسس والمشهور بدوره التعذيبي إبّان احتلال الجزائر، والذي تابع فاشيته السياسية بالتأسيس لحزبٍ يمينيٍ متطرّف، تحاول وريثته أن تُضفي عليه هالةً من المرونة، وتُبعد عنه ـ خصوصاً ـ حقيقةً تأسيسيةً، قامت على معاداة السامية. ويتجسّد الاختلاف بينهما في العلاقة مع موسكو بارتباطاتٍ ماليةٍ عبر قروضٍ مسهّلةٍ من مصارف روسية للجبهة الوطنية ورئيستها، وارتباطات عقائدية مستندة إلى فهم سطحي لتطور الاتحاد الروسي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لدى ميلونشون ومريديه. وتقدّر الاستطلاعات أنها متقدمة للغاية على كل المرشحين، بما يعادل 25% من الأصوات، مع التنويه إلى أن كثيرين من ناخبي اليمين المتطرّف لا يمكن أن يبوحوا بميولهم "الشاذة" هذه، مما يمنحه عدة نقاط إضافية في الواقع الانتخابي.
مرشّح ثالث فاجأ الجميع بأن اليمين التقليدي "الديغولي" اختاره عن حزب الجهموريين، وهو فرانسوا فيون. وبعد أن كان رجل الدولة، آلان جوبيه، الأقوى حظوظاً، تضافرت جهودٌ سياسوية ومالية لإزاحته، وإحلال فيون مكانه. مرشحٌ بدأ حملته بالدعوة الى الشفافية وتعزيز المناقبية. وسرعان ما تبدّى أنه من أكثر مرشحي الانتخابات في تاريخ فرنسا الحديث يحمل ملفات قضائية، تتعلق بأنواع مختلفة من تهم الفساد. وقد تراجعت حظوظه بشكل قوي نتيجة فضح الصحافة ملفاته. وهو يقبع متراجعا في المركز الثالث في استطلاعات الرأي، ويحصل على 20%. وفي نقطة مشتركة مع المرشحين السابقين، فإن صداقته الشخصية مع الرئيس الروسي تجعله عضواً في نادي "معجبي بوتين" الفرنسي.
المرشح الرابع إيمانويل ماكرون هو من "خونة" الحزب الاشتراكي، حيث كان رجل فرانسوا هولاند المدلل، ليخرج عن طاعته وطاعة الحزب، وليرشّح نفسه مشكلاً تياراً سياسياً جديداً،
يتبنى الوسطية بين اليسار واليمين. هذا المصرفي اللامع يُركّز، في خطابه، على المسائل الاقتصادية. وقد طرح مجموعة خطط معقدة على المواطن العادي، أعجبت أصحاب الأعمال، ما دعاهم إلى تبني ترشيحه ودعمه بشكلٍ أثار قلق منافسيه وانتقادهم. ودولياً، هو شديد التمسك بالمشروع الأوروبي. وفي ما يتعلق بالملفات الأخرى، لا يبدو أن لديه مواقف قاطعة، إلا ما ظهر منها بعد الهجمة الكيماوية في سورية، حيث كان حاسماً في ضرورة تقديم المسؤولين عنها من النظام إلى محكمة دولية. ويحظى ماكرون حالياً بنسبة 24%، وهي أقل بنقطة عن مارين لوبين، لكن حظوظه تعتبر الأكبر، في حال وصوله إلى الدور الثاني، حيث ستصب لصالحها حينها أصوات نسبة كبيرة من باقي المرشحين، منعاً للتطرّف اليميني الخطر المقبل.
يبقى من المرشحين الخمسة الرئيسيين من ضمن 11 مرشحاً رئاسياً، الاشتراكي "الحقيقي" بونوا هامون. هذا الوزير السابق أيضا، والذي خرج من الحكومة الاشتراكية احتجاجاً على الانعطافات اليمينية التي تتالت، يتبنّى برنامجاً يسارياً حقيقياً. ويتمثل اختلافه عن ميلانشون في أن برنامجه واقعي، وليس خلّبيا، ولا يلعب على احتياجات الناس النفسية، ليسمعهم ما يحبون سماعه. مصيبة هامون هي في تخلي فيلة الحزب الاشتراكي عنه، وانضمامهم إلى ماكرون. ويبرر بعضهم بأنه يجب المراهنة على حصانٍ ذي حظوظ في الربح، ولو كانوا مؤمنين بأن هامون هو الأجدر لتمثيل الفكر اليساري الأقرب إلى الديمقراطية الاجتماعية. ويعتبر هامون، الحاصل حالياً فقط على 16% في استطلاعات الرأي، أكثر المرشحين وضوحاً في السياسة الخارجية، فهو يدعو إلى إنشاء الدولة الفلسطينية حلاً وحيداً، كما أنه يُدين جميع الطغاة من دون لبس.
تعتبر هذه الانتخابات الأصعب في استباق نتائجها، وتبقى جميع الاحتمالات أو جلّها مفتوحة.
يلاقي ميلونشون في شعبويته ورغبته في تفكيك المؤسسات والخروج من الاتحاد الأوروبي
مرشّح ثالث فاجأ الجميع بأن اليمين التقليدي "الديغولي" اختاره عن حزب الجهموريين، وهو فرانسوا فيون. وبعد أن كان رجل الدولة، آلان جوبيه، الأقوى حظوظاً، تضافرت جهودٌ سياسوية ومالية لإزاحته، وإحلال فيون مكانه. مرشحٌ بدأ حملته بالدعوة الى الشفافية وتعزيز المناقبية. وسرعان ما تبدّى أنه من أكثر مرشحي الانتخابات في تاريخ فرنسا الحديث يحمل ملفات قضائية، تتعلق بأنواع مختلفة من تهم الفساد. وقد تراجعت حظوظه بشكل قوي نتيجة فضح الصحافة ملفاته. وهو يقبع متراجعا في المركز الثالث في استطلاعات الرأي، ويحصل على 20%. وفي نقطة مشتركة مع المرشحين السابقين، فإن صداقته الشخصية مع الرئيس الروسي تجعله عضواً في نادي "معجبي بوتين" الفرنسي.
المرشح الرابع إيمانويل ماكرون هو من "خونة" الحزب الاشتراكي، حيث كان رجل فرانسوا هولاند المدلل، ليخرج عن طاعته وطاعة الحزب، وليرشّح نفسه مشكلاً تياراً سياسياً جديداً،
يبقى من المرشحين الخمسة الرئيسيين من ضمن 11 مرشحاً رئاسياً، الاشتراكي "الحقيقي" بونوا هامون. هذا الوزير السابق أيضا، والذي خرج من الحكومة الاشتراكية احتجاجاً على الانعطافات اليمينية التي تتالت، يتبنّى برنامجاً يسارياً حقيقياً. ويتمثل اختلافه عن ميلانشون في أن برنامجه واقعي، وليس خلّبيا، ولا يلعب على احتياجات الناس النفسية، ليسمعهم ما يحبون سماعه. مصيبة هامون هي في تخلي فيلة الحزب الاشتراكي عنه، وانضمامهم إلى ماكرون. ويبرر بعضهم بأنه يجب المراهنة على حصانٍ ذي حظوظ في الربح، ولو كانوا مؤمنين بأن هامون هو الأجدر لتمثيل الفكر اليساري الأقرب إلى الديمقراطية الاجتماعية. ويعتبر هامون، الحاصل حالياً فقط على 16% في استطلاعات الرأي، أكثر المرشحين وضوحاً في السياسة الخارجية، فهو يدعو إلى إنشاء الدولة الفلسطينية حلاً وحيداً، كما أنه يُدين جميع الطغاة من دون لبس.
تعتبر هذه الانتخابات الأصعب في استباق نتائجها، وتبقى جميع الاحتمالات أو جلّها مفتوحة.