19 أكتوبر 2024
انتخابات رئاسية أو حرب أهلية في فنزويلا
اشتراكية الإفقار مع ريع النفط ليست اشتراكية. من العام 1999 وإلى 2012 جَنَت فنزويلا 383 مليار دولار من عائدات النفط، وما طبّقه الرئيس الراحل شافيز وبعده مادورو من إجراءات لصالح الكتلة الأفقر، وتراجع الفقر في هذا البلد، لا يمكن موازاته مع الكتلة المالية تلك. الأسوأ أن فنزويلا تئن الآن تحت 150 مليار دولار ديون، وعدا ذلك هناك انهيار العملة وفقدان المواد الأساسية من الأسواق، والإضرابات المستمرة منذ تسلم مادورو الحكم في العام 2013، تزامنا مع انخفاض سعر النفط العالمي وتراجع العائدات المالية النفطية، وتزايد العقوبات الاقتصادية. وأوصل ذلك كله المعارضة إلى الانتصار في الانتخابات النيابية في 2015؛ والأسوأ أن مادورو التفَّ على البرلمان بتشكيل الجمعية التأسيسية في 2017، وتقريباً تسلمت كل مهام البرلمان، وتَشدّد في قمع المظاهرات، وبدأ ملايين السكان بالهروب من البلاد، وتصدعت أركان حكم شافيز نفسه.
لم يعتمد شافيز ولا مادورو اشتراكية أخرى سوى اشتراكية عائدات النفط، وإذا كانت خطوته سليمةً بالسيطرة على شركة النفط الوطنية، وإرجاع عائداتها إلى الحكومة، وتقديم مساعدات للفقراء وتقليص عددهم إلى النصف، فإن ذلك كله انهار تقريبا بعد العام 2013. بدأ مادورو يطوّر نظام طغيان، وإزاء اضطراره للاستمرار بالنظام الانتخابي، همّش المؤسسات، ولكنه لم يطرح سياسات جديدة، يتمكّن من خلالها من دمج المعارضة بالنظام "الاشتراكي"، ولكنه كذلك لم يغيّر من الطبيعة الاقتصادية للنظام، والذي ظلَّ محكوماً بآليات السوق الرأسمالي، وبالتالي
بقيت البلاد رهينة عائدات النفط بنسبة تجاوزت 95%، ولكنها دخلت في عداءٍ كبير مع أميركا، ومع الدول المحيطة بها.
وأفرزت الأزمة الاقتصادية التي تعاظمت بعد 2013 انتصاراً للمعارضة في البرلمان، وانهياراً للعملة التي استبدلت بها عملة إلكترونية، وبالتالي كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية قبل عدة أيام ضعيفة، وقاطعتها المعارضة. وكان هذا الإشكال يفرض على رئيسٍ، مشكوكٍ بشرعيته، ويحكم بلداً منهاراً اقتصادياً، ولديه معارضة قوية وتتسلم البرلمان، البحث عن آلياتٍ لتجاوز ازدواجية الحكم. تجاهل مادورو ذلك كله، وأقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، وهذا ما فجّر ازدواجية السلطة، ودفع زعيم المعارضة الليبرالية إلى إعلان نفسه رئيساً انتقالياً للبلاد، ما أدى إلى اعتراف أميركا وكندا وبريطانيا به، وتهديد فرنسا وإسبانيا وألمانيا بالاعتراف به إن لم يعمد مادورو إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة خلال أسبوع.
سيعمل زعيم البرلمان، وبما يمثّله من قوى اقتصادية وسياسية تابعة للولايات المتحدة الأميركية، ولديها رؤية اقتصادية ليبرالية، على إلغاء قوانين شافيز ومادورو وسياساتهما المطبقة، وسيخضع للشروط الأميركية بتطبيق إجراءات التقشف لتسديد الديون، أو لاستدانة المزيد، وهذا يعني إفقارا جديداً للشعب، وإضعافاً للسلطة، لكن الاقتصاد والشعب أيضاً منهاران بسبب السياسات "الاشتراكية". وبالتالي، يفرض الوضع الفنزويلي حلاً وطنياً بامتياز، والرئيس مادورو ذاته، وهو المدعوم من الجيش ومن مليشيات وأوساط شعبية، يعتبر معنياً بطرح مبادرة لإدارة الخلاف، وأيضاً الأمر نفسه يقع على رئيس البرلمان.
المشكلة الآن أن أزمة فنزويلا دُوّلت، ودخلت روسيا والصين وكوبا وإيران والمكسيك وتركيا إلى جانب مادورو، والدول المذكورة أعلاه ضدّه، والأخيرة مع إجراء انتخابات رئاسية خلال أسبوع. وأصبحت الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولم يعد ممكناً تجاوزها بالقمع أو الادعاء بالشرعية وعدم دستورية ترئيس رئيس البرلمان نفسه.
سارع اليسار العربي إلى دعم مادورو، ولم يقرأ الوضع الفنزويلي جيداً، والذي أصبح يتجاوز قضية عداء مادورو أميركا، فالقضية الأساس هي حالة الشعب الفنزويلي، والاقتصاد المنهار، والملايين التي تهرّب، والإجراءات القمعية التي اعتمد عليها مادورو منذ العام 2013 لقمع المعارضين. اليسار هذا، وانسجاماً مع رؤيته غير الديمقراطية وغير الاجتماعية "الاشتراكية"، أي عدم الوقوف إلى جانب قضايا الشعوب وحقوقها، وهو ما فعلته بإدارة الظهر للثورة السورية خصوصا، فهو يقف مع مادورو وضد حقوق الشعب الفنزويلي كما وقف مع النظام السوري! هذا اليسار يدعم فكرة أن مادورو نفسه متّهم بالفساد، وكذلك كبار مساعديه. ولا تدفع الإجراءات القمعية لمادورو إلى القول إنه أنهى كل شكل للديمقراطية، فالمعارضة انتصرت في الانتخابات البرلمانية، وهناك حجم كبير من الحريات، ولكن تشكيل الجمعية التأسيسية وإجراءات القمع والمليشيات التي شكّلها مادورو نفسه تدلّل أيضاً على ضعف الديمقراطية في هذا البلد، وقابليتها للتهميش أكثر فأكثر. وكتلة اليسار العربي بوقوفها مع مادورو، ومن دون
إعلان وقوفها مع الشعب الفنزويلي في الوصول إلى حقوقه، وتعزيز النظام الديمقراطي، تعلن وقوفها مع الإجراءات القمعية؛ هذا ما فعتله دائماً، فهي مع الاستبداد والقمع، وبحجة معاداة الإمبريالية.
وفي كل الأحوال، فنزويلا الآن مُجبرة على انتخابات رئاسية جديدة، وهذا سيكون الخيار الوحيد أمامها للخروج من ازدواجية السلطة التي تشكلت فعلاً. وبالتالي، على اليسار وغير اليسار دعم القرارات الدولية والفنزويلية المؤيدة للديمقراطية في هذا البلد، وكذلك للإبقاء على المساعدات للفقراء، والبحث عن حلول جدّية للأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب هذا البلد. وعدا خيار الانتخابات الرئاسية المبكرة، هناك خيار التمسّك بالسلطة، وهذا سيكون أكبر كارثة على فنزويلا التي تعتبر من أوائل الدول في ممارسة العنف عالمياً، وهناك أكثر من 70% من السكان تحت خط الفقر، وأجهزة أمنية قوية ومليشيات مدنية شكلها مادورو بعد 2013، وهذه يمكن أن تشعل حرباً أهلية حقيقية. الشعب الآن في الشارع، وهو يحتج ضد حكم مادورو، وهناك رئيس برلمان يميني أعلن نفسه رئيساً للبلاد، ومدعوم أميركياً، وتتجه الدول الإقليمية إلى دعمه "مجموعة ليما" كما أميركا والاتحاد الأوروبي.
كما أية ثورة اشتراكية أو شعبية، لا يمكن أن تنجح الثورة البوليفارية بالزعيق والعياط ضد الإمبريالية، كما تفعل الأحزاب الشيوعية والحوثيون وحزب الله والنظام الإيراني. إنها تنجح حينما تعطي للشعوب حقوقها، وأولها الحريات العامة والعدالة الاجتماعية وتصنيع الاقتصاد. بيانات الدعم لمادورو غير كافية، لأنّها لا تنتقد نظام حكمه، والذي قد يفجر حرباً أهلية لحماية نفسه، وسيسقط بعدها، أو انتخابات رئاسية جديدة، وسيسقط بها. حقوق الشعب هي مقياسُ أيّ تقييم للسياسات، والآن الشعب الفنزويلي في الشارع، وضد الولاية الثانية لمادورو، ولكنه سيقع بأيدي خوان غوايدو، والذي سيُعمّق الأزمة الاقتصادية في هذا البلد المنكوب بالتبعية والطغيان والنفط واليورانيوم والثروة المائية والذهب والحديد والفحم.
وأفرزت الأزمة الاقتصادية التي تعاظمت بعد 2013 انتصاراً للمعارضة في البرلمان، وانهياراً للعملة التي استبدلت بها عملة إلكترونية، وبالتالي كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية قبل عدة أيام ضعيفة، وقاطعتها المعارضة. وكان هذا الإشكال يفرض على رئيسٍ، مشكوكٍ بشرعيته، ويحكم بلداً منهاراً اقتصادياً، ولديه معارضة قوية وتتسلم البرلمان، البحث عن آلياتٍ لتجاوز ازدواجية الحكم. تجاهل مادورو ذلك كله، وأقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، وهذا ما فجّر ازدواجية السلطة، ودفع زعيم المعارضة الليبرالية إلى إعلان نفسه رئيساً انتقالياً للبلاد، ما أدى إلى اعتراف أميركا وكندا وبريطانيا به، وتهديد فرنسا وإسبانيا وألمانيا بالاعتراف به إن لم يعمد مادورو إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة خلال أسبوع.
سيعمل زعيم البرلمان، وبما يمثّله من قوى اقتصادية وسياسية تابعة للولايات المتحدة الأميركية، ولديها رؤية اقتصادية ليبرالية، على إلغاء قوانين شافيز ومادورو وسياساتهما المطبقة، وسيخضع للشروط الأميركية بتطبيق إجراءات التقشف لتسديد الديون، أو لاستدانة المزيد، وهذا يعني إفقارا جديداً للشعب، وإضعافاً للسلطة، لكن الاقتصاد والشعب أيضاً منهاران بسبب السياسات "الاشتراكية". وبالتالي، يفرض الوضع الفنزويلي حلاً وطنياً بامتياز، والرئيس مادورو ذاته، وهو المدعوم من الجيش ومن مليشيات وأوساط شعبية، يعتبر معنياً بطرح مبادرة لإدارة الخلاف، وأيضاً الأمر نفسه يقع على رئيس البرلمان.
المشكلة الآن أن أزمة فنزويلا دُوّلت، ودخلت روسيا والصين وكوبا وإيران والمكسيك وتركيا إلى جانب مادورو، والدول المذكورة أعلاه ضدّه، والأخيرة مع إجراء انتخابات رئاسية خلال أسبوع. وأصبحت الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولم يعد ممكناً تجاوزها بالقمع أو الادعاء بالشرعية وعدم دستورية ترئيس رئيس البرلمان نفسه.
سارع اليسار العربي إلى دعم مادورو، ولم يقرأ الوضع الفنزويلي جيداً، والذي أصبح يتجاوز قضية عداء مادورو أميركا، فالقضية الأساس هي حالة الشعب الفنزويلي، والاقتصاد المنهار، والملايين التي تهرّب، والإجراءات القمعية التي اعتمد عليها مادورو منذ العام 2013 لقمع المعارضين. اليسار هذا، وانسجاماً مع رؤيته غير الديمقراطية وغير الاجتماعية "الاشتراكية"، أي عدم الوقوف إلى جانب قضايا الشعوب وحقوقها، وهو ما فعلته بإدارة الظهر للثورة السورية خصوصا، فهو يقف مع مادورو وضد حقوق الشعب الفنزويلي كما وقف مع النظام السوري! هذا اليسار يدعم فكرة أن مادورو نفسه متّهم بالفساد، وكذلك كبار مساعديه. ولا تدفع الإجراءات القمعية لمادورو إلى القول إنه أنهى كل شكل للديمقراطية، فالمعارضة انتصرت في الانتخابات البرلمانية، وهناك حجم كبير من الحريات، ولكن تشكيل الجمعية التأسيسية وإجراءات القمع والمليشيات التي شكّلها مادورو نفسه تدلّل أيضاً على ضعف الديمقراطية في هذا البلد، وقابليتها للتهميش أكثر فأكثر. وكتلة اليسار العربي بوقوفها مع مادورو، ومن دون
وفي كل الأحوال، فنزويلا الآن مُجبرة على انتخابات رئاسية جديدة، وهذا سيكون الخيار الوحيد أمامها للخروج من ازدواجية السلطة التي تشكلت فعلاً. وبالتالي، على اليسار وغير اليسار دعم القرارات الدولية والفنزويلية المؤيدة للديمقراطية في هذا البلد، وكذلك للإبقاء على المساعدات للفقراء، والبحث عن حلول جدّية للأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب هذا البلد. وعدا خيار الانتخابات الرئاسية المبكرة، هناك خيار التمسّك بالسلطة، وهذا سيكون أكبر كارثة على فنزويلا التي تعتبر من أوائل الدول في ممارسة العنف عالمياً، وهناك أكثر من 70% من السكان تحت خط الفقر، وأجهزة أمنية قوية ومليشيات مدنية شكلها مادورو بعد 2013، وهذه يمكن أن تشعل حرباً أهلية حقيقية. الشعب الآن في الشارع، وهو يحتج ضد حكم مادورو، وهناك رئيس برلمان يميني أعلن نفسه رئيساً للبلاد، ومدعوم أميركياً، وتتجه الدول الإقليمية إلى دعمه "مجموعة ليما" كما أميركا والاتحاد الأوروبي.
كما أية ثورة اشتراكية أو شعبية، لا يمكن أن تنجح الثورة البوليفارية بالزعيق والعياط ضد الإمبريالية، كما تفعل الأحزاب الشيوعية والحوثيون وحزب الله والنظام الإيراني. إنها تنجح حينما تعطي للشعوب حقوقها، وأولها الحريات العامة والعدالة الاجتماعية وتصنيع الاقتصاد. بيانات الدعم لمادورو غير كافية، لأنّها لا تنتقد نظام حكمه، والذي قد يفجر حرباً أهلية لحماية نفسه، وسيسقط بعدها، أو انتخابات رئاسية جديدة، وسيسقط بها. حقوق الشعب هي مقياسُ أيّ تقييم للسياسات، والآن الشعب الفنزويلي في الشارع، وضد الولاية الثانية لمادورو، ولكنه سيقع بأيدي خوان غوايدو، والذي سيُعمّق الأزمة الاقتصادية في هذا البلد المنكوب بالتبعية والطغيان والنفط واليورانيوم والثروة المائية والذهب والحديد والفحم.