مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس، ينتقد ناشطون حقوقيون ومعنيون بقضايا الأطفال عدم إدراج حقوق هذه الفئة في البرامج الانتخابية، على الرغم من الانتهاكات الكثيرة التي يتعرضون لها، وارتفاع نسبة العنف، وتراجع مستوى المدارس الحكومية
ينتقد ناشطون حقوقيّون غياب حقوق الأطفال ومشاكلهم واحتياجاتهم عن البرامج الانتخابية للمرشحين إلى الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، والرئاسية (الدورة الأولى في 15 سبتمبر/ أيلول)، إذ لم يتطرقوا إلى الطفل التونسي باعتباره مستقبل البلاد وعمادها. وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة في عام 2018، بلغ عدد الأطفال في تونس نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون طفل (ما دون 17 عاماً).
في هذا الإطار، أطلقت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حملة وطنية دعماً لحقوق الطفل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية تحت شعار "وللأطفال صوتٌ في حكم تونس". ودعت الرابطة المرشحين للانتخابات الرئاسيّة أو من يمثلهم، إضافة إلى رؤساء القوائم الانتخابية التشريعية في تونس الكبرى أو من يمثلهم، إلى المشاركة في هذه الحملة التي بدأت رسمياً في السادس من سبتمبر/ أيلول الجاري، بهدف تسليط الضوء على مسؤوليّاتهم التاريخية حيال واقع الأطفال ومستقلبهم، والتعامل مع المسألة باعتبارها إحدى قضايا الأمن القومي. كما دعت ممثّلي المنظّمات الدوليّة والإقليمية ذات الصلة بحقوق الطفل إلى المشاركة.
وعلى الرغم من أن الدستور ينص في بنوده على حقوق الطفل، إذ إنّ "على الدولة ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم، وتوفير جميع أنواع الحماية لكلّ الأطفال دون تمييز ووفق المصالح الفضلى للطفل"، إلا أن الطفل التونسي ما زال يعاني بفعل الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة نتيجة الاستغلال الاقتصادي والعنف والتهميش والاعتداءات على حقوقه ومصلحته الفضلى.
ومع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية، أطلقت مجموعة من المنظمات المعنية بقضايا الطفولة، وناشطون حقوقيون، صرخة في ظلّ لامبالاة السياسيين حيال المخاطر التي تهدد الأطفال في تونس، مطالبين المرشّحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية بوضع ملف الطفولة في الصدارة.
وتطالب الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل المرشحين باحترام مبادئ حقوق الطفل، وإيلاء ملفات الطفولة الاهتمام الكامل في البرامج الانتخابية. ويقول رئيس الجمعية معز الشريف لـ "العربي الجديد" إن هناك غياباً واضحاً للطفل وحقوقه لدى المرشحين، لافتاً إلى أن ذلك دليل على عدم قدرة المرشحين على استشراف مستقبل البلاد، كما يعكس ضعفاً في التخطيط، علماً أن الأطفال يشكّلون الركيزة الأساسية لبناء تونس المستقبل.
ويرى الشريف أن الطفل مواطن صامت سياسياً لأنه لا ينتخب، ما جعله غير مشمول بالبرامج الانتخابية للمرشحين. لكن على هؤلاء إدراك أن الطفل سيكون ناخباً غداً، وتكفي الإشارة إلى أن أكثر من مليون وأربع مائة ألف مسجل جديد في انتخابات 2019 كانوا أطفالاً خلال الاستحقاقات السابقة المماثلة. وينتقد بعض المرشحين الذين استغلّوا أطفالاً في اجتماعات سياسية وانتخابية، إضافة إلى آخرين يحملون أفكاراً هدامة مناهضة لحقوق الطفل دستورياً.
ويؤكد الشريف على أهمية دور رئيس الجمهورية ومكانته في الجهاز التنفيذي ومنظومة الحكم، باعتباره ضمانة لحقوق الطفل، لأن الدستور وضع رئيس الجمهورية في مكانة الضامن لتطبيق الدستور والساهر على حماية أحكامه. ويلفت إلى أن الرئيس المقبل هو رئيس التونسيين جميعاً، بمن فيهم الأطفال الذين يبلغ عددهم ثلاثة ملايين و400 ألف طفل. ومن خلال حماية الطفل، تُحمى الأسرة بكاملها من مختلف المخاطر.
وينتقد الشريف خطابات عدد من المرشحين للرئاسة، بعدما أعلنت إحدى المرشحات أنه "لا مجال لتوريث الأطفال المولودين خارج إطار الزواج"، ما اعتبره موقفاً خطيراً يتعارض والدستور.
وتكشف إحصائيات الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل أن العائلة التي تمثل النواة الأولى لتنشئة الأطفال، تعاني في ظل التفكك الأسري، إذ تسجل يومياً 40 حالة طلاق في تونس. كما تظهر الأرقام أن عدد الاطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج يبلغ سنوياً أكثر من 1000 طفل مجهول النسب.
من جهته، يقول رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني، خلال لقاء إعلامي حول حقوق الطفل: "هناك مخاوف جدية على مستقبل الأطفال في تونس، في ظل غياب البعد التربوي والثقافي في برامج السياسيين المرشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية". يضيف أن المنظمة وجهت رسالة مفتوحة للمرشحين للانتخابات الرئاسية، دعتهم فيها إلى إنقاذ المدرسة في ظل تسرّب نحو 300 تلميذ لا يجيدون القراءة والكتابة يومياً، أي نحو مائة ألف تلميذ أمي سنوياً ينتظرهم مستقبل مجهول. يضيف: "ما يثير القلق هو أن النجاح في المدرسة أصبح مرتبطاً بالمستوى المادي والثقافي للعائلة، ما يناقض مبدأ العدالة والإنصاف".
ويذكر الزهروني أن حديث السياسيين التونسيين في خطاباتهم عن المدرسة لا يتجاوز مجرد كونه إعلان نوايا، من دون أن يكون هناك رؤية واضحة لمستقبل التعليم والمدرسة، كما هو الحال في البلدان المتقدمة. ويشير إلى أن المدرسة التونسية خلال السنوات الخمس الماضية، عاشت أزمات خانقة. لكن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب لم يبديا اهتماماً كافياً لمعالجتها. يضيف أن تراجع دور المدرسة الحكومية أدى إلى إرهاق العائلة التونسية التي أصبحت تصرف مبالغ كبيرة على الدروس الخصوصية. ويرى أنه في حال لم يتمكن المرشح إلى رئاسة الجمهورية من طمأنة الأهل على مستقبل أبنائهم، فهو لا يستحق أن يكون رئيساً للجمهورية.
من جهته، يقول كاتب عام جمعية مندوبي حماية الطفولة أنيس عون الله، لـ "العربي الجديد"، إن ملف الطفولة في تونس يعدّ محلّ توافق بين الجميع، ويفترض ألا يكون حوله خلاف، مشيراً إلى أن من مصلحة جميع الأطراف إيلاء هذا الملف العناية التي يستحقها. ويلفت إلى أن قطاع الطفولة يحتاج إلى رؤية واستشراف بحسب برنامج إصلاحي واضح يكون محل إجماع كل الفاعلين والأطراف المتداخلة فيه. ويدعو إلى ضرورة الابتعاد عن الحلول الترقيعية واستخلاص الدروس من المشاكل السابقة التي واجهت الأطفال، إضافة إلى ضرورة القيام ببرامج استباقية لتلافي المشاكل القديمة.
80 في المائة يُعنّفون
تكشف إحصائيات الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل أن فئة الأطفال في تونس من أكثر الفئات هشاشة، وتتعرّض أكثر من غيرها للعنف بشكل مستمر. وتظهر الأرقام الأخيرة أن 80 في المائة من الأطفال يتعرّضون للعنف، وهذا العنف ناجم عن المؤسسات التي من المفترض أن توفر الحماية للأطفال سواء في الحضانات أو الروضات أو المدارس أو المعاهد.