انتخابات المغرب: عودة السلفيين بلا تنظيم موحَّد

28 سبتمبر 2016
ستكون هذه الانتخابات الأولى للتيار السلفي (فضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

تُعتبر الانتخابات البرلمانية المغربية، المقررة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أول انتخابات يشارك فيها التيار السلفي بمرشحين التحقوا بعدد من الأحزاب السياسية، منهم سلفيون كانوا ينتسبون إلى ما يسمى "السلفية الجهادية"، وآخرون يمثلون ما يصطلح عليه بـ"السلفية التقليدية".

ومن أبرز الوجوه السلفية التي قررت الترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة بالمغرب، عبد الوهاب رفيقي، المعروف بأبو حفص، الذي ترشح باسم حزب الاستقلال، المعارض، في مدينة فاس، كما ترشح هشام تمسماني في مدينة طنجة عن الحزب نفسه، بينما ترشح عبد الكريم الشاذلي في الدار البيضاء عن الحركة الاجتماعية، والشيخ حماد القباج باسم العدالة والتنمية، لكن وزارة الداخلية رفضت ملفه.

ويمكن التمييز بين هذه الرموز السلفية في المغرب، الذين كانوا جميعاً يحملون لقب "شيخ"، وجرّبوا الاعتقال في السجون بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب، باستثناء القباج، بين سلفيين كانوا يغرفون من معين تيار "السلفية الجهادية"، وهم أبو حفص، والشاذلي، وتمسماني، بينما يُحسب القباج نظرياً على تيار "السلفية التقليدية".

ومقابل مشاركة هذه الرموز السلفية "السابقة" في الانتخابات المقبلة بالمغرب، اختارت شخصيات سلفية لها وزن كبير، النأي بنفسها عن الترشح في هذه المحطة الانتخابية، وإن كانوا جميعاً يدعون إلى المشاركة في التصويت، وعلى رأسهم الشيخ محمد الفزازي، الذي سبق للعاهل المغربي محمد السادس أن صلى خلفه صلاة الجمعة قبل سنتين، والشيخ حسن الكتاني، والشيخ عمر الحمدوشي، والشيخ عبد الرحمان المغراوي، وآخرون. وفيما فضّل هؤلاء الشيوخ السلفيون عدم الترشح للانتخابات البرلمانية، باعتبار أن ذلك ليس مجالهم، ولا البرلمان مكانهم، بقدر ما هم دعاة ورجال وعظ ودين، فإن الشيوخ الذين قرروا العمل الحزبي، والترشح في الانتخابات، نزعوا عنهم صفة المشيخة، وقرروا النزول إلى معترك السياسة.

وتطرح مشاركة شخصيات عاشت ردحاً من الزمن في كنف الإيديولوجية السلفية في الانتخابات البرلمانية المقبلة بالمغرب، سؤالاً عريضاً حيال "فرص الربح والخسارة"، سواء للسلفيين أو للدولة من مشاركة السلفيين في الانتخابات، وسعيهم إلى ولوج البرلمان من بوابة العملية الانتخابية.

وإذا كان مراقبون يرون في مشاركة السلفيين في الانتخابات، واقتحام العمل السياسي والحزبي بما له وما عليه، يعتبر نوعاً ناجعاً من إدماج التيار السلفي في الحياة السياسية والمجتمعية للبلاد، بعد طول جفاء وفتور في العلاقة بين السلفية، تحديداً "الجهادية" والدولة، فإن البعض يرى أن فرص الخسارة أكثر من فرص الربح، باعتبار الخشية من ارتهان هؤلاء السلفيين لإيديولوجياتهم التي يصفونها بالمتشددة.



واختار الشيخ أبو حفص الترشح باسم حزب الاستقلال، بعد أن كان يشغل منصب نائب الأمين العام في حزب النهضة والفضيلة، الذي كان أول من فتح باب العمل الحزبي والسياسي لهذا المعتقل الإسلامي السابق على ذمة قضايا الإرهاب، قبل أن يحظى بعفو ملكي خاص قبل أشهر عدة. ورأى بأن فرص النجاح أكبر فيما يخص مشاركة السلفيين في الانتخابات، وقال لـ"العربي الجديد" إن "مشاركة السلفيين في الانتخابات تحمل إشارات إيجابية عدة، سواء من الدولة أو السلفيين أنفسهم".

وأفاد أبو حفص بأن "بحث السلفيين عن ولوج البرلمان رسالة من الدولة باستيعابها لكل أبنائها، وفتح باب المصالحة مع كل التوجهات والتيارات التي عرفت العلاقة معها نوعاً من التشنج والتوتر، كما يفصح عن رغبتها في تنويع البرلمان سياسياً، وإدماج مختلف الأطراف، خصوصاً تلك التي كانت إلى زمن قريب تقاطع العملية السياسية لأسباب دينية".

فرص الربح من ناحية السلفيين، يجملها أبو حفص في كونها رسالة مشجعة تفصح عن رغبة واضحة في الاندماج المجتمعي، والإيمان بكل الثوابت، والقبول بالآخر، بل هي تعبير عن الاعتراف بالمسارات الديمقراطية، وكونها أفضل السبل لتدبير الاختلاف داخل المجتمع الواحد.

وشدد على أنه "لا بد من تشجيع هذه التيارات على دخول العمل السياسي، وعدم وضع الحواجز والعوائق دون ذلك، لأن نزولهم إلى الميدان واحتكاكهم بالواقع من شأنه تخليصهم من بعض الرواسب، وتدفعهم نحو مزيد من الاعتدال والوسطية، إلا أنه في مقابل كل هذا لا بد لهؤلاء السلفيين من الإيمان الكامل بقواعد الممارسة السياسية، وأن يكون اقتحامهم للميدان عن قناعة تامة دون تقية".

من جهته، ارتأى الشيخ عبد الكريم الشاذلي دخول عالم السياسة والأحزاب عن طريق انخراطه في حزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، وتأسيسه جمعية حقوقية تطالب بجبر ضرر "المعتقلين الإسلاميين"، عاملاً على استقطاب سلفيين إلى هذا الحزب، بعد مغادرتهم للمعتقلات بسبب تهم تتعلق بقانون مكافحة الإرهاب.

أما الشيخ حماد القباج، الذي كان الساعد الأيمن للشيخ السلفي عبد الرحمان المغراوي، المصنّف بكونه زعيم "السلفية التقليدية" في المغرب، والذي عُرف بابتعاده عن السياسة، باستثناء دعوته المكثفة قبل خمس سنوات مضت للتصويت في الاستفتاء على الدستور الجديد حينها بنعم، فقد ترشح باسم حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، الذي يقود الحكومة الحالية، لكن وزارة الداخلية رفضت ملف تشريحه بدعوى أنه يشيع التطرف والكراهية في المجتمع، بناء على تصريحات سابقة له ضد اليهود.



ورد حزب العدالة والتنمية على قرار الداخلية الذي يمنع على القباج الترشح للانتخابات البرلمانية، بالتنديد بما سماه الاعتداء على حق دستوري، واصفاً القباج بكونه "مفكرا معتدلا وباحثا نذر نفسه لخدمة دينه ووطنه وملكه بكل تفان وإخلاص، وبأنه حريص على تعزيز خط الاعتدال داخل التيار السلفي".

وسوغ الحزب الحاكم تزكية القباج لهذه الانتخابات، برغبته في إدماج السلفيين في الحياة السياسية بالبلاد، وهو ما يمكن تسميته بإحداث فرص يربح منها التيار ذاته، والدولة أيضاً، فالتيار السلفي يستفيد من تجربة خوض غمار المعترك السياسي والحزبي الذي لم يسبق له تجريبه، بالنظر إلى معتقدات سابقة تحرم هذا المجال، بينما الدولة تربح إدماج السلفيين، وتحييد فئة من المجتمع عن الوقوع في أفكار التطرف والتشدد.

وكان حزب العدالة والتنمية واضحاً في هذه النقطة تحديداً، عندما أكد في بلاغ سابق له على أن "نهج الإدماج لأعضاء التيار السلفي المعتدل داخل المؤسسات والحياة العامة للبلاد من منطلق ما يجب لهم من حقوق وعليهم من واجبات، قد أثبت نجاعته وفاعليته في ضمان مزيد من الأمن والاستقرار، وتوسيع دائرة الاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب".

من جهته، رأى الخبير بالحركات الإسلامية، إدريس الكنبوري، أن "السلفيين سيقدمون من خلال ترشحهم في هذه الانتخابات تجربة شبه نموذجية، والأولى من نوعها لعملية الاندماج في الحياة السياسية"، معتبراً أنها "رسالة إلى الدولة مفادها أن السلفيين المغاربة تجاوزوا مرحلة العداء للمشاركة السياسية بعد سنوات من العزلة والتطرف وبعد تجربة الاعتقال، وأصبحوا يتبنون الخيار الديمقراطي والعمل من داخل المؤسسات القائمة".

وأضاف الكنبوري في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مشاركة السلفيين في هذه الانتخابات لها أكثر من دلالة، الدلالة الأولى أنه ليس هناك تنظيم سلفي بالمعنى الحقيقي للكلمة، يستطيع جمع مختلف السلفيين في حزب واحد، كما حصل في بلدان عربية أخرى، بل فقط سلفيون دون تنظيم سلفي".

وأردف بأن "هذا خيار اعتمدته الدولة منذ التسعينات من القرن الماضي في التعامل مع الإسلاميين، حين رفضت طلبات من حركة الإصلاح والتجديد وجماعة العدل والإحسان بإنشاء أحزاب سياسية، وفتحت أمامهم خياراً وحيداً هو الانضمام إلى أحزاب سياسية قائمة ومعترف بها، وبالتالي فإن الدولة تأخذ اليوم تجربتها السابقة مع الإسلاميين لتطبيقها على السلفيين".

أما الدلالة الثانية، بحسب الكنبوري، فهي أن "السلفيين ليسوا منضوين تحت مظلة حزب واحد بعينه، قبل أن يتفرّقوا على مختلف الأحزاب السياسية، بل أن ذلك يأتي في إطار استراتيجية لتشتيت السلفيين. وهذا يعني أن هؤلاء السلفيين لن يعملوا في تلك الأحزاب في إطار خطاب سياسي ذي توجه سلفي، بل في إطار برنامج وخطاب سياسيين لتلك الأحزاب، وهذا في حد ذاته مسألة إيجابية بالنسبة للدولة".

ومن اللافت في الانتخابات التشريعية المقبلة، أن سلطات وزارة الداخلية عمدت إلى قبول ملفات سلفيين كانوا ينتسبون إلى "السلفية الجهادية"، وقضوا سنوات خلف القضبان، قبل أن يفرج عنهم بعفو ملكي، وهي حالات أبو حفص، والشاذلي، وتمسماني، لكنها بالمقابل رفضت ملف سلفي لم يسبق له أن دخل السجن، ولا دخل مع الدولة في حزازات أو عداوة سابقة.

وأثار رفض ملف القباج جدلاً سياسياً وقانونياً عارماً في البلاد، ذلك أن المحظورين من الترشح في الانتخابات بالمغرب محددون بموجب قانون رقم 27.11، الذي ينصّ على أن الأشخاص فاقدي الأهلية الانتخابية، هم الحاصلون على الجنسية المغربية في السنوات الخمس التي تلت حصولهم عليها، والصادرة في حقهم أحكام قضائية بالسجن، علاوة على الأشخاص المزاولين للمهام العسكرية أو القضائية، والمنتمين إلى السلطات العمومية.
بدوره، حاول أستاذ العلوم السياسية بجامعة مراكش، عبد الرحيم العلام، تفسير حالة القباج، بالقول في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الشيخ السلفي أخطأ العنوان حين أراد دخول المعترك السياسي من خلال الواجهة الحزبية"، لافتاً إلى أن "حزب العدالة والتنمية لم يدرس الرسائل الخارجية حول إدماج السلفيين في الحياة السياسية للبلاد".

وأوضح العلام أن "حزب العدالة والتنمية الذي رشح باسمه الشيخ القباج، تناسى أن العلاقة مع الخارج هي من الاختصاص الحصري للملكية"، مضيفاً أن "الذرائع التي تحججت بها السلطة عند رفضها لترشح القباج هي مجرد تعليلات ليس إلا، تم التقديم لها من خلال حملة إعلامية منظمة".

وأبرز المحلل ذاته بأن "أرشيف الناس لا يمكن أن يحول دون تقديمهم للمراجعات، وهذا حال العديد من الموجودين اليوم في الحياة السياسية الذين كانت لديهم مواقف سياسية من نظام الحكم نفسه ومن قضية الصحراء، بل إن الملك نفسه صلى خلف أشخاص كانوا مشهورين بالتحريض على العنف والحقد".

وأضاف أن "السلطة اليوم تحاور داخل السجون أشخاصاً يتسمون بالدعوة إلى العنف، كما أن وجود حزب العدالة والتنمية نفسه يدخل في استراتيجية الدولة في إدماج الإسلاميين في الحياة السياسية، التي جاءت أيضاً في سياق دولي معين، وليس فقط رغبة داخلية محضة".